قانون العرض والطلب

قانون العرض والطلب!

قانون العرض والطلب!

 صوت الإمارات -

قانون العرض والطلب

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

بحكم المهنة، فإن متابعة الانتخابات الأمريكية كما متابعة حرب أوكرانيا فى إقليم كورسك الروسى، كما التركيز على ما يجرى فى حرب غزة وتوابعها من انتشار وانكماش بين القتل والتفاوض؛ جميعها واجبات يومية. وربما وجد كثيرون فى مؤتمر الحزب الديمقراطى الأمريكى ما يؤثر على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وربما تداولت جماعات منا عن تأثير ما جرى فى شيكاغو على الأحوال فى مصر والمنطقة، ولن تعدم طائفة تتحدث عن التلويح بأن كل ذلك لا يهم لأن أمريكا عدوتنا العظمى وتقف دون تردد إلى جانب إسرائيل. الاستنتاجات كثيرة، ما وقع منى من لفت نظر كان نقطة اقتصادية كثيرا ما تناولناها فى مصر. بالطبع فإن الاعتذار للاقتصاديين واجب فذلك يقع فى دائرة الاختصاص؛ ولكن ما جاءت به الآن المرشحة الديمقراطية لافت للنظر وهو قولها إن الاقتصاد الأمريكى أقوى الاقتصاديات العالمية وأكثرها ازدهارا؛ ومع ذلك فإن الطبقة الوسطى تأثرت سلبا، ولا تزال، بارتفاع الأسعار. الازدهار جاء بفعل لافت للنظر وهو أن إدارة بايدن ركزت كثيرا على البنية الأساسية خلال سنوات حكمها؛ كما أن حالة الانتعاش الاقتصادى التى تلت الجائحة أنعشت الأسواق بعد أن خرج الناس من مكامنهم إلى العالم الواسع للبيع والشراء.

الحالة هكذا ذُكرت فى مصر، فبعد عهد الثورات فإن مصر نمت إيجابيا حتى فى وقت الكورونا، وتزايدت الأصول فيها بشكل غير الخريطة المصرية وارتفاع المعمور فيها حتى ولو كنا لا نعرف ماذا نفعل بها وحتى لم نقم بافتتاحها انتظارا لاستكمال ما لم يكتمل فى المدار والمحيط. البنية الأساسية أيضا جرت فيها طفرة، وفى أوقات تفوقت على الزيادة السكانية وتحقيق فائض فى الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات، ومع ذلك فإن الشكوى قائمة فى الطبقة الوسطى المصرية من ارتفاع الأسعار أيضا، وكيف تآكلت مدخراتها وثرواتها بسبب التضخم وانخفاض سعر الجنيه المصرى. بالطبع فإن المقارنة هنا بين مصر والولايات المتحدة فيه الكثير من المغامرة التى يمكن لكثرة أن تسخر مما يقال؛ ولكن المسألة هى أن المقارنة ممكنة فى مجالات الوجع كله دون خطأ علمى فادح.

.. فألم السرطان والإنفلونزا وحتى الزكام فى مصر لا يختلف فى مصر عنه فى الولايات المتحدة الأمريكية؛ وكذلك الحال فى ارتفاع الأسعار. هنا فإن الحال فى مصر لن يختلف كثيرا عن الولايات المتحدة وسوف يكون الفارق فى كيفية العلاج التى سوف تكون فى أمريكا محكومة بالقانون الأبدى والبسيط للعرض والطلب، وفى مصر سوف يكون مختلفا عن ذلك. ما قالت به السيدة هاريس هو أنها إذا ما فازت سوف تدفع فى اتجاه زيادة الإنتاجية الخاصة بالسلع التى تستهلكها الطبقة الوسطى، ولا يكون ذلك إلا من خلال زيادة التنافسية بين وحدات الإنتاج؛ أما الطلب فسوف يتجه نحو زيادة القدرة الشرائية برفع الحد الأدنى للأجور وتشجيع الطلب على شراء البيوت.

فى مصر فإن أول ما يلوح لنا حينما نتعرض لحالة مرضية أن نتجه فورا إلى البحث عن مراعاة حالة الفقراء؛ وتكون إدارة الفقر فى هذا الموقف- حسب ما جاء من الحكومة- بالطلب من المحافظين لتوفير أراض لإقامة معارض للسلع بأسعار «معقولة» التى توفرها الغرف التجارية كما يحدث فى معارض «أهلا رمضان» و«أهلا مدارس». فى ذلك فإن الحكومة تسير فى نفس المسار الذى تقول به العامة وهو أن سبب ارتفاع الأسعار جشع التجار وغياب الضمير. الجائز بالطبع أن مثل ذلك حادث، ولكنه لا يحل المعادلة الأصلية وهو أن الأسعار ترتفع عندما يزيد الطلب على العرض، ولا يمكن زيادة العرض ما لم تزد الإنتاجية، وهذه تأتى من خلال زيادة المنافسة، وهى أيضا لا تحدث ما لم تكن هناك سوق مفتوحة وعادلة بين المنتج والمستهلك. المسألة هكذا ليست ما يجرى تصوره فى مواسم الخير، ووقت أزمات افتتاح المدارس، وفى دولة شعبها مائة وعشرة ملايين نسمة، غير تسعة ملايين من اللاجئين، فإن المعالجات الاقتصادية لن تقل تعقيدا عن الولايات المتحدة حيث حجم السوق من البشر ٣٥٠ مليونا.

السوق بما فيها من إنتاج واستهلاك، وبكلمات أخرى العرض والطلب، هو القضية الأساسية، أما معارض السلع فهى دور الجمعيات الأهلية، وهذه بالفعل تقوم بواجباتها فى مجالات كثيرة، ولكنها لا فى مصر ولا فى أمريكا تستطيع حل العقدة الأساسية فى المسألة الاقتصادية وهى تحديد الأسعار. المؤكد أننا نحتاج أكبر قدر من الصراحة من الحكومة، وأكبر قدر من الإشهار وهذا واجب الجهاز الإعلامى الرسمى وغير الرسمى. أليس مدهشا أنه لا يوجد فى مصر برامج اقتصادية ذات بال ويومية تقول للناس كيف تتعامل مع العرض والطلب؛ وكيف تفهم البورصة وما يخرج من المصانع والمزارع. مصر يوجد فيها عشرات الاستديوهات التحليلية لمباريات كرة القدم، وليس فى ذلك عيب، ولكن لا توجد استديوهات تحليلية لماذا ترتفع أسعار هذه السلعة أو تلك. المعادلة الاقتصادية تقول إن ارتفاع أسعار الغذاء يرجع إلى ضعف العرض، ولكن العرض يقول إن هناك تزايدا فى المصدر من الخضر والفواكه المصرية خلال الفترة الأخيرة، فلماذا لا يقرر المنتج التصدير بدلا من الطرح فى الأسواق المصرية؟. الأرجح أنه يفعل ذلك لكى يحصل على عائد بالعملة الصعبة يستخدمه فى الإنتاج أو للحصول على مكسب من فارق سعر العملة المصرية. هنا فإنه يفترض أن يحقق تعويم العملة توازنا صادقا بين الجنيه والدولار وأى من العملات الأخرى.

دراسة هذه الأمور وظيفة الاقتصاديين، والمتخصصين فى الحكومة والغرف التجارية والصناعية، والآراء فيها مطروحة على الرأى العام الذى عليه أن يسمع ويرى من الذى يضاعف الدخل القومى ومن الذى يستهلكه. ومن هو أكبر المنتجين ومن هو أكبر المصدرين وهل يمكن إعطاء جائزة قومية لمن يطرح بدائل سلع وبضائع أو يطرحها للاستهلاك كاملة التجهيز. وهل يمكن أن نتابع ذلك كله على مستوى المحافظات بحيث نشاهد الأعلى إنتاجا والأكثر استهلاكا، ونطرح كل هذه المعلومات على الرأى العام المصرى. ما يجب أن نعرفه جميعا أنه خلال السنوات العشر الماضية شاهد المصريون الكثير الذى يثلج صدورهم من تغيير جذرى فى كل ربوع مصر ولكن تعظيم إنتاجية ذلك، وتشغيل التغيير كما جرى الطرح مرارا لم يصل إلى الدرجة التى يكون فيها التوازن قائما بين العرض والطلب. لقد قام كثيرون بمحاولة استثارة الشعب المصرى، ولم يترك الإخوان المسلمون جهدا إلا بذلوه حتى يثور الشعب، فلم يحصلوا على شىء إلا أن يطلبوا السماح بالعودة. الشعب المصرى كان شريكا مع القيادة الوطنية فى البلاد فيما جرى من إنجازات والتى لحسن الحظ أنها مرئية؛ والآن فإن المسألة أصبحت كيف ندير السوق، وكيف نزيد المنتجين؛ والأهم أن نسأل أنفسنا لماذا تحدث المعجزات لبناء المدن والمتاحف؛ ولا تحدث هذه فى جذب الاستثمارات الخاصة المحلية والأجنبية؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قانون العرض والطلب قانون العرض والطلب



GMT 21:48 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

لا فرصة للعرموطي برئاسة مجلس النواب

GMT 21:47 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي

GMT 21:46 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الخيط الأميركي

GMT 21:45 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هجرات جديدة على جسور الهلال الخصيب

GMT 21:44 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

اليوم التالي في واشنطن استمرارية أم انعطافة؟

GMT 21:44 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

«تبقى أنت أكيد العربي»

GMT 21:43 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين!

GMT 21:42 2024 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الصندوق؟!

GMT 13:02 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

محترف حل المكعبات يحقّق رقمًا قياسيًا عالميًا رائعًا

GMT 00:39 2018 الخميس ,27 كانون الأول / ديسمبر

تعرّفي على صيحات الديكور التي ستختفي في 2019

GMT 12:41 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

استخدمي الأسلوب الفينتاج لديكورغرفة المعيشة في منزلك

GMT 01:05 2013 الجمعة ,24 أيار / مايو

"قانون جديد" الرواية الأولى لمؤمن المحمدي

GMT 14:12 2013 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

"مخطوطة العسافي" دراسة وتحقيق للباحث قاسم الرويس

GMT 13:31 2015 السبت ,24 كانون الثاني / يناير

"حكايات الحب الأول" مجموعة قصصية لعمار علي حسن
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates