بقلم - عبد المنعم سعيد
أتابع مثل كثيرين حوادث القتل والانتحار في مجتمعنا، ولكننى أتابع أيضًا ردود الأفعال المصرية، وأحيانًا العربية على ما يفعل ويقول المصريون. كل ذلك أثار قدرًا هائلًا من العجب والدهشة ليس على ما يحدث، وإنما على ما يُقال من قِبَل أكاديميين وظيفتهم البحث في الظواهر، وصحفيين عملهم البحث عن الحقيقة، وكُتاب ومفكرين باتت المهمة لديهم لماذا تغير المصريون، وليس لماذا لم يتغيروا كثيرًا؟. قبل سنوات، جرَت حزمة من الجرائم التي قامت بها نساء، وكانت الطريقة الغالبة فيها قيام الأنثى بتقطيع الرجل إلى أجزاء ثم وضعه في أكياس القمامة السوداء ثم إيداعه أماكن متفرقة. أيامها كان العجب كبيرًا كيف تقوم المرأة الحنونة والزوجة المصونة والأخت العطوفة بهذه الأعمال؛ وما يحدث الآن هو انقلاب الحال، حيث يقوم الرجل الشهم بالمهمة بقدر من الطيش الذي يجرى على أسوار الجامعة، ممارسًا شجاعته ورجولته بالطعن وسط الجمهور العام. في هذه الحالة وتلك كان السؤال الملح هو عن ذلك التغيير الذي ألَمَّ بالجماعة المصرية، وهو سؤال استنكارى يرى أن التحول جاء في ثوابت وقيم وتقاليد بالغة السمو والرقى واتجاه عام نحو الانحطاط في الفنون والآداب. كانت الجماعة المصرية في الماضى تستيقظ على عالم مثالى جرى اغتياله وسرقة عفته وبكارته ورجولته وشهامته وحنانه، ربما بفعل مؤامرة عالمية من نوع أو آخر داخلى أو خارجى، أو بفعل نوبات من الجنوح والانحراف والمرض الاجتماعى نحو التشبه والتعامل مع مَن هم متقدمون في العالم. كانت الدنيا سوف تستمر على نقاء سريرتها، ووضوح إيمانها، وروعة روحها، إذا ما بقى كل شىء على ما كان عليه، حيث لم تكن قصة «ريا وسكينة» إلا قصة ورواية تعبر عن استثناء من القاعدة الطيبة العامة. لن يتطوع أحد برقم عن الجريمة في مصر منذ مولد الدولة المصرية في ١٥ مارس عام ١٩٢٢، ونسبتها إلى عدد السكان عامًا بعد عام وعقدًا بعد عقد، أي بعد زمن تجرى فيه في كل أنحاء العالم فضيلة التغيير.
الأصل في طبيعة الجنس البشرى هو التغيير، ولا يُستثنى من ذلك أحد، بمَن فيهم المصريون، لأن العالم لا يبقى على حاله. وللحق، فقد رصد الجميع دور المتغيرات التكنولوجية، التي أثرت على التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بحيث يكون الناس أكثر فاعلية وبساطة تستوعب وتنظم حياة الناس وتعاملهم مع المكان والزمن، وفى كليهما مع الآخرين المختلفين في النوع والمزاج والمعرفة. «العولمة»، سواء أحببناها أم كرهناها، جعلت العارف ومحدود المعرفة يتصلان بثقافات ومعارف لا تجعلهما يسعيان إلى تقليدها بقدر ما تجعلهما يعودان بالنظر إلى ثقافتهما الخاصة، ويكتشفان ما فيها من عوار وقصور مع ادعاء كاذب بالكمال والصدق. ثقافتنا الماضوية في معظم الأحوال، والمتغافلة عن الإثم مادام بعيدًا عن الأنظار، والقذارة مادامت بقيت تحت الستار، منكرة دومًا للتقدم القادم لنا من وراء البحار، وهو الذي حمل لنا اللقاح والدواء ومعهما طول العمر والعمر المتوقع عند الميلاد. «المصرية» بكل ما أتى بها من زيادة سكانية لم تحدث فقط نتيجة إضافة أعداد جديدة من المواليد، وإنما أكثر من ذلك النقص المتزايد في عدد الوفيات. ورغم تعاقب عصور النمو والانكماش والانتصار والهزيمة، فإنه سوف يكون مدهشًا بغير حد ألّا يتغير المصريون، وقد حدث ذلك بالفعل، ليس فقط في اتجاه القتل، وإنما في اتجاه العمل الذي يجرى حاليًا باتساع المعمور المصرى الجديد، وفوق الجسور وتحتها، قابلًا بأشكال جديدة من التعليم، والعلم الذي يبتكر أشكالًا جديدة من الخبز والخرسانة.
«القتل» أو الجريمة في عمومها وُجدت مع مولد البشرية، التي حاولت على مر العصور ليس فقط ترويض الطبيعة، وإنما ترويض النفس الإنسانية في وحشيتها، وتنمية تقواها من خلال أشكال منظمة بعضها دينى مثل الزكاة، وبعضها الآخر مؤسَّسى يستند إلى التنظيم وتقديم الخير في أحجام كبيرة. ما جرى في المحروسة من جرائم يحتاج إلى وضعها في حجمها الصحيح من خلال نسبتها إلى عدد السكان، ومقارنتها بأزمنة سابقة، ومع ما يحدث في دول العالم الأخرى؛ فإذا ما وجدنا ما هو خارج عن الناموس المصرى والدولى فإن أولى الخطوات هي تنميطها والبحث فيها باعتبارها مجرد ظواهر أخرى مثل الفقر أو الازدحام. وساعتها ربما نكتشف أن لدينا قصورًا كبيرًا في التعليم والطب النفسى، وفى التدريب الصريح على التعامل مع القضايا الجنسية، وعلاقات الذكر والأنثى، وإدارة الأسرة والتعامل بين الأب والأم وكليهما مع الأبناء. تغير المصريين ليس جريمة، وإنما الجريمة هي الجمود!.