هل هي ولادة عراق جديد

هل هي ولادة عراق جديد؟

هل هي ولادة عراق جديد؟

 صوت الإمارات -

هل هي ولادة عراق جديد

أمل عبد العزيز الهزاني
بقلم : أمل عبد العزيز الهزاني

العراقيون متحمسون للانتخابات التشريعية المقبلة أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي بعد شهر من اليوم، وهي الخامسة منذ الغزو الأميركي للعراق في 2003 وإسقاط نظام صدام حسين. مبكراً، منذ أسابيع، أنهت الحكومة الخطة المفترضة، والإجراءات التنظيمية، ووضعت 500 مراقب دولي وأممي لضمان سلامة العملية الانتخابية وسلاستها، التي من المقرر أن يرشح عنها مجلس للنواب يضم 328 عضواً في انتخابات بكرت بموعدها الذي كان مقرراً منتصف العام المقبل.
لم هذه الانتخابات لها أهمية قصوى للعراقيين؟ بداية، جاء التبكير بها نتيجة الاحتجاجات الشعبية التي أربكت البيت السياسي وأسقطت حكومة عادل عبد المهدي بعد عام من تشكيلها في 2018. نزل الناس إلى الشوارع محتقنة من ضعف الخدمات، ومن الفساد المستشري في المؤسسات العامة، وحوادث الإهمال والتقصير وضعف المحاسبية والرقابة. لم يكن بمقدور عبد المهدي الذي سبق أن حمل حقائب كبيرة كالدفاع والداخلية والنفط ونيابة رئاسة الجمهورية إلا أن ينسحب من المشهد الغاضب، واضعاً الرئيس برهم صالح أمام مهمة تكليف جديدة، حيث برز اسم السيد مصطفى الكاظمي لإدارة المرحلة الانتقالية، وتولى المنصب في مايو (أيار) 2020.
العراق مشكلاته معقدة ومتجذرة، أبرزها على الإطلاق الفساد؛ الإثراء غير المشروع، ونهب المال العام، والتحزب الطائفي ضد فئات مجتمعية معينة، وقانون هزيل أمام نصرة الناس وحماية حقوقهم. ولأن الفساد مثل الأخطبوط متشعب الأيادي، كان الكاظمي يعلم أنه بحاجة لمجتمع دولي يسانده في فك الارتباط بين الفاسدين في الداخل والخارج، بمعونة المنظمات والجهات الدولية المعتبرة، وتعاون مستقل مع دول عربية وغير عربية لتحجيم هذا الملف، وإعادة الأموال المودعة خارج العراق إليها. محاربة الفساد يعني الدخول في عش الدبابير، وتحمل تبعات ذلك، لأن الدبابير لها أسماء رنانة، من نواب ووزراء ووجهاء مجتمع، وهم الطبقة التي يمثل الوقوف ضد فسادها تأثيراً كبيراً على من دونهم من اللصوص.

 

البلدان قد تستنزف في النزاعات المسلحة أو الكوارث البيئية، لكن لا شيء يضاهي الفساد في خلخلة بنيان الدولة، والإطباق على عنقها لحرمانها من فرص التنمية والنهوض بالقدرات البشرية بمعونة المقدرات المالية. السيد الكاظمي وضع نصب عينيه أن المرحلة الانتقالية قصيرة لكنها مركزة، ولديه فرص محدودة لإحداث التغيير في حال العراق، وربما لا نبالغ إن قلنا في مستقبله. الكاظمي جاء بهاجس أساسي وهو إعادة الهيكلة الاقتصادية وإضعاف رؤوس الفساد، باتخاذ إجراءات جريئة لم يسبقه لها مسؤول عراقي منذ عقود، مثل تشكيل لجنة تنظر بشكل خاص في ملفات الفساد الكبرى، ولها أن تعتقل أي شخصية مشبوهة من خلال قوة خاصة برئاسة الوزراء. وبالفعل اعتُقل عشرات من المسؤولين.
قد يقول قائل، إن من الفاسدين شخصيات منضوية تحت ميليشيات مسلحة لا يجرؤ أحد على المساس بها، وبالتالي إن كانت مكافحة الفساد انتقائية أو عاجزة أمام أسماء محصّنة فلا جدوى منها. الواقع، أنه حتى عندما اعتقل قائد عمليات الأنبار للحشد الشعبي قاسم مصلح قبل أربعة أشهر، وفق قانون مكافحة الإرهاب، وثارت جماعته، ثم أخلي سبيله، تظل هذه الخطوة كالحلم لمن يعرف كيف غرق العراق في فساد البعثيين مالياً وإدارياً ثم حكومات ما بعد الغزو، حتى أصبحت هذه الدولة العربية الغنية جداً لا تجد الدواء والكهرباء والماء النظيف، ولا تنام آمنة.
استطاع الكاظمي المضي خطوات طويلة إلى الأمام من أجل أن يضمن للعراق الحصول على تضامن وتعاون دولي وإقليمي لبناء مؤسسات الدولة على أسس صحية، فدعا إلى مؤتمر دول جوار العراق الذي جمع كل الأطراف على اختلافاتها، لكنهم كانوا مجمعين على أهمية الحضور، ومد يدهم إلى عراق جديد يريد أن يعيد تموضعه في مكان يستحقه في خريطة العالم. الدول العربية، وعلى رأسها السعودية ومصر، استقبلتا التغيير العراقي تجاه المنطقة العربية بكثير من الترحيب الدافئ والحفاوة. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زار بغداد بعد 30 عاماً من الهجران، محملاً بملفات اقتصادية كبيرة. والسعودية، المجاورة للعراق، والأكثر تأثيراً وتأثراً بكل ما يجري فيه سلباً أو إيجاباً، استقبل ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان السيد الكاظمي في الرياض، واتفق الجانبان على تأسيس صندوق استثماري مشترك بثلاثة مليارات دولار، ومجلس تنسيق سعودي عراقي يشرف على تنفيذ الأعمال المتفق عليها في قطاعات النقل والطاقة المتجددة، والبنى التحتية، والربط الكهربائي الذي يمثل قضية شائكة لدى العراقيين. وجولات مكوكية لمسؤولين سعوديين أبرزهم وزراء الخارجية والداخلية والتجارة والنقل إلى العراق خلال أشهر قصيرة، تؤكد جدية السعوديين في إقبالهم على مساندة العراق.
أعود لأسأل لماذا هذه الانتخابات التشريعية مهمة لمستقبل العراق؟ لأن نتائجها ستحدد إن كان العراق سيكمل ما بدأه مصطفى الكاظمي من إنعاش للوضع السياسي والاقتصادي أم سيتراجع، وهل كانت الاحتجاجات الشعبية ذات تأثير على الواقع السياسي أم كانت غضبة فقراء؟
العراق يستحق ولادة جديدة، والواجب العروبي تجاهه لا شك حوله، لكن يظل المواطن العراقي، ومن خلال من يختار لتمثيله، هو أساس التغيير، والفاعل المهم في المشهد كله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هي ولادة عراق جديد هل هي ولادة عراق جديد



GMT 17:50 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

عودة الجغرافيا السياسية: حرب أوروبا

GMT 20:10 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السم بالتذوق

GMT 20:03 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مراهنات خطيرة في السودان

GMT 19:59 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

GMT 19:55 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية... الحقبة الخضراء

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates