زيارة خاطفة إلى دبى

زيارة خاطفة إلى دبى

زيارة خاطفة إلى دبى

 صوت الإمارات -

زيارة خاطفة إلى دبى

بقلم - عبد المنعم سعيد

كل المدائن لها نكهة خاصة، وأسرار مستقرة، وأمور غائمة لا تعرف متى ينكشف عنها الحجاب وتُرفع عنها الستائر؛ وكل ذلك له علاقة بالماضى. قليلة هى المدن التى لها علاقة بالمستقبل، ومن بينها مدينة دبى فى دولة الإمارات العربية المتحدة. فى الحالتين- الماضى والمستقبل- لها علاقة بالزمن؛ وهذا له علاقة بالتفاعل مع المكان أو الجغرافيا، فيكون هناك تاريخ. مَن يتابع أخبار العالم سوف يجد تواترًا فى ذكر دبى خلال السنوات الأخيرة، طاولت سيرتها عواصم وحواضر عرفت كثيرًا من القصص والخيال وحتى الأساطير، وفعلت دبى ذلك، وهى التى لم يتعدَّ زمنها المعروف عالميًّا ثلاثة عقود تقريبًا لكى تطاول أنواعًا جديدة من المدن التى تظهر خارج الإمبراطوريات والممالك. الحديث هنا لا يجرى عن باريس أو لندن أو نيويورك أو موسكو أو حتى اسطنبول، وبالتأكيد فإنها ليست القاهرة أو بغداد أو بيروت ودمشق؛ وإنما يدور عن سنغافورة وهونج كونج ومعهما تأتى دبى لكى يكون لها طابعها الخاص. هذا الطابع يهل عليك ساعة الهبوط إلى المطار، الذى ربما يكون الأحدث فى العالم ليس فقط فى طزاجة الميلاد، وإنما فى «الحداثة» وما بعدها، حيث تجد نفسك فجأة كما لو كنت تدخل إلى عصر الفضاء ومدنه القادمة من أفلام الخيال العلمى. كتل كثيرة من الزجاج تستمر معك فى أشكال من الشفافية، التى تنتقل من خلالها إلى لحظة الخروج، حيث تشيع بعدها مركبات «تسلا» الكهربية بلا تلوث بصرى أو سمعى يحجب الحوار عن عالم من ناطحات السحاب.

هى ليست نسخة أخرى من نيويورك، والمرجح عنها أنها تعدَّت بكثير فى حداثتها قدرات هندسية لم يكن يُتصور أن يكون لها نصيب فى واقع يتناغم فيه ضجيج الصمت والهدوء مع العمران الذى يصل إلى عنان السماء.

لا أدرى متى كانت المرة الأولى التى عرفت بها عن دبى وتاريخها، وأظنها كانت فى عام ١٩٨٧ عندما كنت فى واشنطن زميلًا زائرًا فى معهد بروكينجز وتعرفت على نخبة من العرب، كان من بينهم «عقيل»، الذى كان يدرس الدكتوراه فى العلوم السياسية، وفور تعارفنا أهدانى رواية «دبى»، التى حكت عن تجارة الذهب وأصول المدينة بين صيد اللؤلؤ والتجارة التى خلقت طبقة تجارية من نوع ما. فيما بعد قرأت كتاب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذى حكى عن دبى وقيام دولة الإمارات العربية المتحدة. كل ذلك أعطى بعض الأصول، التى سارت بجرأة وشجاعة لبناء تاريخ يعكس الحاضر من ناحية، ويخترق المستقبل بقفزات واسعة وواعدة من ناحية أخرى. الزيارة الأولى حدثت بعد ذلك فى مطلع التسعينيات، وبعد ذلك تواترت، وكان المدهش أنه فى كل مرة كانت «دبى» مدينة تختلف عن المدينة التى شاهدتها من قبل. كان هناك الكثير من التحديات، التى ضغطت بقدر ما كانت هناك لحظات سعيدة أغرت بأن السعادة سوف تكون دائمة. فى الحالتين كانت هناك قدرة على استيعاب التحدى سواء كان أزمة اقتصادية أو مالية أو وباء، والمضى قدمًا فى طريق لم يطرقه أحد من قبل. وفى حديث قبل فترة قصيرة لولى العهد السعودى، محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ذكر أن تجربة «دبى» والإمارات العربية المتحدة عامة رفعت سقف الطموحات العربية لتحقيق ليس فقط الإصلاح، وإنما معه المكانة والإسهام فى التقدم الإنسانى.

هذه المرة جاءت الزيارة لحضور الذكرى العشرين لعقد مؤتمر الإعلام العربى، وهو مناسبة كاشفة عن الكيفية التى يبوح بها الحادث عن واقع مدينة تجمع ولا تفرق، وتزهو ولا تغْتَرّ، بينما تقدم مزيجًا من الجديد والحديث المتقدم. «متحف المستقبل» تحفة جديدة تضيفها المدينة إلى مجموعتها الساحرة، والمفاجأة هنا ليست الارتفاع كما حدث مع برج خليفة، الذى كان مغريًا لجذب «توم كروز» لكى يصور فيه واحدة من مهامه المستحيلة، ولكنها فى تلك الخلطة الباهرة من العيش فى مستقبل فضائى، يحيطه شكل بيضاوى يسير عليه الخط العربى فى نسيج قادم من عصور ساحرة قديمة. الخطوط هنا ليست للتذكرة بما جرى، أو خلطًا بين المستقبل والماضى، وإنما هى هزة روحية لمَن ورد عليه شك وجاء إليه انعدام فى اليقين أن بناء الحضارات الجديدة ممكن إذا ما كانت الشجاعة على السير فى الطريق حاضرة. ما دار فى الذهن كان مصر دائمًا، وما إذا كانت نهضتها الراهنة يمكنها الاستفادة من تجربة بلد شقيق؛ أظن أن بعض ما لدينا فى العلمين والجلالة، وهما فى بداية الطريق، يمكنه أن يستفيد كثيرًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة خاطفة إلى دبى زيارة خاطفة إلى دبى



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:09 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

السنغال واحدة مِن أفضل الوجهات السياحية لعام 2019

GMT 13:40 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مريم المهيري تستعرض جهود تحقيق الاكتفاء الغذائي في الدولة

GMT 19:40 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

"اهدى يا مدام" قصة جديدة من مسلسل "نصيبى وقسمتك 2"

GMT 05:47 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"كهرباء القدس" تواصل تطوير خدمات الكهرباء العصرية

GMT 07:07 2014 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الجامعة الإسلامية تشارك في معرض اسطنبول الدولي للكتاب

GMT 04:37 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

معرض لتراث سورية في مخيم الزعتري

GMT 08:58 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

رباعية دفع فاخرة جديدة من "بي إم دبليو"

GMT 02:44 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الفنان حسن الرداد في "برنامج معكم" مع منى الشاذلي الجمعة

GMT 16:06 2014 الثلاثاء ,30 أيلول / سبتمبر

اللون البني لعاشقات الإطلالة المميزة في شتاء 2015

GMT 21:46 2013 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

شباب حوامل لتوعية المراهقات الأميركيات

GMT 12:18 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

عبير صبري تُعلن عن تفاصيل دورها في مسلسل "الحب الحرام"

GMT 11:43 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مغسلة توحي بالملوكية والرقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates