الفتنة الأمريكية

الفتنة الأمريكية

الفتنة الأمريكية

 صوت الإمارات -

الفتنة الأمريكية

بقلم - عبد المنعم سعيد

كنت أظن (الفتنة) مفهوما عربيا كانت جذوره في تلك الفترة التي تلت وفاة رسول رسالة الإسلام حينما انشق الصف الإسلامي، أولا عندما جرت حروب الردة بنكوص جماعات عن الإسلام ودفع الجزية؛ وثانيا عندما توفي الخليفة الثالث عثمان بن عفان وجري الانشقاق حول الخلافة؛ وفي الحرب جاءت جذور الانقسام الإسلامي بين الشيعة والسنة. ارتبطت الفتنة دوما بالتمرد والفوضى والتغير السريع في التحالفات بين متنافسين يتصور كل طرف منهما أن لديه حقوقا مطلقة. ومع دراسة العلوم السياسية عرفت أنها ظاهرة عالمية شائعة، جرت في مجتمعات وأوطان كثيرة. ولفت نظري ما هو جار حاليا في الولايات المتحدة حينما وصفت أحداث ٦ يناير ٢٠٢٠ التي جري فيها الهجوم على مبني الكونجرس الأمريكي لمنعه من التصديق علي نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية والتي جري إجراؤها والتصديق عليها من قبل الولايات الأمريكية. تاريخيا فإن الحصول على تصديق الكونجرس بمجلسيه – النواب والشيوخ – كان أمرا شكليا يدور في خضم الاحتفالات بفوز رئيس جديد، واستعداده لدخول البيت الأبيض. هي فترة تتميز عادة بالهدوء والأدب المتبادل بين الرئيس القادم والآخر الذاهب، وبين هذا وذاك يجري التأكيد على عظمة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة في طبعتها الأمريكية بألوانها الفاقعة في المناظرات التمهيدية داخل الحزبين الرئيسيين – الديمقراطي والجهوري – ثم المناظرات المثيرة بين مرشحي الحزبين. هذه المرة لم يكن الحال كذلك، فلا تحدث الرئيس ترامب إلى الرئيس المنتخب مهنئا وداعيا بالتوفيق، ولا اعترف بالنتيجة مؤكدا عبر جولات عديدة من التشاحن القضائي، أن الزيف هو الصفة الأساسية للانتخابات.

كان ذلك جديدا على (اللعبة السياسية) الأمريكية التي جرت تحت مظلة اعتقاد ديمقراطي سماه العالم السياسي الراحل روبرت دال (نظام الأمن المشترك)، حيث يكون لدى كل طرف في السباق الديمقراطي ثقة في أن الطرف الآخر سيلعب وفق قواعد اللعبة الديمقراطية، ويقبل الهزيمة إذا كان هذا هو مصيرها، ويعود للقتال في يوم آخر. هنا يكون تقييد القتال السياسي بالاحترام المتبادل، والثقة المتبادلة، وضبط النفس واحترام حق القوى السياسية المعارضة في الطعن والنقد، والثقة في أن الطرف الآخر لن يقضي عليها إذا وصل إلى السلطة، وضبط النفس في الأساليب التي تستخدم للتنافس على السلطة. وفي مقال نشر في دورية (الشئون الخارجية) في شهر يناير الماضي، وصف (لاري ديموند) الضرر الذي سببته (الكذبة الكبيرة) للرئيس السابق ترامب - أنه لم يخسر حقًا الانتخابات الرئاسية لعام 2020 - سامًا وطويل الأمد حيث لا يعتقد معظم الجمهوريين وما يصل إلى ثلث الجمهور أن الرئيس جو بايدن تم انتخابه بشكل شرعي. وقد وثقت مجموعة متنوعة من استطلاعات الرأي، باستخدام صيغ ومنهجيات مختلفة، رغبة متزايدة لدى الشعب الأمريكي للنظر في العنف السياسي أو التغاضي عنه. وعندما يصل الاستقطاب بين المعسكرين السياسيين إلى النقطة التي يعتبر كل طرف أن الآخر غير مقبول أخلاقيا، كتهديد وجودي لمستقبل البلاد، فإن الديمقراطية في خطر.

مناسبة الحديث عن ذلك هو انعقاد الجلسات العلنية للجنة التي شكلها الكونجرس للتحقيق في أحداث ذلك اليوم الذي أطلق عليه مراقبون اسم (الفتنة). وفي الواقع أن هذه لم تكن المرة الأولي التي يتم فيها استخدام المفهوم في الولايات المتحدة؛ ففي أعقاب الثورة الأمريكية ومع وضع الدستور الأمريكي، وانتخاب الرئيس جورج واشنطن لولايتين متتاليتين، وانتخاب الرئيس (جون آدمز) هبت رياح (الثورة الفرنسية) علي الدولة الأمريكية الوليدة. ما نقل عن هذه الثورة من أفكار وما أخذته من رياح ثورية على القارة الأوروبية، خلق تخوفا كبيرا في النظام السياسي الأمريكي من العودة إلى الحالة الثورية مرة أخري بكل ما فيها من معاناة وقلق وعدم استقرار. وكانت النتيجة هي إصدار الكونجرس قانون (الفتنة والغربة) الذي يقيد التبشير بأفكار الثورة الفرنسية، ويعاقب من يرددونها، ويعتقل القادمين من أوروبا حاملين للدعوة الثورية. ورغم أن هذا القانون جري وقف العمل به بعد عامين، فإن بعضا من مواده ظلت قائمة في القانون الأمريكي، وتحدث بها سياسيون خلال الحرب الأهلية والمرحلة (المكارثية) في التاريخ الأمريكي. الآن فإن (الفتنة) الجديدة تنبع ليس فقط من نتائج الانتخابات السابقة، وإنما كجزء من المرحلة المقبلة من التغيير السياسي في الولايات المتحدة والتي تبدأ بانتخابات التجديد النصفي للكونجرس والذي هو من ناحية يعكس حاليا انقساما داخل الحزب الجمهوري بين التابعين لترامب في التأكيد على الكذبة الكبرى، وهؤلاء الذين يرفضون هذا الادعاء ويرونه مهددا ومنهم عاملون في إدارة ترامب أهمهم نائبه مايك بنس والمدعي العام (بيل بار) وبعض من أسرته وحتى ابنته إيفانكا. وفي الحزب الديمقراطي يوجد انقسام من نوع آخر بين الجناح (التقدمي) الذي بات يتحدث عن (الاشتراكية) في الدولة الأمريكية، والآخر (المعتدل) الذي يري كما جري ذكره في مقال نشر مؤخرا في (الواشنطن بوست) أن الجناح الآخر يمهد الطريق لعودة ترامب إلى الحكم بسبب التطرف الشديد الذي يعتريه.

(فتنة) السادس من يناير الأمريكية ربما تكون ذروة الانقسام الأمريكي، ولكن الظاهرة ربما تعود إلى عقدين ماضيين عندما تصاعد الجمود السياسي، وتزايدت النبرة الأيديولوجية، ونفخ الإعلام وأدوات التواصل الاجتماعي في الخلافات بين المعسكرين وداخل كل منهما. بعض المحللين يأخذون ما جري في الولايات المتحدة إلى صعيد عالمي آخر حيث تواجه (الفكرة الديمقراطية) تحديات عالمية جاءت نتيجة انكشاف الديمقراطية الأمريكية الذي يظهر في جلسات استماع لجنة الكونجرس للتحقيق في الفتنة. ختم (لاري ديموند) مقاله الذي أشرت إليه بما يلي: هذه هي مفارقة الديمقراطية العالمية اليوم: مصير الحرية لا يزال يعتمد على قوة عظمى ديمقراطية معيبة للغاية وغير مستقرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الفتنة الأمريكية الفتنة الأمريكية



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 10:24 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 صوت الإمارات - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 02:29 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 06:33 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا

GMT 10:44 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

جيني إسبر تُعلق على عدم تواصلها مع نسرين طافش

GMT 16:04 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

غريفيث يُحذِّر من عواقب تفشي "كورونا" في اليمن

GMT 15:38 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مميزات سيارات "مازدا 3"

GMT 16:21 2013 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اجتماع حول مشكلة الوحدات السكنية في مدينة الابيار الليبية

GMT 14:14 2013 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"مستورة" رواية فلاحة مصرية عن دار "دوّن"

GMT 01:15 2016 الثلاثاء ,08 آذار/ مارس

أروع النشاطات الممتعة في أبو ظبي

GMT 13:29 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

الحقائب البراقة" عنوان أناقتك في موسم الأعياد"

GMT 14:13 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشيخ طحنون بن محمد يعزّي في وفاة حمد الظاهري

GMT 12:49 2013 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بركات "ملك الحركات" قريبًا فى برنامج إذاعيٍّ على تردُّد "9090"

GMT 01:26 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

البنك الدولي يعلن عن خطة عمل مناخية لأفريقيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates