الطريق إلى وثيقة ملكية الدولة «١2»

الطريق إلى وثيقة ملكية الدولة «١-2»

الطريق إلى وثيقة ملكية الدولة «١-2»

 صوت الإمارات -

الطريق إلى وثيقة ملكية الدولة «١2»

بقلم - عبد المنعم سعيد

 نجحت مصر، وبعد كفاح ونضال، فى التخلص من الاحتلال البريطانى، ونبّهنا الصديق د. أسامة الغزالى حرب إلى أن يوم ١٨ يونيو كان فى جيلنا يوم عطلة احتفالًا بعيد انتظره المصريون سبعين عامًا. كذلك نجحت مصر فى التخلص من الاحتلال الإسرائيلى لسيناء، حيث خاض المصريون بصبر كبير حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر، ومعركة دبلوماسية كبرى لكى تعود سيناء. وعلى الجانب الآخر لم تنجح الدولة المصرية شعبًا وحكومة فى تحرير الاقتصاد المصرى من سيطرة أفكار وتطبيقات بدأت خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى؛ وقامت على قسمة سُميت «العقد الاجتماعى»، محتواها أن تسيطر الدولة على كل شىء، مقابل أن تقدم لجمهورها المصرى كل شىء أيضًا، من فرص العمل إلى التعليم والصحة والمواصلات العامة والثقافة ومعها الإعلام وأفلام السينما. لم تكن الأفكار فى هذا الشأن مصرية خالصة، وإنما كانت استعارة من تجربة عالمية جاءت بعد الحرب العالمية الثانية، وفرضت دورًا كبيرًا للدولة فى عملية إعادة بناء ما دمرته الحرب. المؤسسات الاقتصادية الدولية جنحت إلى أهمية دور الدولة فى الاقتصاد والمجتمع فى الدول النامية، حيث كان القطاع الخاص إما ناشئًا أو غير موجود على الإطلاق. مع ثمانينيات القرن الماضى انعكست التوجهات العالمية إلى الدعوة إلى حرية الأسواق، والاعتماد على القطاع الخاص والمبادرات الفردية. ولم يحدث ذلك فى الدول الرأسمالية فقط، وإنما امتد إلى الدول الاشتراكية، ومعها دول نامية. واعتبارًا من انعقاد مؤتمر الحزب الشيوعى الصينى عام ١٩٧٨، دخلت التجربة التنموية فى العالم مرحلة جديدة لاعتماد الرأسمالية عامة والقطاع الخاص سبيلًا إلى التقدم الاقتصادى، والمعرفة التكنولوجية، وارتفاع شأن الدولة. برزت النمور والفهود الآسيوية لكى تشجع على مرجعية جديدة للنفاذ إلى المكانة العالمية، ومع القرن الواحد والعشرين، أصبحت الصين دولة عظمى، وأصبحت دول أخرى مثل كوريا الجنوبية وباقى دول جنوب شرق آسيا من الدول المرموقة فى الاقتصاد الدولى.

وللحق، فإن مصر لم تكن بعيدة عن هذه التوجهات، وفى أعقاب انتهاء تنفيذ الخطة الخمسية الأولى (١٩٦٠- ١٩٦٥)، بات واضحًا أن الاقتصاد المصرى لم يدخل فى دائرة التضخم والغلاء فقط، وإنما وصل إلى طريق تنموى مسدود، فكان تأجيل الخطة الخمسية الثانية لمدة عامين؛ وبسبب النكسة فإنها تأجلت إلى الأبد. وتكشف الوثائق التى نشرتها مؤخرًا الأستاذة الدكتورة هدى عبدالناصر أن الرئيس جمال عبدالناصر، الذى رغم انشغاله بمعركة التحرير وإزالة آثار العدوان، بدأ التفكير فى الحاجة إلى تنشيط القطاع الخاص فى مصر. هذا التفكير أفرز وضع أساس تحويل منطقة بورسعيد إلى منطقة حرة، وهو الأمر الذى جعلها مع الزمن فى مقدمة محافظات مصر من حيث التنمية البشرية. الرئيس السادات أدرك التغيرات الكبرى الجارية فى الفكر التنموى العالمى، وفى وقت مصاحب تمامًا للتجربة الآسيوية، ذهب إلى ما سُمى سياسة «الانفتاح الاقتصادى»، ومعها كان قدر من «الانفتاح السياسى». وفى الوقت الذى كان العالم فيه يتغير فى اتجاه فتح الأسواق ودفع القطاع الخاص إلى الاستثمار، فإن أحداث ١٨ و١٩ يناير ١٩٧٧ عرقلت مسعى الرئيس، ولم يمضِ وقت طويل حتى تم اغتياله. الأحداث والاغتيال شكّلت سقفًا من فولاذ على إمكانيات تحرير الاقتصاد المصرى، وعندما عقد الرئيس مبارك مؤتمرًا للحوار الاقتصادى فإن قيادة التفكير الاشتراكى ظلت مستقرة، ومعها جرى أكبر ركود فى الحياة الاقتصادية المصرية رغم أن الدولة لم تعد قادرة على بناء المدارس والمستشفيات أو توفير المساكن أو فرص العمل.

احتاج الأمر عقدًا كاملًا حتى جرَت حرب الخليج وتحرير الكويت، ونظرًا لدور مصر المشرف فى الحرب، فإن الدول الحليفة تكاتفت لكى تعفى مصر من نصف ديونها مقابل أن تبدأ عمليات للإصلاح الاقتصادى من خلال اتفاقيات مع صندوق النقد الدولى. وعلى مدى عقد ونصف العقد، والعبور إلى القرن الواحد وللعشرين، فإن الدولة المصرية كانت مترددة تمامًا فى الخروج على «العقد الاجتماعى» الذى استقرت عليه من قبل، ورغم الرحلات العديدة التى قام بها الرئيس مبارك إلى الدول الآسيوية والإشادة بالتجربة والمطالبة باتباعها، فإن عمليات الإصلاح ظلت متعثرة. فقط فى السنوات الست الأخيرة من حكم الرئيس مبارك بدأ الإصلاح يأخذ اتجاهات أكثر جدية، مع المحافظة على أوتاد الدولة فى الاقتصاد الوطنى. ورغم الأزمة المالية العالمية التى تعرض لها العالم فى ٢٠٠٨، فإن مصر حققت معدلات عالية للنمو، ولكنها واجهت مقاومة كبيرة انتهت إلى ثورة شعبية كبرى أطاحت بالنظام كله، وسرعان ما تسلم الإخوان الحكم دون مشروع اقتصادى من أى نوع، فقامت ثورة يونيو ٢٠١٣، التى وضعت مصر فى مدار تنموى آخر.

السنوات الثمانى التالية شكّلت مرحلة جديدة فى التاريخ المصرى، وفى الإصلاح الاقتصادى، والتنمية المصرية فى العموم. ولعل وزارة د. حازم الببلاوى هى التى وضعت البذور الأولى للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى عاشتها مصر، مستغلة فى ذلك المعونات الاقتصادية الكبيرة التى قدمتها الدول العربية الخليجية، وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وجاء انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى لكى يأخذ بالأمر كله إلى آفاق وطموحات جديدة تخرج بمصر من دائرة إدارة الفقر التاريخية إلى دائرة إدارة الثروة المصرية. جاءت هذه النقلة الكبيرة ليس فقط فى تحقيق معدلات ملحوظة للنمو الاقتصادى، وإنما أكثر من ذلك جرَت أكبر عملية لبناء الأصول الاقتصادية الجديدة مضيفة إلى الاقتصاد المصرى طاقات هائلة. بات التقدم ليس فقط فى الكم، وإنما أيضًا فى النوع. لم يكن البناء الاقتصادى كما كان لسد احتياجات المواطنين، وإنما لدخول القرن الواحد والعشرين. استطاع الاقتصاد المصرى مواجهة أزمتى الإرهاب و«الجائحة»، بحيث كانت مواجهة الأزمة تجرى فى جانب، بينما يستمر البناء فى جانب آخر. باتت مصر مستعدة مع بداية العقد الثانى من القرن الواحد والعشرين لكى يكون عام ٢٠٢٠ عام الافتتاحات الكبرى لمشروعاتها العملاقة وتحقيق انطلاقة كبرى فى الاقتصاد المصرى. ولكن امتداد أزمة الكورونا عامًا آخر أجّل أمورًا كثيرة إلى عام ٢٠٢١، ومع استمرار الأزمة عامًا آخر، بدا أن الخلاص سوف يكون فى عام ٢٠٢٢، وبينما كل الأحوال المصرية مُبشِّرة بتحقيق الكثير من الأحلام، إذا بالحرب الأوكرانية تفجر النظام الاقتصادى الدولى، وتنذر بأزمة ممتدة تستوجب التعامل معها بشكل جديد بالعودة إلى المرجعية، التى حققت انطلاقات كبرى فى الدول الصناعية الجديدة.

«وثيقة سياسة ملكية الدولة»، التى أصدرتها الدولة مؤخرًا، عبّرت عن هذه المرجعية عندما اعتمدت على قراءة ٣٠ تجربة دولية لـ٣٠ دولة، ونظرت إلى ثلاث دول هى الصين وإندونيسيا والهند، وثلاثتها كثيفة السكان، وعانت كثيرًا ظروف التاريخ بماضيه وحاضره، ولكنها انتقلت من صفوف الدول النامية إلى صفوف الدول العشرين الأولى فى العالم، وجميعها أعَدّت وثائق مماثلة قبل مصر، وكلها تقوم على تحرير الاقتصاد وإعطاء فرصة كبيرة للقطاع الخاص.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الطريق إلى وثيقة ملكية الدولة «١2» الطريق إلى وثيقة ملكية الدولة «١2»



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates