جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست؟!

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست؟!

 صوت الإمارات -

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست

بقلم - عبد المنعم سعيد

هناك دائما أسباب كافية للحديث عن دور الفرد فى التاريخ، ولكن ما شاع فى العلوم السياسية والاجتماعية عامة كان أن الظروف الدولية فى الخارج والقوى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى الداخل كانت لها النصيب الأوفى فى العصر الحديث كمحددات للتطور التاريخى للأمم. ورغم ذلك فإن هناك أفرادا لا يمكن تجاهل أن ما فعلوه شكل تاريخا للدول التى قادوها، ومن بعدهم تغير العالم كله. والآن فإن ميخائيل سيرغيفيتش جورباتشوف ذهب إلى خالقه عن عمر ناهز واحدا وتسعين عاما، وهو الذى كان آخر حكام الاتحاد السوفيتى (١٩٨٥-١٩٩١). وكان السؤال الذى ثار دائما عما إذا كانت الدولة السوفيتية قد تآكلت قبل توليه الحكم بما يكفى لانهيارها، وأن الرجل حاول إنقاذ الإمبراطورية الاشتراكية من خلال دعوته إلى الإصلاح وإعادة بناء الدولة أو ما سمى البريسترويكا فى الداخل، والانفتاح على العالم أو الجلاسنوست فى الخارج. أو أن ما فعله كان هو الذى قوض الدولة، وفض اتحادها، وأدى إلى إذلالها وتراجع مقامها ودعوتها الاشتراكية التى كانت موجهة للعالم أجمع، وظلت منافسة عالميا للدعوة الرأسمالية الغربية طوال العقود الأربعة التى تلت الحرب العالمية الثانية. إلى وجهة النظر الأخيرة هذه ينحاز الرئيس الروسى الحالى فلاديمير بوتين وروسيا القيصرية هى أصله وفصله وجوهره التاريخى، أعاد التذكير أن انهيار الاتحاد السوفيتى لم يكن نتيجة التآكل الداخلى وإنما بسبب مؤامرات داخلية وخارجية على الدولة العظمى فى العالم. هل كان جورباتشوف هو المقصود من هذه المراجعة الروسية لتاريخ تلك المرحلة المفصلية ما بين روسيا الاشتراكية، والاتحاد الروسي؛ أو ما بين الحرب الباردة ونهايتها بالسقوط المدوى للاتحاد السوفيتى الذى يبدو أن العالم يشهد الآن لحظة الانتقام لذلك الذى ولى وراح؟

الحقيقة هى أنه لا توجد إجابات شافية، والتجربة الشخصية تشهد بأن النخبة الفكرية العربية أو بعضا منها فى مركز دراسات الوحدة العربية عانت من محاولة الإجابة عن هذا السؤال. البداية كانت فى واحد من أكبر المشروعات البحثية العربية فى الثمانينيات وأكثرها طموحا والتى جرت تحت عنوان استشراف مستقبل الوطن العربى من خلال سيناريوهات مشتقة من المدى الذى يمكن أن يصل له العرب فى التكامل والوحدة. ولما كان ضروريا لخدمة أغراض البحث أن يجرى التعرف على مستقبل النظام العالمى الذى سوف تتغير فيه الأوضاع العربية، فقد تم تكليفى بإعداد ورقة خلفية عن كيف سيكون حال العالم. الورقة التى صارت فيما بعد كتابا تحت عنوان العرب ومستقبل النظام العالمى وصدر فى أغسطس ١٩٨٧، أسفرت عن أنه رغم التقدم الذى حققه الاتحاد السوفيتى خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، فإنه مع السبعينيات وما مر وقتها من الثمانينيات شهد تراجعا هائلا فى القوة العسكرية والصناعية السوفيتية مقارنا بتلك الغربية بقيادة الولايات المتحدة. كانت الثورة التكنولوجية الثالثة قد بزغت شمسها فى أمريكا، بينما كان الأفول والغروب جاريا فى موسكو حيث الثورة الصناعية الثانية لم تعد قادرة على تحقيق التكافؤ مع العالم الغربى. الحزب الشيوعى السوفيتى لم يعد قادرا على إنتاج قيادات تتمتع بالحيوية، بينما كانت الولايات المتحدة التى هزمت فى فيتنام ودمرت رئاستها فضيحة ووترجيت قادرة على استعادة عنفوانها والدخول إلى نهايات القرن العشرين بحيوية فائقة. كان اختيار جورباتشوف نوعا من الصيحة الأخيرة لإنقاذ دولة عظمى من أمراض الشيخوخة التى لم تلم بقياداتها فقط وإنما فى عروقها أيضا.

الجدير بالذكر هنا أن الخلاصة التى توصلت لها الورقة كانت أن الاتحاد السوفيتى بات من الزاوية الإنتاجية والفكرية والتكنولوجية واقعا فى صفوف دول العالم الثالث وهو ما قد يقود إلى وحدانية القطبية فى النظام الدولى. المدهش أن اللجنة المشرفة على البحث رأت فى ذلك نوعا من التحيز وقتها لمصلحة التجربة الغربية مما استدعى عقد اجتماع شامل لمناقشة البحث الذى كانت نتائجه غير متوافقة مع التفكير العربى العام. وكانت النتيجة هى عقد اجتماع شامل للخبراء والمستشارين فى مقر المركز فى القاهرة، وبعد نقاش مطول، وتقدير للجهد المبذول، كان ضروريا إضافة جزء مهم تحت عنوان تحفظات واجبة أضافت أن هناك احتمالا لحدوث عملية إصلاح جوهرية فى الاتحاد السوفيتى تؤدى إلى وقف التراجع الجارى. كان ظهور جورباتشوف فى مركز القيادة السوفيتية مبشرا لكثيرين ارتاعوا من فكرة الهيمنة الأمريكية على العالم، وأنه من الممكن أن تعود الأيام إلى سيرتها الطيبة الأولى حيث يقوم العالم على قطبين متنافسين، يكفى تنافسهما الدول الأصغر لكى تستفيد.

ما حدث كان أن مشروع جورباتشوف كان ماء النار الذى فك مفاصل الاتحاد السوفيتى. وعندما زرت موسكو لأول وآخر مرة فى ٢٤ أكتوبر ١٩٩١، كان واضحا أن لحظة الأفول قد لاحت، وغروب شمس دولة قد حانت ولم يبق إلا أسابيع على نهاية الدولة. وهو ما حدث خلال شهر ديسمبر عندما جرت محاولة انقلاب عسكرى كان كافيا لمواجهتها أن يقوم بوريس يلتسين بالإعلان عن خروج روسيا من الاتحاد السوفيتى مؤكدا القومية والوطنية الروسية وبدء تاريخ جديد لروسيا والعالم. ورغم أن يلتسين كان أحد الذين ناصروا جورباتشوف فى بداية عهده، فإنه سرعان ما أخذ موقع المعارضة لتوجهاته الإصلاحية التى كانت أقل مما هو واجب، لكى يبدأ عهدا جديدا كان واقفا فى ظلاله فلاديمير بوتين الذى شاهد الانهيار الكبير. بعد عقد آخر استدعى يلتسين بوتين لكى يبدأ فصلا جديدا من التاريخ الروسى يقوم على استعادة أمجاد قديمة للدولة من خلال محاولة أخرى لمراجعة وتصحيح التاريخ. هل يمكن التساؤل بعد ذلك عما إذا كان للأفراد دور فى التاريخ أم لا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست جورباتشوف والبريسترويكا والجلاسنوست



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:09 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

السنغال واحدة مِن أفضل الوجهات السياحية لعام 2019

GMT 13:40 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مريم المهيري تستعرض جهود تحقيق الاكتفاء الغذائي في الدولة

GMT 19:40 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

"اهدى يا مدام" قصة جديدة من مسلسل "نصيبى وقسمتك 2"

GMT 05:47 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"كهرباء القدس" تواصل تطوير خدمات الكهرباء العصرية

GMT 07:07 2014 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الجامعة الإسلامية تشارك في معرض اسطنبول الدولي للكتاب

GMT 04:37 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

معرض لتراث سورية في مخيم الزعتري

GMT 08:58 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

رباعية دفع فاخرة جديدة من "بي إم دبليو"

GMT 02:44 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الفنان حسن الرداد في "برنامج معكم" مع منى الشاذلي الجمعة

GMT 16:06 2014 الثلاثاء ,30 أيلول / سبتمبر

اللون البني لعاشقات الإطلالة المميزة في شتاء 2015

GMT 21:46 2013 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

شباب حوامل لتوعية المراهقات الأميركيات

GMT 12:18 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

عبير صبري تُعلن عن تفاصيل دورها في مسلسل "الحب الحرام"

GMT 11:43 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مغسلة توحي بالملوكية والرقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates