لا فراغ في الشرق الأوسط
آخر تحديث 03:46:18 بتوقيت أبوظبي
السبت 8 آذار / مارس 2025
 صوت الإمارات -
أخر الأخبار

لا فراغ في الشرق الأوسط؟!

لا فراغ في الشرق الأوسط؟!

 صوت الإمارات -

لا فراغ في الشرق الأوسط

بقلم - عبد المنعم سعيد

كان وزير الخارجية الأميركي جون فوستر دالاس (1888 - 1959) هو الذي وصف الشرق الأوسط بأنه في حالة «فراغ» (Vacuum) يطلب جهوداً لملئه، وإلا فإن الخصوم والمنافسين، وهم في هذه الحالة الاتحاد السوفياتي والصين ومن شابههما من الدول «الشيوعية»، سوف يستولون عليه. كان الحل وقتها إنشاء تحالفات عسكرية في المنطقة تساهم في تنفيذ الاستراتيجية الأميركية في «احتواء» (Containment) الخصوم وحصارهم. كان الزمن هو وقت «الحرب الباردة» وما نجم عنها من سباق على إقليم يتمتع بموقع استراتيجي عالمي، وكم هائل من النفط الذي بات بعد الحرب العالمية الثانية واستهلاكها لملايين من الغالونات سلعة ضرورة في أوقات الحرب والسلام. قامت فكرة دالاس على أنه إذا كان التوازن العالمي قد قام على استراتيجية للردع النووي القائم على الدمار الشامل، فإنه في الساحة الإقليمية يقوم على أحلاف تملأ الفراغ الذي قد يستغله الجانب الآخر؛ قام وقتها الاقتراح الأميركي بإنشاء «حلف بغداد» الذي فيما بعد قد أصبح «الحلف المركزي». في المنطقة وقتها كانت الرياح تأتي بكثير من الثورات في دول الإقليم؛ وكان موقف زعيمها جمال عبد الناصر، في ذلك الوقت، أنه لا يوجد فراغ في المنطقة، فأهلها وشعوبها يملأونها بطموحات الحداثة والتقدم؛ وإذا كان هناك من عدو فإنه ليس الاتحاد السوفياتي وإنما إسرائيل التي جاءت إلى المنطقة على غير موعد لكي تعتدي وتأخذ وتحتل. ولعل الليلة كانت تشبه البارحة حينما أعلن الرئيس الأميركي بايدن، مرة أخرى، أن هناك فراغاً في الشرق الأوسط، وما حل محل الاتحاد السوفياتي كان روسيا التي اجتاحت أوكرانيا، والصين التي يتوسع نفوذها الاقتصادي والسياسي كل يوم، وإيران التي إذا تركت لحالها سوف تمتلك سلاحاً نووياً يهدد الإقليم والولايات المتحدة من ورائه. وحتى تكتمل دائرة التاريخ فإن تسريبات راجت تتردد بالسعي نحو إقامة «ناتو» عربي، ثم صار «ناتو» شرق أوسطي. مرة أخرى لم يكن في المنطقة لا دول ولا شعوب ولا قيادات وزعماء تعرف جيداً ما هي المصالح العليا لأوطانها ودولها، وكيف تبني سياساتها بناء على ذلك؟
الحقيقة الكبرى التي ظهرت وتبينت أثناء «قمة جدة للأمن والتنمية» التي عقدت قبل أسبوع، هي أنه لا يوجد فراغ في الشرق الأوسط. كانت الفجوة واسعة بين خطاب الرئيس بايدن والقادة من الدول العربية التسع. بدأ الرئيس الأميركي خطابه بتحية الجنود الأميركيين الذين سقطوا في ساحة القتال بالعراق وأفغانستان؛ وإذا كان ذلك طبيعياً من قائد أميركي، إلا أن ما لم يكن طبيعياً عدم وجود إشارة عن الذين قتلوا بمئات الآلاف من القاطنين في المنطقة. الحديث عن القتال والقتلى كان بداية التعريف الأميركي للموقف المراد اتخاذ قرار فيه في قمة استثنائية لم يسبقها مثيل أن تجتمع واشنطن مع تسع عواصم عربية. جاء التعريف الأميركي بحالة مواجهة جديدة، هذه المرة مع روسيا والصين وإيران. في المقابل، ومع الترحيب العربي السعودي السابح في الكرم، فإنه كان هناك خطاب عربي واضح ربما لأول مرة في تاريخ العالم العربي المعاصر. أفلحت إلى حد كبير عمليات الاتصالات والتنسيق والتشاور التي جرت بين القادة العرب خلال الأسابيع السابقة حتى اللحظات الأخيرة قبيل انعقاد القمة؛ وربما كانت بداية رحلة بايدن إلى الشرق الأوسط في إسرائيل أعطت وقتاً إضافياً وتفكيراً أعمق فيما جرى من استجابة. الخطاب العربي في القمة قام على ثلاث قواعد: الأولى أنه لا يوجد فراغ في المنطقة العربية ولا الشرق الأوسط، وإنما يوجد قادة يقومون بالإصلاح العميق، ويعرفون جيداً مصالحهم القومية، وشعوب تتطلع إلى المستقبل في مسيرة كان ممكناً مشاهدتها من كل النوافذ والأبواب التي تطلع على جدة من ساحات المؤتمر المختلفة. والثانية أن الأطروحة الأميركية عن ضرورة أن يقوم النظام الدولي على قواعد قانونية مقبولة، ولكنها لا يمكنها أن تترك على قارعة الطريق واحدة من أهم هذه القواعد التي أرسيت منذ مؤتمر «ويستفاليا» 1648، وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول. ولأن «أهل مكة أدرى بشعابها»، فإن الولايات المتحدة لا ينبغي لها أن تتدخل في شؤون الدول، ولا أن تتخيل قذف الناس بحجارة «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» بينما منزلها من زجاج. والثالثة أن العرب يتطلعون إلى علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة، مثلما يتطلعون إلى علاقات من النفع المتبادل مع كل دول العالم على أساس من المصالح الوطنية لكل الدول.
جرت القمة بالطريقة التي شاهدها الناس، حيث وقعت القمة السعودية الأميركية، ثم قمم أصغر زمناً بين أربعة من القادة العرب والرئيس الأميركي، ثم جرت القمة الكبرى التي جرى فيها خطاب الرئيس بايدن وخطابات القادة العرب. كان الأول محدوداً في انغلاقه على إيران، والمدهش أن ذلك كان يسير جنباً إلى جنب مع ضرورة عقد اتفاق معها؛ أما الخطابات الثانية فلم تكن أكثر وعياً فقط بالخطر الإيراني، وإنما أكثر وعياً بأخطار أخرى في المنطقة وفي العالم، ليس أقلها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية، ولا أعلاها الاحتباس الحراري، وتصل في الشمول إلى تحقيق الأمن المائي. كان هناك الكثير من المرونة الواعية بالحالة الفلسطينية الصعبة، والوعي الأكبر بالقضايا العالمية والإقليمية التي لا يمكن وضعها جانباً. المدهش أنه رغم الوضوح التام في كل ما قيل وأذيع، فإن الصحافة الأميركية، خصوصاً الليبرالية منها مثل «واشنطن بوست»، تعاملت مع القمة كما لو كانت مسرحية لممثل واحد، ونصاً واحداً، وموسيقى تصويرية ومؤثرات صوتية واحدة، ما بعد ذلك وقبله لا يوجد إلا الفراغ الموحش. لم تكن هناك الشجاعة لنقل ما حدث وقيل في أول اللقاءات بين الرئيس بايدن والأمير محمد بن سلمان حول قضية الكاتب جمال خاشقجي، حيث كان الألم كبيراً للحادثة المروعة، لكن الحرص أيضاً كان كبيراً على أن يأخذ القانون مجراه، ويتلقى المجرمون عقابهم. ما حدث كان خطأ فادحاً لا ريب فيه، ولكن مثل هذه الأخطاء حدثت من كل دول العالم، بما فيها الولايات المتحدة التي كان عنوانها في فيتنام مذبحة «لاي ماي»، وفي العراق مجزرة «أبو غريب»، وفي فلسطين كانت رصاصة تقتل الصحافية شيرين أبو عاقلة، أثناء تأديتها لواجبها الصحافي.
كانت المهنية غائبة من كبريات صحف وشبكات تلفزيونية، وكان الوعي غائباً عن ملاحظة أكبر ثورة إصلاحية اقتصادية واجتماعية عرفتها المملكة في تاريخها. والحقيقة هي أن الغياب كان مقصوداً، لم يكن محض صدفة أو انشغال بال، وإنما كان عصياناً على مهنة تبحث عن الحقائق. كان الترصد واقعاً حتى على الرئيس بايدن، فكان منتقداً لأنه أصبح واقعياً، ومتهماً لأنه لم يحصل على الكثير، ومداناً لأنه لم يرتفع إلى مرتبة النصائح والمذكرات التي تقدمها له صحافة وضعت لنفسها وبلدها صورة عن العالم العربي كلها ضلال ولم يعد لها وجود.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا فراغ في الشرق الأوسط لا فراغ في الشرق الأوسط



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - صوت الإمارات
احتفلت الملكة أحلام قبيل ليلة عيد الحب بعيد ميلادها في أجواء من الفخامة التي تعكس عشقها للمجوهرات الفاخرة، باحتفال رومانسي مع زوجها مبارك الهاجري، ولفتت الأنظار كعادتها باطلالاتها اللامعة، التي اتسمت بنفس الطابع الفاخر الذي عودتها عليه، بنكهة تراثية ومحتشمة، دون أن تترك بصمتها المعاصرة، لتتوهج كعادتها بتنسيق استثنائي لم يفشل في حصد الإعجاب، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك دعونا نفتش معا في خزانة المطربة العاشقة للأناقة الملكية أحلام، لنستلهم من إطلالاتها الوقورة ما يناسب الأجواء الرمضانية، تزامنا مع احتفالها بعيد ميلادها الـ57. أحلام تتألق بإطلالة لامعة في عيد ميلادها تباهت الملكة أحلام في سهرة عيد ميلادها التي تسبق عيد الحب باحتفال رومانسي يوحي بالفخامة برفقة زوجها مبارك الهاجري، وظهرت أحلام بأناقتها المعتادة في ذلك ا�...المزيد

GMT 10:16 2019 الإثنين ,01 إبريل / نيسان

حاذر ارتكاب الأخطاء والوقوع ضحيّة بعض المغرضين

GMT 06:03 2014 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

"شارب" تعتزم إطلاق شاشات هواتف ذكية بتقنية 4K

GMT 20:33 2015 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

الإعلامية رابعة الزيات تعود إلى الشاشة بفكرة برنامج جديد

GMT 03:18 2013 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

"طاقة الإماراتية" تشتري من شركة فرنسية 50% في مزرعة رياح

GMT 17:47 2020 الخميس ,06 آب / أغسطس

جالطة سراي التركي يعلن التعاقد مع توران

GMT 23:23 2020 السبت ,25 إبريل / نيسان

انطلاق فضائية "مصر قرآن كريم" بتلاوات نادرة

GMT 14:56 2020 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

سلطان بن خليفة يحضر أفراح البلوشي والحمادي وبيشوه

GMT 12:18 2019 الخميس ,14 آذار/ مارس

أمل كلوني تلفت الأنظار بثوب أبيض حريري

GMT 00:27 2019 الأربعاء ,20 شباط / فبراير

انكسار "الترمومتر الزئبقي" قد يؤدي إلى الموت

GMT 08:09 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

برشلونة يسعى للاستثمار ببيع اللاعب رافينيا

GMT 03:44 2018 الثلاثاء ,31 تموز / يوليو

نور الشريف

GMT 09:50 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

"منارات زايد" تنشر العلم في مختلف أنحاء العالم

GMT 07:04 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"طيران الإمارات" تزيد عدد رحلاتها إلى أورلاندو

GMT 08:45 2016 الخميس ,03 آذار/ مارس

أجمل ألوان البيج الرائعة لموسم خريف 2016
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates