المناظرة والديمقراطية الأميركية

المناظرة والديمقراطية الأميركية!

المناظرة والديمقراطية الأميركية!

 صوت الإمارات -

المناظرة والديمقراطية الأميركية

بقلم - عبد المنعم سعيد

قبل أسبوع جرت المناظرة بين الرئيسين الحالي جوزيف بايدن والسابق دونالد ترمب في مشهد غير مسبوق في التاريخ الأميركي. وعلى مدى سبعين عاماً باتت «المناظرة» بين المرشحين الموعودين للحزبين الديمقراطي والجمهوري نوعاً من الطقوس التي تعلن فيها أميركا للعالم كدولة ديمقراطية تبلغ فيها الشفافية والتنافسية قمتهما وصفاءهما. المناظرة لا تكون بين شخصين استقر عليهما الجمع السياسي الأميركي وإنما هي إعادة نظر في المسيرة الأميركية منذ «الآباء الأوائل» للثورة الأميركية؛ وما نجم عن الهزة الأعمق في التاريخ الأميركي للحرب الأهلية التي تمخض عنها ثلاثة تعديلات دستورية. بعد مائة عام، وبعد قوانين «جيم كرو» التي عملياً أخلّت بالتعديلات الثلاثة، فإن عقد الستينات من القرن الماضي شهد هزة فتحت أبواب الحرية واسعة ليس فقط للمرأة أو السود والأقليات، وإنما دخلت إلى منافذ جديدة حيث المتحولون جندرياً. ما يلي ذلك كان استقراراً لتقاليد ديمقراطية سمحت لاختلافات عميقة أن تتحول مناظرات تطرح على سوق التصويت قائمة طعام كبيرة للاختيار فيما بينها تتعلق بالمشكلات والمعضلات والأسئلة التي يتعرض لها الجمهور الأميركي في مرحلة زمنية بعينها. كان المفترض دائماً أنه مهما كان الاختلاف في الرأي فإن الجمهور السياسي يتوافق على قواعد اللعبة الديمقراطية في الاختلاف الذي يعبّر عنه التصويت، والاتفاق على أن النتائج سوف تسمح للمنتصر أن يجرّب ما طرحه على المناظرة فإذا نجح سُمح له بفترة رئاسية أخرى، وإذا فشل فإن شخصاً آخر سوف يأتي.

هذه الحالة الأميركية المثالية لم تكن أبداً نقية، وفي أحوال سادت فيها «صناعة الرئيس»، حيث الحرفة ذائعة، والفكرة إما غامضة أو لا تراها العين وسط ضجيج الكلمة وبريق التلفزيون. ولكن ما كان فيها من تقاليد كافياً لكي تكتمل الصورة الإيجابية عن الولايات المتحدة. الانتخابات الحالية للرئاسة تمثل جولة ثالثة في الخروج على النظم والتقاليد بدأت في عام 2015 عندما بدأت الاستعدادات للانتخابات الرئاسية التي انتهت بعد سباق ماراثوني داخل الأحزاب وخارجها إلى الصراع بين دونالد ترمب وهيلاري كلينتون. الجولة الثانية جاءت بعد أربع سنوات بين الرئيس ترمب مرشحاً جمهورياً، والمرشح الديمقراطي بايدن الذي كان نائباً في السابق للرئيس باراك أوباما. القاسم المشترك الأعظم للجولات الثلاث كان هو رجل الأعمال دونالد ترمب؛ وهو الذي يدفع المؤرخين للتاريخ الأميركي إلى نظرة سلبية للديمقراطية الأميركية التي أنتجته في المقام الأول، وبعد ذلك اندفع هو لكي يقوّض دعائمها. المناظرة ذاتها كانت الشهادة على هذا التقويض، حيث جرت قبل أن تقوم مؤتمرات الحزبين بالتصديق على اختيارهما ممثلين لحزبيهما. نقص من المناظرة التعرف إلى برنامج كل حزب، فيزداد الوضوح السياسي أمام الرأي العام. المناظرة كانت بلا جمهور لتفادي الصياح والتصفيق والاستعراض من قِبل ترمب في إهانة خصمه ومقاطعته؛ ولكنها في المضمون كانت بين خصمين عاريين من سمات صحة الإنسان. بايدن وله من العمر 81 عاماً تغيرت عليه أعراض السن من تلعثم ونسيان وضعف التحكم في الحركة. وترمب رغم أنه بلغ الـ78 عاماً، فإن تحكّمه في نوازعه كان دائماً ضعيفاً في مناظرات الانتخابات السابقة والحالية وقد دخل المناظرة بعد إدانته في 34 جُنحة، ولا تزال أمامه قائمة أخرى من ادعاءات النيابات العامة. لم يكن كل ذلك شهادة على المرشحين بالأزمة في الديمقراطية الأميركية، بقدر ما كانت شهادة على الجمهور الأميركي في أن يضع بدائل جاهزة فيزيقياً لحمل أثقال أكبر منصب في العالم.

الهزة لدى الجمهور كان لها ما تلاها في أركان مختلفة في التاريخ الديمقراطي الأميركي. التسليم بنتائج الانتخابات كان دائماً حجر الزاوية في العمليات الانتخابية؛ وإذا لم يتم فإن العملية برمتها تصبح مثل مباريات كرة القدم التي يرفض فيها المهزوم نتائج المباراة متهماً الحكم بالتزوير وتغيير نتيجة المباراة. ترمب رفض تماماً التسليم بنتيجة جميع الانتخابات الأميركية متهماً الديمقراطيين بالتزوير بما فيها الانتخابات الرئاسية السابقة التي فاز فيها بايدن. ومن ناحية أخرى، فإنه وجد في أحداث 6 يناير (كانون الثاني) 2020 لمنع الكونغرس من التصديق على نتائج الانتخابات نوعاً من الغيرة الوطنية. وفي مواجهة الأحكام التي صدرت من المحاكم الأميركية على مهاجمي الكونغرس، فإن ترمب مرة أخرى أبدى استعداده للتعرض للسلطة القضائية الأميركية سلباً بالعفو عن المجرمين في حال توليه الرئاسة مرة أخرى. المدهش، وهذا لب الشرخ في الديمقراطية الأميركية، فإنه كلما صدرت الأحكام ضد ترمب، وكلما أدين بالتحرش، والفوضى في العمل الرئاسي وحفظ الوثائق، وإهانة الرئيس الحالي فإن التعاطف معه يزداد بالتمويل والهتاف وعدم الممانعة لنشوب حرب أهلية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المناظرة والديمقراطية الأميركية المناظرة والديمقراطية الأميركية



GMT 21:17 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

جهتا العقل والقلب

GMT 21:16 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هل وصلت دمشق متلازمة 1979؟

GMT 21:14 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... ولحظة سقوط الجدار

GMT 21:14 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مع حسّان ياسين والحُكم الرشيد

GMT 21:13 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 21:13 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

«زوبعة» اجتياح الخرطوم!

GMT 21:12 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا بحكومتين والثالثة في الطريق

GMT 21:11 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

عن الرئيس ورئاسة الجمهورية!

GMT 19:29 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 صوت الإمارات - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 19:32 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 صوت الإمارات - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 19:35 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 صوت الإمارات - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 19:39 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
 صوت الإمارات - تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 13:21 2013 الإثنين ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة: ضعف عضلات المراهق يزيد خطر انتحاره

GMT 14:22 2012 الخميس ,19 تموز / يوليو

طاولة عملية تمتد حسب الرغبة

GMT 01:45 2013 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

سوني توفر منصة شبيهة بالحاسب الشخصي والهواتف في جهاز PS4

GMT 18:27 2020 الخميس ,16 كانون الثاني / يناير

"اللؤلؤة الربانية" تُطرح للبيع في المزاد العلني في الهند

GMT 02:30 2019 الخميس ,05 أيلول / سبتمبر

أقراط الشراشيب الطويلة بألوان داكنة هذا الخريف

GMT 22:20 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

خطيب مسجد سعودي يشتم الفلسطينيين

GMT 19:40 2019 الخميس ,27 حزيران / يونيو

أحدث تصاميم فساتين خطوبة كم طويل لعروس 2019

GMT 18:29 2018 الإثنين ,29 تشرين الأول / أكتوبر

كينتارو يبع قطعًا بأسعار مختلفة داخل متجره في لندن

GMT 02:54 2014 السبت ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

إقامة موسيقى الحجرة في متحف الفن الإسلامي القطري

GMT 03:26 2015 الثلاثاء ,23 حزيران / يونيو

عدم إنتظام النوم في الليل له مخاطر على الصحة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates