حروب لا يكسبها أحد

حروب لا يكسبها أحد!

حروب لا يكسبها أحد!

 صوت الإمارات -

حروب لا يكسبها أحد

بقلم: عبد المنعم سعيد

 

كان الرئيس الأمريكى جوزيف بايدن هو الذى صك تعبير «الحروب الأبدية» فى سياق إعلانه عن الانسحاب من العراق وأفغانستان وحتى الشرق الأوسط كله ثم الاندفاع إلى آسيا حيث التجارة والعمارة والتكنولوجيا والشغف بالتقدم والغنى، ومن يعلم حصار أو تقييد الصين باعتبارها المنافس الرئيسى للولايات المتحدة فى النظام العالمى اليوم. «الحروب الأبدية» باتت تلك الحروب التى يوجد فى داخلها آليات الدوام والاستمرار الناجمة عن ظروف تاريخية وتركيبات اجتماعية سياسية لا تسمح بالانتقال بعيدا عن حالة الحرب التى قد تخمد لفترة ولكنها تشتعل من جديد. اليوم عادت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط بعد عزم على البعاد، وعادت بثقل السلاح ونعومة الدبلوماسيين، وكان السبب هو حرب غزة الخامسة بافتتاحيتها المثيرة فى ٧ أكتوبر من العام الماضى. الافتتاحية فى حد ذاتها جلبت مشاعر النصر لكثير من الفلسطينيين والعرب، انطلقت الزغاريد فى غزة، ووزعت الحلوى فى مناطق أخرى، بلغت الأمانى السماء خلال الأيام الأولى، وتولد المنطق عن الضعف والانقسام الإسرائيلى، والفارق ما بين قدرات المليشيات العربية، وهى فى هذا اليوم حماس، والجيوش العربية التقليدية. عدا الافتتاحية لم تظهر حماس كثيرا، فلم يتضح أن لديها ما سوف تفعله فى اليوم التالى الذى بدأت فيه إسرائيل فى الدخول الجوى، ثم الدخول البرى، ثم الانتقال من الشمال إلى الوسط إلى الجنوب فى هجمات منظمة وقاتلة، ووحشية عصور بربرية. أصبح نصر حماس ملخصا فى أنها باقية مهما كان تآكل قدراتها من القيادات كما هو الحال مع إيذاء إسرائيل، وما تبقى من رشقات صاروخية.

إسرائيل هى الأخرى لم تحصل على نصر، ربما تكون قد أحرزت واحدا من مقاييس سرعة رد الفعل والتدمير وقتل نسب عالية من الأطفال والنساء، والحصول على انقلاب فى الرأى العام العالمى ضد واحدة من القوى المدللة فى الكيان الدولى. عمليا لم تكن ضربة اليوم الأول هى التى طعنت نظرية الردع الإسرائيلية، فمرور عام على الحرب لم يكن متخيلا فى الذهنية الإسرائيلية التى أعطت العالم دروسا فى الحروب السريعة، وكان القياس فيها أن حرب ١٩٤٨ هى أطول الحروب وأكثرها استهلاكا للبشر. المدة هذه المرة باتت عاما وما بعده؛ وكان ذلك كافيا لما سمى «وحدة الساحات» الذى تجلت فيه مليشيات دول عربية خرجت على سياق الدول (العراق وسوريا ولبنان واليمن والكيان الفلسطينى). وظهرت آثار ذلك على إسرائيل فى نزوح سكان الجنوب إلى الوسط، ومن بعدها الشمال إلى الوسط أيضا، أصبحت الكتلة السكانية الإسرائيلية عرضه لتحد عسكرى غير محكوم. حزب الله كان الأكثر جرأة، وقائده السيد حسن نصر الله هو الذى استن المواجهات المحسوبة مستفيدا من التورط الإسرائيلى فى غزة؛ ولكن التحسب تغير مع تغير الموقف فى غزة، ومع انفلات الحسابات بدلت إسرائيل جبهتها الرئيسية من غزة إلى لبنان وانفتحت أبواب جهنم مع سلسلة الاغتيالات التى بلغت ٣٠٠ قيادة، ثم تلاها إحباط ٣٠٠٠ قيادى ضحية أو مصاب بتفجير البادجيرات؛ ولم ينته الأمر باغتيال القائد، ولكن عددا من صفوف القيادة بعده.

لم تنتصر إسرائيل ولا حزب الله ولا حماس ولا الحوثيون أو قوات الحشد الشعبى؛ ربما تكون هذه أو تلك قد حصلت على لذة الانتصار للحظة أو ساعة أو يوم؛ ولكن النتيجة النهائية لإسرائيل فيها أن الدولة توقفت عن العمل أو تصور ما يخص إسرائيل فى المستقبل. باقى الفرق المتحاربة لم تحصل لا على أرض ولا تحرير، بل فقدت أراضى كانت محررة، وباتت الدول التى فيها إما تزداد تجزئة كما فى اليمن، وتزداد رعبا على نفسها وحضارتها كما فى لبنان، وتبقى على حالتها المخترقة من دول كما هو حادث فى سوريا ومهددة سلامتها القومية كما فى العراق. وسط ذلك كله ظهرت إيران التى وجدت نفسها لا تنشر الثورة فى أركان الإقليم وإنما تصل إليها صواريخ الاغتيال، ومتى تكون جولة الفعل ورد الفعل؛ وهل يحتاج أن يكون قاسيا أم أنه متروك لظروف ونتائج لا يعلم أحد، إلا الله بالطبع، إلى أين يكون المآل. وسط ذلك كله فإن أمريكا التى حاولت البعد عن الإقليم باتت متورطة فيه منذ بداية القتال وحتى لحظة كتابة المقال؛ وكان للتورط تكلفة باهظة فى المال والسلاح الذى انهال منها على إسرائيل دون عائد سياسى أو استراتيجى. لم تحصل أمريكا على فوز بغياب كل من الصين وروسيا، ولا انتصرت لأنها أعطت لإسرائيل من حاملات الطائرات حتى صواريخ «ثاد» آخر ما أنتجته العبقرية الأمريكية فى الدفاع ضد الصواريخ بما فيها تلك القادمة من فضاء خارج كوكب الأرض؛ البالستية.

أمريكا بالتأكيد تشغلها الانتخابات إلى درجة مثيرة للأعصاب للقادمين إليها فى رحلة قصيرة؛ ولكن نخبتها الاستراتيجية تعلم أنها وقد خرجت من أفغانستان بعد تورط لعشرين عاما، فإنها لا ترى فى الموقفين الروسى والصينى إلا متابعة لتورط أمريكى جديد يُسْعِد ولا يحزن. فى واشنطن مشروع معلن بأن تستغل فرصة الحرب الكثيفة والمتعددة الرؤوس والطبقات، لكى تحصل على سلام دائم ممثلا فى حل الدولتين. ولكنها تشترى الحل من إسرائيل بكم هائل من السلاح، وكم أكثر هولا من مليارات الدولارات. المعركة الانتخابية تدور فى جزء منها حول من يقدم لإسرائيل المزيد، ولكن ذلك المزيد ليس له هدف استراتيجى مظفر حتى الآن لأن قوى التكبيل فى إسرائيل أقوى من واشنطن، وعلى الجانب العربى والفلسطينى فإن المزايدة تكفى لاعتبار حل الدولتين إما أنه خسارة تاريخية أو أنه لا يحقق أحلاما فلسطينية بانتصار تاريخى تأتى به القوى الأصولية.

داخل العالم العربى توجد جماعة «المقاومة والممانعة»، وفى مقابلها توجد جماعة الإصلاح والتنمية والسلام؛ الأولى تشعل الحروب من أجل لقطة الإيذاء، والثانية لا تملك رذيلة ترك الأشقاء فى محنة البقاء. ثمن الحروب التى لا يكسبها أحد، ولا يوجد منها إلا إحصائيات القتلى والجرحى والمدن المدمرة، والدعاء الذى يسأل الله ألا يرد القضاء وإنما اللطف فيه. جماعة الإصلاح بذلت كل الجهد لكى تستمر فى مسيرتها بينما تقدم كل العون للأشقاء ساعة نكبة إضافية، وتحاول الوساطة بالتعاون مع كل من لديه أوقية من النفوذ على المتحاربين. ولكن اللحظة الأخيرة باتت مجمعا للحظات لم ينجح فيها أحد ولا انتصر، ومعنى ذلك استمرار الحال، وفوزه على محال خلق مناخا إقليميا يماثل ذلك الذى ساد فى أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؛ وفى آسيا بعد الحرب الفيتنامية. فى الأولى كانت الجائزة إقامة الاتحاد الأوروبى بعد سنوات من الاستعداد والسلام والتراكم؛ فى الثانية كان إنشاء «آسيان» أو رابطة جنوب شرق آسيا. بات الأمر يحتاج المزيد من التفكير، والمناعة فى مواجهة المرض، والجرأة فى مواجهة الذين لديهم لذة الحرب وليس شجاعة السلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب لا يكسبها أحد حروب لا يكسبها أحد



GMT 01:28 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

بك من هارفارد

GMT 01:27 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

السياسة وعقل الدول

GMT 01:27 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

لغز ميشيل أوباما!

GMT 01:26 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

المؤرخ الريحاني ورعاية الملك الكبير

GMT 01:25 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

هل يتجه الجنوب «جنوباً»؟

GMT 01:25 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

الدخان الرمادي في غزة!

GMT 01:24 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

ترمب الثاني... بين الجمهورية والإمبراطورية

GMT 01:23 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

من أول يوم

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 20:01 2018 الثلاثاء ,13 شباط / فبراير

نيوزيلندا ترسل مساعدات لتونجا عقب إعصار "جيتا"

GMT 17:32 2017 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال متوسط القوة يضرب شمال إيران

GMT 09:36 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

البرتغال الي يورو 2020 بفوز صعب على لكسمبورغ

GMT 15:54 2013 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وزير التربية والتعليم ضيف الإعلاميِّ خيري رمضان الأربعاء

GMT 23:36 2013 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

95% نسبة إشغال البرج الأول في "نيشن تاورز"

GMT 14:28 2018 الخميس ,18 كانون الثاني / يناير

مرسيدس تكشف عن سيارة جديدة بمحرك كهربائي

GMT 22:20 2013 الأحد ,18 آب / أغسطس

إنقاذ فيلة تزن 6 أطنان من الغرق

GMT 19:29 2014 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

نيبال تحتفل بمهرجان "تيهار" المخصص للحيوانات

GMT 11:31 2012 الثلاثاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة: القردة تعاني من أزمة منتصف العمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates