إقليم الدول والميليشيات

إقليم الدول والميليشيات؟!

إقليم الدول والميليشيات؟!

 صوت الإمارات -

إقليم الدول والميليشيات

بقلم: عبد المنعم سعيد

الأصل في «النظام الدولي» و«النظم الإقليمية» أنها تقوم على الدول ذات السيادة التي لها حقوق وعليها واجبات؛ وهذه حددها ما هو معلوم من القانون الدولي ساعة السلام وساعة الحرب، والأعراف والتقاليد وأحكام التنظيمات الدولية والإقليمية التي تندرج الدولة فيها. الوحدات السياسية والاقتصادية الأخرى من غير الدول لا تشغل هذه المكانة في النظام العام حتى ولو كانت لها تأثيراتها المختلفة، إلا عندما تمنحها المنظمة الدولية للأمم المتحدة المجال الذي تعمل فيه. ويدخل في هذا الإطار المنظمات الدولية؛ مثل منظمة التجارة العالمية، والصليب والهلال الأحمر الدوليين؛ ويمكن للشركات الدولية المتعددة الجنسيات أن تكون لها تأثيراتها ولكن من خلال القواعد التي تنظمها هيئات اقتصادية عالمية. الأمر المهم بالنسبة للعضوية السيادية للدولة هو اتخاذ قرارات الحرب والسلام، فهو شرط أساسي لوجود الدولة، حيث هي وحدها التي لديها «الحق الشرعي» لاستخدام السلاح؛ وما عدا ذلك فهو خروج عن الشرعية الدولية وانتقاص من مشروعية الدولة. ما يحدث في الشرق الأوسط، وخاصة في الإقليم العربي، يضع الدولة العربية أمام اختبار تاريخي من الميليشيات العسكرية التي اختطفت لذاتها شرعية قرارات الحرب والسلام تحت رداء «الممانعة» و«المقاومة». النظرة على الواقع في الإقليم توضح الصورة، وتضع الحقائق في نصابها بما فيها تهديد الدولة العربية؛ والأمثلة على ذلك واضحة في العراق، حيث توجد قوات «الحشد الشعبي»، وسوريا، حيث توجد قوات «الحرس الثوري» الإيراني و«حزب الله»، ولبنان حيث يوجد «حزب الله»، واليمن حيث يوجد تنظيم «أنصار الله»؛ وحتى قبل وجود الدولة يهدد الوحدة السياسية لفلسطين تنظيم «حماس».

خلال العقود الأربعة الأخيرة قامت هذه التنظيمات بخطف قرار الحرب والسلام من الدول المعنية، حينما – أولاً - استخدمت القوة المسلحة داخل الدولة للتأثير في قراراتها السياسية وانتخاباتها التنظيمية؛ وثانياً سلبت الدولة قرار الحرب والسلام وما بين ذلك من قرارات وقف إطلاق النار والهدنة السلمية أو المسلحة؛ وثالثاً أصبغت هذه التنظيمات على أنشطتها صبغة دينية في ناحية، وتبنت مقاومة «الاستبداد أو الفساد الانتخابي» من ناحية أخرى، وقيامها بالدفاع عن القضية الفلسطينية والمقاومة ضد الاستعمار والإمبريالية والغرب بصفة عامة من ناحية ثالثة، وفي أوقات وضعت نفسها في مجال مقاومة الحركات الإرهابية مثل «القاعدة» و«داعش» من ناحية رابعة. ولكن واقع هذه الميليشيات ظل أكثر تعقيداً من كل ما سبق حيث أخذت وضعاً استراتيجياً يقوم على مفهوم «الدفاع المتقدم» عن الدولة الإيرانية. وللحق فإن هذه التنظيمات لم تخف قط علاقاتها بالنظام القائم في إيران، وبعضها مثل «حزب الله» اللبناني يضع نفسه في حزمة الولاء الشيعي لمنظومة مدرسة «قم» الإيرانية، التي تبدأ من المرشد العام للدولة الإيرانية، ولا تنتهي بـ«الحرس الثوري» الإيراني. وبشكل عام فإن هذه التنظيمات المختلفة والمتنوعة في مذاهبها، بما فيها السنية مثل «حماس» الأقرب لتنظيم «الإخوان المسلمين» تعتمد كثيراً على طهران في التسليح والتدريب والتمويل. العلاقة استراتيجية بامتياز، ولكنها بوازع الحصافة، تعطي أبعاداً عن مرونة الحركة للتنظيمات المختلفة وتنأى بالقيادة الإيرانية عن التفاصيل، ولكن تبقى أهدافها الاستراتيجية هي الأساس.

حرب غزة الخامسة عبرت أصدق تعبير فيما يتعلق بالأوضاع الاستراتيجية في الشرق الأوسط التي بدت في طريقها إلى تحقيق درجة عالية من الاستقرار الإقليمي، أولاً من خلال الاتجاه نحو التهدئة للنزاعات الإقليمية بعد إعلان العلا في يناير (كانون الثاني) 2021 الناجم عن القمة الخليجية آنذاك، ومن ثم تحسنت العلاقات العربية بقطر وتركيا وعادت العلاقات بطهران. وفي الاتجاه نفسه نحو الاستقرار الإقليمي جرت المفاوضات الثلاثية الأبعاد بين الدول العربية والولايات المتحدة وإسرائيل لإقامة علاقات طبيعية مصحوبة بخطوات نحو قيام الدولة الفلسطينية. مثل هذا الاستقرار الإقليمي المدعّم لعمليات التنمية والإصلاح الجارية في العديد من الدول العربية في الإقليم تعرض لخطر بالغ بالهجوم الذي قامت به «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ما تلا ذلك من انفجار الوضع في المنطقة الذي لم يكتف بما ألم بالقضية الفلسطينية والعدوان المروع على غزة؛ وإنما صاحبته تحركات «حزب الله» الذي نصب من نفسه نصيراً مشاركاً في الحرب على الجبهتين اللبنانية والسورية، وكذلك فعلت جماعة «أنصار الله» الحوثية في اليمن بتهديد الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر؛ أما تنظيم «الحشد الشعبي» العراقي فقد قام بالهجوم على القواعد الأميركية المقاومة لتنظيمي «القاعدة» و«داعش» في سوريا والعراق والأردن. هذه التحركات العنيفة على الجبهات كافة خلقت حالات من عدم الاستقرار العنيف في المنطقة الذي لا يقوم على قرارات الدول، فلا كان للسلطة الوطنية الفلسطينية نصيب من قرار «حماس»، ولا كانت الدولة اللبنانية ممثلة في حكومتها وبرلمانها أو جيشها لها نصيب في المعركة، ولا كانت دولتا سوريا والعراق لهما قرار فيما وجدت كلّ منهما ذاتها الدولية فيه.

كان طبيعياً أن تقوم الدول العربية باستنكار السلوكيات العدوانية الإسرائيلية، وأن تندد بذلك في المحافل الدولية، وتسعى في الوقت نفسه لوقف إطلاق النار من خلال «هُدن» إنسانية تليها عملية سلام تقوم على حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية مع تحقيق الاستقرار الإقليمي في الوقت نفسه. تحقيق ذلك له أهمية مركزية في حماية الدولة العربية من عواصف عدم الاستقرار الإقليمي؛ ولكن الإنجاز سوف يظل مقلقاً مع وجود الميليشيات التي وجدت لكي تزعزع ثبات واستقرار الدولة العربية؛ وأكثر من ذلك تأخذ في يدها قرارات الحرب والسلام ليس فقط تلك المتعلقة بدولها، وإنما الأكثر من ذلك المتعلقة بالإقليم كله والعالم. النظرة إلى مسرح عمليات البحر الأحمر تفتح باب تصعيد كبير للحرب في المنطقة ربما تفلح «الهدنة» في إبطائه، ولكن الميليشيات هي التي ستجعل انتظار حرب أخرى قائماً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إقليم الدول والميليشيات إقليم الدول والميليشيات



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 19:29 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر
 صوت الإمارات - إطلالات أنيقة وراقية لكيت ميدلتون باللون الأحمر

GMT 19:32 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024
 صوت الإمارات - الوجهات السياحية الأكثر زيارة خلال عام 2024

GMT 19:35 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها
 صوت الإمارات - نصائح للعناية بالأرضيات الباركيه وتلميعها

GMT 19:39 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية
 صوت الإمارات - تحقيق يكشف عن تقييد "فيسبوك" للصفحات الإخبارية الفلسطينية

GMT 00:13 2020 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال تركيا "المدمر"

GMT 23:59 2019 السبت ,23 آذار/ مارس

رئيس النصر السعودي يسخر من جمهور الشباب

GMT 06:58 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

الأجهزة اللوحية في المدارس سقوط حرّ لمهارات الكتابة

GMT 15:53 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"لينكولن" تستعيد الأناقة الكلاسيكية بطرح محدود لـ"61 Continental"

GMT 12:42 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق برنامج "Little Big Stars- نجوم صغار" على "MBC مصر" السبت المقبل

GMT 19:42 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة "هارفاد" تواجه اتهامات بالتمييز العنصري ضد الأميركيين

GMT 04:16 2014 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

عطور "الفانيلا" مطلب كل امرأة أنيقة وراقية

GMT 05:59 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

شركة التصنيع الوطنية تعلن عن فرص عمل في السعودية

GMT 04:34 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مباحثات مغربية صينية لتعزيز التعاون في مجال الطاقة

GMT 14:52 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم منازل صينية بديلة أكثر إنتاجية واستدامة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates