اقتراب من حيثيات الحوار السياسى

اقتراب من حيثيات الحوار السياسى

اقتراب من حيثيات الحوار السياسى

 صوت الإمارات -

اقتراب من حيثيات الحوار السياسى

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

  فى البداية أتوجه بتمنيات التوفيق والسداد إلى كل من سعادة المستشار محمود فوزى والأستاذ ضياء رشوان، فى مهمة الإشراف والتنسيق للحوار الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسى، خلال إفطار الأسرة المصرية فى شهر رمضان المعظم. أعرف أن مفهوم «الحوار» من تلك المفاهيم التى تلقى احتراما خاصا لدى الجمهور السياسى المصرى. ولكن حوارات ما قبل الحوار وضعت لدينا ثلاثة أسماء لما اقترحه الرئيس: الحوار السياسى، والحوار الوطنى، والحوار المجتمعى. والحقيقة أن التاريخ لم يكن كثيرا إلى جانب ذلك الحوار الذى تتحدث عنه الأطراف السياسية فى مصر، وفى عام ١٩٨٤ خرجت علينا الحكومة، أو الحزب الوطنى الديمقراطى، أو الرئيس آنذاك، للحديث عن حوار شامل. وبعد ذلك كانت المسألة مبهمة من أولها إلى آخرها، فقد تشكلت لجان، واجتمعت مؤتمرات، واحتج هذا أو ذاك على طريقة الحوار، وفجأة أصيب الحوار الوطنى بالسكتة القلبية بعد بيان هزيل ظهر فيه أن أحدا لم يكن يعلم ما هو الغرض من الحوار. وتكرر الأمر بعد ذلك مرات عديدة، وفى مناسبات مختلفة، وكانت الحكومة أو الحزب الحاكم تستخدمه ساعة الأزمة، أما المعارضة فلم تكن تجد شيئا غيره بعد انتهاء الأزمات، كانت الصيحات كثيرة، والطحن بلا طحين أكثر. وهذه المرة نريدها مختلفة، وضبط المصطلحات فيها ضرورة، فالحوار السياسى الذى جاءت باسمه الدعوة يعنى أنه يدور حول قرارات لها ثمن وزمن، وتقف وراءها قوة الدولة وشرعيتها لتوقيع قيم مادية ومعنوية. هو يختلف عن «الحوار الوطنى» الذى يكون بين الحكم والمعارضة للتوافق على أمور تجرى فى لحظات حرج وضيق. «الحوار المجتمعى» يحدث لمراجعة تقسيم العمل وتوزيع العائد فى المجتمع.

إذا ما جرى الاتفاق على أن الحوار سياسى كما جاء فى الدعوة، فإن السؤال الضرورى لاستيفاء الحيثيات هو لماذا الآن؟. فالأصل فى الدول أن مجتمعاتها تعيش حالة حوار دائم يجرى داخل كل جماعة سياسية، وهو يخرج أو يتسرب إلى أجهزة الإعلام التى تناقش الأفكار، وهنا تدخل مراكز البحوث المتخصصة، مع المجتمع المدنى، لكى تدلى بدلوها. وتكون الحصيلة بعد ذلك إما توافقا وطنيا مرجحا لوجهة نظر لا يجد القائد السياسى بدا من اتباعها؛ أو أن هناك خلافا عميقا فينتهى الأمر إما بالاستفتاء أو الانتخابات العامة حيث يقرر المواطنون الجهة التى ينحازون إليها، وبعدها تصير النتيجة توجها تجرى ترجمته إلى قواعد وقوانين. مشكلتنا دائما مع الحوارات الوطنية أنها تتأرجح حول الغرض من الحوار ومن ثم قائمة الأعمال التى تنبثق منه؛ كما أنها لا تعلم أبدا من هم المعنيون بهذا الحوار. وفى بلد توجد فيه أحزاب يقال عنها «ورقية» وأخرى «كرتونية»؛ وثالثة تنتمى إلى العهود البائدة؛ ورابعة لا تزال فى دور التكوين وتريد وقتا حتى تكبر وتزدهر؛ وخامسة تعبر عن كتلة هائمة من المستقلين لا تعرف إلى أين تذهب، ويكون لها مكان فى الحوار تحت اسم «الشخصيات العامة»؛ وسادسة تعبر عن كتلة واسعة أكبر تعرف باسم «الأغلبية الصامتة».

ثلاثة أسباب يمكن الاستدلال بها لتوقيت الحوار السياسى؛ أولها انتصاف مدة تطبيق «رؤية مصر ٢٠٣٠» والتى وضعت أساسا لجمهورية جديدة كانت نقطة الانطلاق لها العام الجارى، حيث يجرى افتتاح «العاصمة الإدارية»، ومعها عدد هائل من المشروعات العملاقة المنتشرة على أرض المحروسة. وثانيها أنه عند هذه النقطة المفصلية توجد قضايا كثيرة تحتاج- من أرضية وطنية- التوافق على قائمة أعمال جوهرية تحتاج قرارات حاسمة تتعلق بكل ما له علاقة بتحقيق الهدف السياسى فى إقامة «دولة مدنية ديمقراطية حديثة»، ما دامت هذه الحالة تستدعى قوانين وتشريعات تتعامل مع الزيادة السكانية والأحوال الشخصية ودور الدولة فى الاقتصاد والمجتمع. وثالثها أن مصر تواجه فى هذا العام أوضاعا حرجة تؤثر على اقتصادها وقراراتها السياسية فى الداخل والخارج. وفى تقرير أخير لمنظمة التعاون الاقتصادى والتنمية فإن الحرب الروسية الأوكرانية أضافت إلى التحديات التى تواجهها دول العالم تحدى إبطاء التشافى والتراجع فى «جائحة» الكورونا، وتحدى ضغوط التضخم المتصاعد الذى قد يتزامن مع الكساد، وتحدى ارتفاع تكاليف المعيشة الذى يسبب حالة من العنت والعوز مع مخاطر المجاعة. وكما هو معلوم فإن المنظمة تضم الدول الصناعية والمتقدمة والغنية فى العالم، وإذ كان ذلك هو تحدياتها فإن مصر ليست بعيدة عنها.

هكذا فرضت نتائج إنجازات المرحلة السابقة، وتحديات المرحلة المقبلة، أهمية «الحوار السياسى» الذى يدور حول قرارات لها زمن وثمن فى مواجهة واقع فرضت عليه تحديات داخلية وخارجية. المرجعية لهذا الحوار تتشكل من الدستور المصرى، ورؤية مصر ٢٠٣٠، وتجارب الدول الصناعية الحديثة التى عانت كثيرا من الاستعمار والتخلف فى عمومه، ثم ظهرت إلى الدنيا خلال العقود الثلاثة الماضية نمور وفهود اقتصادية، وقوى منافسة فى النظام العالمى. هذه الدول جميعها تجنبت التورط الخارجى فى نزاعات وصراعات، وأخذت بنوع من الثبات أو الكمون أو حتى الصبر الاستراتيجى لكى توفر كل طاقاتها من أجل عمليات البناء الداخلية.

المرشحون للمشاركة فى الحوار السياسى هكذا يمثلون النخبة السياسية فى المجتمع وبعدد معقول يسمح لفكرة الحوار بأن تطبق. والمقترح هنا أن تُمثل الأحزاب تلك التى لها عضو واحد على الأقل فى مجلسى النواب والشيوخ وعددها سبعة عشر حزبا. وبعد ذلك يأتى الممثلون للمجالس العليا والوطنية لحقوق الإنسان والمرأة، وما يماثلها من الهيئات المدنية فى النقابات والاتحادات، ومراكز البحوث والدراسات، مع عدد من الشخصيات العامة ذات الرصيد السياسى والخبرة العملية فى السياسات العامة. والحقيقة أن تحديد العدد ليس مقصودا منه استبعاد طرف ولا استثناء رأى، فالتغطية الإعلامية للحوار السياسى سوف تنعش الحياة السياسية فى البلاد، كما أنها سوف تعطى مددا كبيرا للسلطة التشريعية لكى تحول الأفكار السياسية إلى قوانين وتشريعات. فالأصل فى المجتمعات الحديثة أن السلطة التشريعية ليست فقط منوطا بها إصدار القوانين، والحوار السياسى عند التداول حولها، وإنما تقييم أدوات مستمرة للحوار السياسى العام فى المجتمع الذى يرصد المواقف والاتجاهات من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.

ولما كان الغرض من «الحوار السياسى» هو تحقيق التوافق السياسى حول القضايا الجوهرية التى أثارها المشروع الوطنى الحالى وهو يواجه الواقع المصرى المعقد، والأزمات المحلية من الإرهاب إلى زيادة المواليد، والعالمية من «الكورونا» إلى حرب أوكرانيا، فإن مآل كل الحوارات هو أن تتحول فى النهاية إلى قوانين تتعرض لمداولات أخرى فى مجلسى النواب والشيوخ. والنتيجة من كل ذلك هى أن عملية الحوار السياسى ليست مناسبة مؤقتة لتحقيق حراك سياسى، وإنما هى عملية ديناميكية متصلة لإبداء الرأى وصنع السياسات، وطرح القوانين وتطويرها ومواصلة تقييمها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اقتراب من حيثيات الحوار السياسى اقتراب من حيثيات الحوار السياسى



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 10:24 2024 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها
 صوت الإمارات - طرق متميزة ومُساعدة في تنظيف غرفة النوم وتنظيمها

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يحمل إليك هذا اليوم كمّاً من النقاشات الجيدة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 02:29 2024 الأحد ,01 أيلول / سبتمبر

أطفال غزة يبدأون أخذ تلاقيح شلل الأطفال

GMT 06:33 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

سوناك يقر بالهزيمة في انتخابات بريطانيا

GMT 10:44 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

جيني إسبر تُعلق على عدم تواصلها مع نسرين طافش

GMT 16:04 2020 الأربعاء ,01 إبريل / نيسان

غريفيث يُحذِّر من عواقب تفشي "كورونا" في اليمن

GMT 15:38 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على مميزات سيارات "مازدا 3"

GMT 16:21 2013 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

اجتماع حول مشكلة الوحدات السكنية في مدينة الابيار الليبية

GMT 14:14 2013 الأربعاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"مستورة" رواية فلاحة مصرية عن دار "دوّن"

GMT 01:15 2016 الثلاثاء ,08 آذار/ مارس

أروع النشاطات الممتعة في أبو ظبي

GMT 13:29 2017 الخميس ,21 كانون الأول / ديسمبر

الحقائب البراقة" عنوان أناقتك في موسم الأعياد"

GMT 14:13 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشيخ طحنون بن محمد يعزّي في وفاة حمد الظاهري

GMT 12:49 2013 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بركات "ملك الحركات" قريبًا فى برنامج إذاعيٍّ على تردُّد "9090"

GMT 01:26 2016 الأربعاء ,03 شباط / فبراير

البنك الدولي يعلن عن خطة عمل مناخية لأفريقيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates