كم من العصافير يصطاد الحجر

كم من العصافير يصطاد الحجر؟!

كم من العصافير يصطاد الحجر؟!

 صوت الإمارات -

كم من العصافير يصطاد الحجر

بقلم - عبد المنعم سعيد

نعرف جميعا ذلك المثل عن مهارة الرجل الذى اصطاد عصفورين بحجر واحد. فى الواقع العملى فإنه يمكن للأكثر حكمة وموارد أن يصيب عدة عصافير بحجر واحد؛ والمثال هنا انعقاد "مؤتمر الإعلام العربي" فى مدينة دبى خلال الفترة من ٤ إلى ٥ أكتوبر الحالي. وهكذا بدأت قوافل من الإعلاميين والصحفيين بالتوارد على المدينة التى بات صيتها ذائعا بين مدن العالم المرموقة بدءا من اليوم السابق لبدء المؤتمر الذى يعقد للمرة العشرين. كان ذلك عصفورا أول جرى اصطياده، فأن تعقد مؤتمرا بحضور مئات من هؤلاء المدربين على الجدل وطرح الأسئلة، وأن يحدث ذلك عشرين مرة، هى مهارة لا يمكن إغفالها للدائرة الإعلامية فى دبى التى تضم عددا من المؤسسات الماهرة، والتى لها قدرة على العمل فى تناغم تام. الدعوة وترتيبات السفر والإقامة جرت بسلاسة، ورغم أن الجهة المضيفة تكفلت بجميع مصروفات السفر والإقامة وموائد الشاى بين الجلسات وبكرم عربى حاتمى – نسبة إلى حاتم الطائى العربى الكريم – فإن عصفورا آخر سقط مع إضافة فوج إضافى من السائحين إلى المدينة المجهزة بكل أدوات جذب الضيوف وإلى إنفاق ما طالبت به زوجاتهم من خلال قوائم مجهزة. لم يعد معروفا عن دبى التى عرفتها منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضى أنها رخيصة السلع، ولكن الحال الآن هى أن المدينة انضمت إلى قوائم المدن الأكثر تكلفة لأن النوع غلب الكم، والبضائع الآسيوية لم تعد غالبة وإنما منتجات أوروبية أنيقة، وباختصار "سينييه" أى "براند" مرموق. من الصعب حساب الدعم الذى تلقته دبى من الصحفيين والإعلاميين العرب لناتجها من السياحة؛ ولكنه شكل خصما من قدراتهم المالية لأن عملية التسوق بدأت فور الوصول.

ما دفع إلى هذا التفكير السياحى حتى قبل أن تبدأ فعاليات المؤتمر تقرير قرأته فى القاهرة عن السياحة فى المنطقة العربية وضع مصر فى المرتبة السادسة بين الدول العربية وفى المقدمة وقعت السعودية ومن بعدها الإمارات. ما كان دافعا على الغضب هو أن سوريا بكل ظروفها القاسية المعروفة شغلت المرتبة الخامسة، وهو ما وضع بعضا من الشكوك على نزاهة التقرير. ولكن سبق السعودية والإمارات كان مفهوما، وفى هذه الأخيرة وقعت دبى التى يزورها ٢٠ مليونا من السائحين من ٣٠ مليونا إجمالى العدد الذى يزور الإمارات. هنا فإن مؤتمرنا بات جزءا مما يقال عنه سياحة المؤتمرات التى إذا ما حسبت فى أى ساعة من ساعات النهار والليل فإن هناك مؤتمرا ما يجرى تداول أعماله، وقبلها فإن المطار جاهز للاستقبال، والفنادق معدة للترحيب، وفى المؤتمر نفسه تجرى عملية التسويق للمدينة الزاهية. فقبل أن تبدأ جلسات أولى الفعاليات انتشر الصحفيون من الآلة الإعلامية للمدينة تسأل عن المؤتمر، وعن الانطباع عن المدينة، وعما إذا كان ذلك سوف يكون له تأثير فى مصير المنطقة والحرب الأوكرانية. وقبل أن تلتقط أنفاسك وخلايا عقلك من جهد التفكير، فإنك سوف تعلم أن الموبايل الذى ظننت أنه يسجل الحديث هو فى الحقيقة ينقل فورا حديثك "ستريم" من مدينة دبى إلى العالم أجمع. هنا مجمع من العصافير التى جرى اصطيادها فى مؤتمر واحد يقوم بمهمة صعبة لإتمام التواصل بين الإعلاميين العرب، ومراجعة أحوال المهنة التى كانت حرجة قبل «كوفيد ١٩» والآن فإن حرجها أكبر ليس فقط مع الأزمة الأوكرانية، وإنما أن قضية القضايا لم تعد علاقة الصحافة المطبوعة بالصحافة الرقمية، وإنما مواجهة كلتيهما مع صحافة «الميتافيرس». هذه عرفتها جماعة أنها تضع نهاية لعصر الإنترنت؛ وقيل فى وقت آخر إنها مجرد مرحلة متطورة منه حيث يضاف الذكاء الاصطناعى ويصبح «العالم الافتراضى» واقعيا من خلال خوارزميات يتجسد فيها «آفتار» يتفاعل بالنيابة عن الشخص الذى بدأ هذا الحوار منذ البداية.

عند هذا المنعطف فإن شجرة ضخمة ممتلئة بالعصافير جرى اصطيادها بحجر واحد أو بطلقة واحدة إذا شئت؛ فلم يعد «إنترنت الأشياء» هو الذى يؤدى إلى التواصل ما بين أجهزة مختلفة، وإنما بدأ التواصل يجرى بين عقول بشرية فى وقت واحد. هى مسألة عصية على الفهم، ولا أدرى شخصيا إذا ما كان الحضور قد استوعبوا الموضوع؛ ولكن جلسة عن الصحافة المصرية ربما وضعت أوصافا دقيقة وواقعية لحال الصحافة المصرية وهو ما كان فيه الكثير من الشجاعة. الجلسة الأخرى عن الصحافة اللبنانية والإعلام اللبنانى كان فيها الكثير من تهنئة الذات لأن الصحفيين والإعلاميين اللبنانيين واصلوا الإبداع مهما كان الحرج فى الحالة اللبنانية حادثا. لم يطرح أحد عما إذا كان أحدا مسئولا عن أوضاع وطن عظيم؛ ولا كان أحد جاهزا للمشاركة فى إنقاذه أو التوصية بهذا الإنقاذ، فقد ثبت مع نهاية الحديث أن إنقاذ الذات كانت له أولوية يمكن تفهمها فى الأمور الإنسانية. عند مواجهة أحوال الإقليم بدا ما فيه من تقارب وسعى للتهدئة كما لو كان جملة اعتراضية فى مزاج متشائم ظهر ساعتها أن الخروج من حالة الاستقطاب الصحفى الحاد لا يريد أحد تركها واستبدالها بأحوال أكثر سعادة، أو يكون فيها ممكنا اقتراح ما يجمع، وترك ما يفرق. فقد هذا العصفور كثيرا من طاقاته خلال الشهور الأخيرة، ولكنه أثبت أنه بقدر ما لا يجيد عرب الكلام الصراع، ولا يعرفون كثيرا عن إدارة التوتر، ولديهم كذلك معضلة كبرى مع ثقافة التصالح. الأمور فى النهاية أبيض وأسود، ولكن مدينة دبى عند برج خليفة وما حوله فيها بهجة ملونة تضج بالحياة. وفى الليلة الثانية قبل العشاء عرفنا خبرا أن دولة الإمارات بسبيلها الذهاب إلى القمر والمريخ، كان العصفور طائرا محلقا هذه المرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كم من العصافير يصطاد الحجر كم من العصافير يصطاد الحجر



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:02 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

محترف حل المكعبات يحقّق رقمًا قياسيًا عالميًا رائعًا

GMT 00:39 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على صيحات الديكور التي ستختفي في 2019

GMT 12:41 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

استخدمي الأسلوب الفينتاج لديكورغرفة المعيشة في منزلك

GMT 01:05 2013 الجمعة ,24 أيار / مايو

"قانون جديد" الرواية الأولى لمؤمن المحمدي

GMT 14:12 2013 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

"مخطوطة العسافي" دراسة وتحقيق للباحث قاسم الرويس

GMT 13:31 2015 السبت ,24 كانون الثاني / يناير

"حكايات الحب الأول" مجموعة قصصية لعمار علي حسن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates