بقلم - عبد المنعم سعيد
من قرأ التاريخ الأمريكى وعاش فى الولايات المتحدة سوف يجد الأمريكيين لديهم عقدتان يصعب التخلص منهما: أولاهما أن المهاجرين إلى القارة الأمريكية اعتبارا من القرن السادس عشر رغم ما كانت معاناتهم فى أوروبا من تمييز دينى وعنصرى، كان عليهم مواجهة السكان الأصليين، وهى مواجهة استمرت حتى الآن وكان نتيجتها القتل الجماعى، أو الاستيعاب داخل الأمة الأمريكية، أو العيش فى مستوطنات منعزلة كثيرا ما تعانى قلة الحظ مقابل الحفاظ على تقاليد تاريخية. وثانيتهما هى أنه لكى يستغل المستوطنون الجدد الأرض الشاسعة كان عليهم جلب العمالة الإفريقية فى صورة العبيد التى كانت شائعة على مستوى العالم. لم تكن هناك مواجهة فقد عاش العبيد للعمل والخدمة فى المجتمعات البيضاء التى تربى لديها شعور بالسمو الطبيعى على كل السود.
الثورة الأمريكية خلقت تناقضا فى توجهاتها تجاه السود عندما جاء إعلان الاستقلال الأمريكى وقد تضمن بشكل قاطع المساواة بين البشر بغض النظر عن اللون أو العقيدة؛ ومع ذلك فإن الدستور أقر العبودية للسود استنادا إلى أن أصحاب الأصول الإفريقية جاءوا إلى أمريكا باعتبارهم سلعة. هذا التناقض ظل مؤرقا للدولة الوليدة، وبعد ستة عقود من ولادتها جرت الحرب الأهلية وفى أثنائها أقرت دستوريا بتحرير العبيد وحقهم فى الترشح والانتخاب وجميع الحقوق السياسية الأخرى. وفى مقابل ذلك جاء من جانب البيض حلان أولهما أن يذهب السود «الأحرار» إلى إفريقيا مرة أخرى وعلى أكتافهم قامت دولة «ليبيريا» الذين عاملوا السود الأصليين معاملة العبودية التى كانوا يتعاملون بها فى جنوب الولايات المتحدة. وثانيهما قوانين «جيم كرو» التى قامت على قاعدة «متساوون ولكن مختلفون» أى أنهم متساوون فى الحقوق الأساسية السياسية مع البيض؛ ولكن طالما أنهم مختلفون فإن هناك اختلافات ضرورية فى التعليم والسكن والصحة والحياة الاجتماعية والثقافية. ظلت هذه القوانين سائدة حتى منتصف الستينيات من القرن الماضى عندما صدر قانون الحقوق المدنية الذى أقر المساواة الكاملة.