كفاءة النظام الديمقراطى

كفاءة النظام الديمقراطى

كفاءة النظام الديمقراطى

 صوت الإمارات -

كفاءة النظام الديمقراطى

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

بعد انتهاء الحرب الباردة، ومع انهيار الاتحاد السوفيتى والنموذج الاشتراكى فى التنمية والتقدم، جرى اعتبار ذلك انتصارًا للنظام الديمقراطى الليبرالى، باعتباره الأكثر كفاءة وقدرة على إدارة الحياة الأفضل.

وبشكل فلسفى كان ذلك هو «نهاية التاريخ». وعمليًّا صار دعوة تبشيرية إلى دول العالم إلى ألّا تتخلف عن المسار، وبالفعل فإنه خلال العقد الأخير من القرن العشرين تزايد عدد الدول الديمقراطية فى العالم، ومع بدايات القرن الواحد والعشرين دخلت شعوب كثيرة إلى الديمقراطية فى حماس دفعت إليه حركات جماهيرية أخذت أحيانًا لباس «الثورات الملونة»، وأحيانًا أخرى شكل «الربيع» الذى حل على غير موعد.

ولوهلة بدا «الشرق الأوسط»، والدول العربية خاصة، استثناء من الحركة الحتمية للتاريخ والزمن، وبات العرب هم الاستثناء من القاعدة، وكان ذلك لأن الإسلام يوصى بطاعة ولى الأمر، أو أن الثقافة السياسية والدولة الفرعونية التاريخية لها سماتها التى تبقى سلطانًا على رأس السلطة السياسية، أو أن السلطوية كان وجودها ضروريًّا فى بلاد اعتادت العصيان، وتُمزقها طوائف وجماعات تتأهب للحرب الأهلية والصراع الدائم.

هذه بلاد استعصت على عمليات زرع للديمقراطية جرَت فى بلدان أخرى عندما جاءتها قوات احتلال من بلاد ديمقراطية، فحافظت الهند على النظام الديمقراطى حتى بعد رحيل المستعمر.

كان الاستثناء العربى و«الشرق أوسطى» مُحيِّرًا للدول الغربية، خاصة فى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى، إلى الدرجة التى دفعت الإدارة الأمريكية إلى غزو العراق لعلها تكون فاتحة لزوال الاستغراب عن تغير العالم وبقاء الإقليم على ما هو عليه. وأحيانًا، وبديلًا عن استخدام القوة، صدرت «كتب تعليمية» لكيفية القيام بالثورة والتغيير ليس فقط من الناحية الاستراتيجية، وإنما التكتيكية كذلك.

.. كتاب «جين شارب»، الصادر عن مؤسسة ألبرت أينشتين الأمريكية «من الديكتاتورية إلى الديمقراطية: إطار تصورى للتحرر» كان دليلًا لحركات التغيير الثورية الديمقراطية فى العالم.

ما حدث فعليًّا هو أنه مع العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين بلغ تيار التغيير أوجه، ثم بدأ فى الانحسار التدريجى، حتى انعكست الآية مع بدايات العقد الثالث، فانقلب الحال وتراجع عدد النظم الديمقراطية، وفى داخل الدول الديمقراطية ذاتها انقلب الحال إلى تيارات «شوفينية» ذات طابع يمينى شعبوى يقوده «زعيم» من نوع أو آخر.

ولعل الاختبار الأعظم لهذه الأنظمة جاء مع «جائحة» الكورونا، التى لم يقدم فيها النظام «الديمقراطى» ميزة خاصة من الكفاءة لإدارة الأزمة والخروج منها بسلام؛ وفى النهاية فإن النظام السياسى لم ينجح فى تجنب الحرب، التى نشبت بين روسيا وأوكرانيا ووضعت القارة الأوروبية كلها فى مأزق كبير.

ورغم أن التوجه الغربى مع وصول «جو بايدن» إلى الإدارة الأمريكية فى تصنيف الحرب كما لو كانت بين «السلطوية الروسية» و«الديمقراطية الأوكرانية»، فإنه أغفل تمامًا أن هذه الأخيرة لم تفلح فى إدارة نظامها السياسى بحيث تستوعب الحركات الانفصالية فى الشرق الأوكرانى؛ ولا نجحت الديمقراطية الأوروبية فى التخلى عن نزعة القوة فى توسع حلف الأطلنطى وما يلقيه من تأثيرات على السياسة فى أوروبا عمومًا، التى لم تنجح فى استيعاب روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وفى وجود رئيس ديمقراطى منتخب «بوريس يلتسين».

داخل الولايات المتحدة ذاتها كان انتخاب «دونالد ترامب» نقطة فاصلة فى التاريخ الأمريكى المعاصر، وبينما كان فى السلطة فُقدت الثقة فى قدرة المؤسسات الأمريكية، بما فيها المشرفة على الانتخابات العامة؛ وفى خارجها فإنه أبقى انقسامًا مخيفًا بين الحزبين الديمقراطى والجمهورى.

فى الشرق الأوسط تعددت الاختبارات طوال القرن الماضى عندما بدأت الدول فى الاستقلال وتقليد الدول الغربية فى وضع مؤسسات منتخبة وإجراء انتخابات دورية. قامت البرلمانات والأحزاب، ودخلت أدوات الإعلام والنشر فى دورة من الحيوية السياسية مختلفة عن الركود السياسى، الذى هيمنت عليه الثقافة العثمانية.

مع منتصف القرن العشرين كان واضحًا أن تجارب الاستقلال مع الديمقراطية انتهت إلى ثورات بأشكال مختلفة انتهت إلى يد رجل واحد أو نخب ضيقة استمدت قوتها من العصبية والطائفية سواء كانت العرقية أو الهيمنة على الأجهزة الأمنية.

والحقيقة هى أنه عندما خرجت الولايات المتحدة من العراق فإنها تركته مع دستور يوزع السلطة بين الطوائف المختلفة السُّنية والشيعية والكردية، وتجرى فيه الانتخابات بصورة دورية، وتكون فيه سلطة قضائية عليا تحكم عند الاختلاف.

هذه الآلية أدت فى النهاية إلى إما وجود سلطة غاشمة للأغلبية الشيعية، أو عند الإرهاق كما هو حادث الآن فإنه لا توجد سلطة منتخبة على وجه الإطلاق. فى العراق بات الفشل الديمقراطى كاملًا عندما لم يتيسر انتخاب رئيس جديد، ولا تشكيل حكومة جديدة.

وفى لبنان، التى كانت عنوانًا على الدوران الديمقراطى، لم تنفجر الدولة فقط إلى الحرب الأهلية، وإنما عندما عُقدت الانتخابات لم ينتج عنها إلا ما كان سائدًا من قبل، وكان سببًا فى الانهيار الاقتصادى للدولة، وإجهاض ثورة شعبية متكاملة. فى اليمن انتهت التجربة «الديمقراطية» إلى الحرب الأهلية.

تونس جرَت تسميتها فترة طويلة بأنها «النموذج الديمقراطى» الوحيد الذى استمر باقيًا من «الربيع العربى»، حيث وُلدت كافة أقانيم الديمقراطية من انتخابات دورية وفصل بين السلطات.

ما حدث فعليًّا أن حركة فاشية دينية استولت على السلطة والمجتمع، وكان ذلك هو ما حدث فى مصر من قبل حينما تحالفت الحركة «الإخوانية» مع السلفيين للسيطرة على السلطة والمجتمع. عمليًّا كان المقابل لهذه السيطرة حالة من الفشل الاقتصادى الكبير، وتوقف النمو الاقتصادى، وباتت تونس أكبر المنتجين للراديكاليين، الذين ذهبوا زرافات ووحدانًا إلى صفوف الإسلام السياسى الأكثر تطرفًا فى سوريا والعراق.

لم تكن هناك مصادفة أن يسقط حكم الإخوان فى مصر على أيدى ثورة شعبية ساندتها القوات المسلحة؛ وفى تونس سقط النظام على يد أستاذ جامعى- قيس سعيد- التف حوله الشعب التونسى لإنقاذ البلاد من سلطة فاشلة.

فى السودان جرى «ربيع عربى» آخر أطاح بالسلطة الإخوانية، وأحَلَّ محلها سلطة ديمقراطية من ناحية، ولكنه من ناحية أخرى فشل فى وضع نظام يتمتع بالكفاءة السياسية والاقتصادية، فكانت النتيجة الصدام ما بين «المدنى» و«العسكرى» وما نراه من تفكك للنظام السياسى وعلامات الشقاق فى الدولة.

وللحق، فإن «النظام الديمقراطى» ليس عنوانه الفشل الدائم أو افتقاد الكفاءة؛ وإنما من الممكن، فى ظل شروط معينة، أن يشكل مجالًا عامًّا للسلم الأهلى والمنافسة الاقتصادية والاجتماعية التى ترتقى بالدولة والمجتمع. أولها حماية التغيير الشامل من التطرف، كما جرى من حماية الثورة الأمريكية من تطرف الثورة الفرنسية من خلال قانون «الفتنة والغرباء».

وثانيها التصنيع الشامل فى الدولة، والذى كفل فى الحالة الأمريكية تجاوز الحرب الأهلية. وثالثها التعليم والعلوم والتكنولوجيا، التى تكفل الارتقاء الاجتماعى، الذى تجاوزت من خلاله أمريكا ثورة الستينيات من القرن الماضى. ورابعها ارتقاء الوعى العام بالحقوق والواجبات. ولكل ذلك تفاصيل كثيرة تختلف من دولة إلى أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كفاءة النظام الديمقراطى كفاءة النظام الديمقراطى



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates