بقلم - عبد المنعم سعيد
جاء فوز دونالد ترامب على هيلارى كلينتون إعلانا عن تغير كيفى فى فكر النخبة السياسية الأمريكية لا يقل عن ذلك الذى جاء بعد الثورة الأمريكية أو الحرب الأهلية أو الخروج الأمريكى إلى العالم فى القرن العشرين. لم تكن إقامة دونالد ترامب فى البيت الأبيض لأربع سنوات ضائعة بالنسبة لحزمة من التيارات السياسية الأمريكية التى كانت موجودة على هامش الحياة السياسية الأمريكية ولكنها معه أصبحت فى قلبها. خارجيا فإنه خلال الفترة التى حكم فيها «دونالد ترامب»، فإن دعوته كانت أن الولايات المتحدة عليها التراجع عن التورط فى العالم، وأن تكون حريصة على نفسها حتى من حلفائها الذين يستغلون «كرمها» ويطالبونها بحمايتهم، بينما يبخلون على أنفسهم فى الإنفاق على الدفاع والأمن. أكثر من ذلك أن ترامب لم يكن حريصا على فكرة «القيادة» الأمريكية للعالم خاصة من الناحية القيمية الخاصة بالديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان التى رآها تعمى عيون أمريكا عن أخطار الاختلاط بالعالم غير المتقدم، والمعادى بالضرورة للدولة الأمريكية.
جاء ترامب إلى ساحة السياسة الأمريكية فى وقت تبلور فيه تيار «ضد العولمة» ورموزها من أول هجرة البشر إلى حركة التجارة إلى المؤسسات التى عبرت عنها. بشكل ما لم يعد ممكنا تلاقى الأفكار اليمينية المعروفة حول دور الدولة فى الاقتصاد والمجتمع مع أفكار العولمة، أو حتى ما كان معروفا بالنظام الدولى المتسم بحرية التجارة. وعلى العكس من ذلك فإن توجهات «اليمين» أصبحت تميل بقوة نحو الانعزال والعزلة، والتقوقع داخل شرنقة الدولة القومية، مع درجة كبيرة من التوجس فى الدول الأخرى، بما فيها تلك التى اجتمعت داخل تحالفات واندماجات وتكاملات عابرة للحدود الوطنية. ولم يمض وقت طويل حتى بدأت هذه الاتجاهات الجديدة تأخذ أشكالا عملية، ظهرت فى الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى فيما بات معروفا بالبريكست Brexist، وجاء انتخاب ترامب لكى يشكل ما هو أكثر من انتخاب رئيس جديد تحت راية اليمين.
* نقلا عن " الأهرام "