بقلم - عبد المنعم سعيد
محور «شينزو آبى» (١٩٥٤- ٢٠٢٢) يُعد من أهم المحاور المرورية في القاهرة، ولعله مع الرئيس الفرنسى شارل ديجول ضمن قلة من القادة الأجانب يحتلون تلك المكانة المرموقة التي أعطتها مصر المعاصرة لمَن وقفوا إلى جانب المحروسة مقدمين لها التقدير والعون في مراحل صعبة من تاريخها. «آبى» تعرض لعملية اغتيال آثمة، الأسبوع الماضى، خلقت حالة عالمية من الأسف على شخصية مهمة لعبت دورًا مهمًّا في اليابان وسياساتها الداخلية والخارجية. أثناء رئاسته للوزارة اليابانية (٢٠١٢- ٢٠٢٠) أصبح ظاهرة دولية عُرفت بـ«آبينوميكس أو الاقتصاد الآبى»، الذي أخرج اليابان من فترة صعبة من تاريخها الاقتصادى عُرفت عالميًّا باسم «الفقاعة اليابانية» خلال عقد التسعينيات وأدخلها إلى مسارها المنطلق. خارجيًّا كان من أبرز الزعماء اليابانيين في السياسة العالمية وأكثرهم نشاطًا، وأهمهم في إعادة تعريف السياسة اليابانية الخجولة، التي استمرت طويلًا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وأخذها في اتجاه وطنى ظاهر ومتشابك مع السياسة العالمية.
في الشرق الأوسط كان داعمًا للرؤية اليابانية، التي بدأت منذ عام ٢٠٠٦ تحت عنوان «مبادرة السلام والازدهار»، التي انطلقت من رؤية لحل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، تقوم على أن المشروعات الاستثمارية المشتركة يمكن أن تسهم في تحقيق السلام بالمنطقة؛ وأُطلقت المبادرة بالتعاون مع السلطة الفلسطينية وإسرائيل والأردن؛ ومن مشروعاتها المنطقة الزراعية الصناعية في اريحا. ولا تزال القيادة اليابانية ملتزمة بتلك المبادرة لبناء الثقة بين الأطراف، في ظل دعمها مبدأ حل الدولتين، بجانب تقديم الدعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا».
شطر مهم من علاقات اليابان مع المنطقة كان موجهًا تجاه مصر، التي كانت ساعة توليه الوزارة (٢٠١٢) في حالة مُضْنِية من التغيير السياسى، الذي دفع المشروعات اليابانية للتنمية في مصر إلى خلفية الأحداث.
ولكن لم يمضِ وقت حتى تغيرت الأمور في مصر، ومن بينها البعث الكامل لتلك المشروعات بتعاون وثيق بين الرئيس عبدالفتاح السيسى ورئيس الوزراء اليابانى «شينزو آبى» طوال فترة ولايته. كانت زيارة «آبى» إلى مصر في يناير ٢٠١٥ مما يمكن تسميته الزيارة التأسيسية لعلاقات عميقة من التعاون اليابانى المصرى، حيث صدّقت على المشروعات السابقة، وفتحت الأبواب لمشروعات كبيرة وعلاقات مستديمة. الزيارات المتبادلة بعد ذلك من قيادات البلدين، والدور الذي لعبته وكالة التنمية اليابانية «جايكا»، جعلت من العلاقات المصرية اليابانية علاقات خاصة.
المجالات التي دخلها البلدان كان أولها تعزيز السلام في منطقة الشرق الأوسط، ولعل جسر السلام الذي شيدته اليابان رابطًا سيناء بالوادى في مصر كانت له من الأهمية السياسية ما لا يقل عن أهميته الاقتصادية. وثانيًا أن مشروع «المتحف المصرى العظيم» أصبح يمثل جوهرة هذا التعاون البارزة في تاريخ الدولتين والعالم. وثالثًا أن الجامعة اليابانية للعلوم والتكنولوجيا شكّلت مقدمة التغييرات الكبرى التي أجراها الرئيس السيسى في سياسات التعليم العالى في مصر نحو الدخول في المجالات الرفيعة للعلوم والتكنولوجيا.
وفى الحقيقة فإن الجامعة مثّلت توجهًا مصريًّا يابانيًّا نحو التعاون في مجال التعليم المتقدم. ورابعًا أن التعاون المصرى اليابانى ذهب بقوة في الاتجاه الصناعى المتقدم، الذي أعطى لمصر مدينتين صناعيتين، واحدة للصناعة الحقيقية للسيارات تقع في شرق بورسعيد، والثانية في الصناعات المتقدمة في الثورة الصناعية الرابعة في مدينة «طربول» الذكية جنوب الجيزة.
التجربة اليابانية في التنمية سوف تظل دائمًا واحدة من التجارب الملهمة، التي ألهمت شعراءنا في الماضى عندما انتصرت اليابان على روسيا في عام ١٩٠٥، وعندما خرجت من الحرب العالمية الثانية مثخنة بجراح الهزيمة والتدمير بالقنابل النووية.
صعود اليابان بعد ذلك في العالم كقوة اقتصادية ملهمة لمنطقة جنوب شرق آسيا والعالم خلق مرجعية جديدة للتنمية في العالم. وكانت زيارتى الأولى لها عام ١٩٦٨ لإلقاء محاضرتين في وزارة الخارجية اليابانية، وفى هذه الزيارة زرت مدينة «نارا» التاريخية، وإلى حد ما الدينية، حيث شاهدت التمثال الأعظم لبوذا، وهى المدينة التي جرى فيها اغتيال «آبى». بعد ذلك للمشاركة في «منتدى طوكيو» لمنع انتشار الأسلحة النووية، الذي صدر عنه «إعلان طوكيو»، وفى إطار التعاون بين مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ومؤسسة اليابان للتعاون الدولى، وفى عام ٢٠١٠ ذهبت إلى اليابان لإجراء مقابلة صحفية مع رئيس الوزراء، «يوكيو هاتوياما»، جرى نشرها في صحيفة «الأهرام» الغراء، وكما هي العادة كان في الزيارة ما هو أكثر. من الرائع أن يكون لدينا محور مهم باسم «شينزو آبى»، ولكن ما هو أكثر روعة أن نتعلم أكثر من «التجربة اليابانية». ولكن ذلك حديث آخر.