أنماط الدولة الوطنية
آخر تحديث 03:46:18 بتوقيت أبوظبي
الجمعة 7 آذار / مارس 2025
 صوت الإمارات -
أخر الأخبار

أنماط الدولة الوطنية

أنماط الدولة الوطنية

 صوت الإمارات -

أنماط الدولة الوطنية

بقلم: عبد المنعم سعيد

الدول مثل الأفراد تتمثل في أمور مثل وجود الأمور الثلاثة المعتادة: الإقليم والشعب والسلطة السياسية؛ ولكنها تختلف في كل شيء آخر. فلا توجد دولة تتطابق مع دولة أخرى في وضعها «الجيوسياسي»، وكما يقال إن الإنسان لا يختار والديه، فإنَّ الدول لا تختار جيرانها بحراً كان أو براً. وما يجعل الدولة فريدة في العصر الحديث هو نوعية «القومية» التي تحتويها، إذ تضع هذه الحالة «شخصية» للدولة ونوعية تركيبها ليس فقط الجغرافي، وإنما مع ذلك التاريخي والثقافي أيضاً.

هذه السمات الأخيرة تخلق الكثير من «الأكواد» و«الميمات» و«الشفرات» التي تجعل في النهاية التمايز بين الأمم والدول منطقياً. فالحقيقة أنه جغرافياً لم يكن البريطانيون بعيدين كثيراً عن الفرنسيين بأكثر من مسافة ماء بحر المانش بين «كاليه» و«دوفر»؛ ولكنّ السمات القومية لدى البلدين مختلفة، إذ جرى غزلها ونسجها عبر عمليات تاريخية مختلفة. في بريطانيا كان للتاج البريطاني دور كبير في نسج الحالة «الإنجليزية» بما فيها من استقرار سياسي وحكمة في فترة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس أو في فترة الدولة التي لا تطيق كثيراً البقاء تحت المظلة الأوروبية. فرنسا كانت هي التي لعبت دوراً أساسياً في تركيب الرابطة الأوروبية لأنها لم تتخلص من «التاج» فقط، وإنما فوقه نوع من التمرد الذي جاءت به الثورة الفرنسية التي كان على نابليون أن ينشر روحها وقوانينها ما بين باريس وموسكو. ألمانيا حاولت في زمن «هتلر» أن تجعل هويتَها مرتبطة بالعنصر «الآري» وترسيم سموّه، لكن المحاولة كانت في النهاية فاشلة وما نجح كان الحاجة الألمانية إلى الاتحاد الذي جعلها واحدة من المتأخرين، مع إيطاليا، في بناء القومية الخاصة بها على يد ميترنيخ ومانزيني. الوحدة والتركيب هي التي جعلت ألمانيا مصممة على إعادة دولتها مرة أخرى بعد تقسيم الحرب العالمية الثانية؛ ومعها أن تكون الحارسة على بقاء الاتحاد الأوروبي حتى ولو استدعى الأمر تطويع التمرد الفرنسي، والزهو الإيطالي في إطار موحَّد ليس بالقومية، ولا بالتقسيم؛ وإنما بمشروع تاريخي فلسفي وحضاري ربما يعود إلى اليونان في قِدمه.

أوروبا بالتأكيد ليست موضوعنا وإنما ما جرى للدولة العربية، وهروب الفكرة القومية منها إلى اتساعٍ كبيرٍ عربيّ النزعة، أو اتساع أكبر إسلامي الهوى؛ وفي أحيان، وبديلاً عن الاتساع كان الضيق في تمنيات طوائف ومذاهب دينية. في اللغة باتت «الوطنية» نوعاً من التخصيص القومي للدول العربية لم تنشأ فقط من الحدود التي تركها الاستعمار أو الغزوات الأجنبية، وإنما لأنه في حالات كانت نتاج قيادات إمارات وملوك، وباختصار عروش امتزجت فيها هوية تاريخية للقيادة. لم يكن الأمر من حيث الشكل مختلفاً عن الحالة البريطانية ليس فقط في وجود التاج حتى ولو اختلف الاسم، وإنما في وجود وحدة ما بين السلطة والدين أو مذهب فيه. هذا النموذج للدولة «الوطنية» والموجود في منطقة الخليج العربي هو الذي صمد في وجه ما سُمي «الربيع العربي»، إذ كان الاستقرار والوحدة أقوى بكثير من دعوى التفكك. وأكثر من ذلك كان الإدراك حازماً حينما ظهر أن دولة خليجية تعرضت لاختبار قاسٍ، فكان التدخل حازماً أن الفوضى والانشقاق هي خارج الإطار الوطني لكل دولة على حدة. الالتفاف حول العرش استمر في حالتَي الأردن والمغرب لبقاء الدولة الوطنية التي ثبت أنها أكثر ترابطاً من كونها ظاهرة «جغرافية» نجمت عن تقسيمات استعمارية.

الجمهوريات وحدها نسجت وطنيتها حول أصول تاريخية، ولما كان المشرق العربي مجمعاً للطوائف والجماعات الدينية، فإن «الوطنية» كانت خافتة، ولم تنجح الجذور الأموية لدمشق في أن تنقذ سوريا من حرب أهلية، ولا لبنان وطبيعتها الفريدة من حروب أهلية بعضها موجود في العلن والآخر في السر.

العراق ربما يخوض الآن معركته الوطنية التي انصهرت بالويل الصدّامي، وسلسلة حروب باتت فيها ذكريات الشقاء ذاكرة مشتركة، ويرى نفطه طريقاً مشتركاً لخلاص الجميع. ولكن التجربة لا تزال في أولها، وهي كذلك تقف أمام التجربة الفلسطينية التي حصلت على معاناتها في تواريخ من الانقسام المكلَّل بالعنف، في مواجهة قوة صهيونية جذبت أطرافها من العالم كله لكي تخلق دولة قومية على أرض فلسطين. وإذا كان السودان هو عراق وادي النيل، وليبيا هي سوريا في شمال أفريقيا، فإن تونس والجزائر جرت فيهما مشابهات بناء دول وطنية متميزة، ونعم «قومية» مشروع حداثي لدى الأولى جاء مع الاستقلال، وتاريخ نضالي جاء مع الثانية، وجعل ثورة المليون شهيد جذوة وطنية لا تنضب في وجه تحديات كثيرة.

مصر كانت دوماً حالة خاصة، وفي تجربتها المعاصرة كانت هي الدولة التي دخلت إلى جحيم «الإخوان» وخرجت منه بعد عام واحد. جمال حمدان كان هو الذي كتب في وقت مبكر عن شخصية مصر؛ ومن قبله كان هناك تاريخ حداثي طويل تطور على مهل بين القرن التاسع عشر والقرن العشرين عرف الثورات الناعمة التي انتقلت من نظام إلى آخر بمرونة ويسر؛ وفي وقت سجل ميلاد حنا سبعة أعمدة للوطنية المصرية بحيث فعل التاريخ لديه ما فعلته الجغرافيا لدى حمدان من قبله في التنظير والتقطير. الآن والخاتمة تقترب فإن العالم العربي في تقسيمه «الوطني» الخاص بكل إقليم ينقسم بين هؤلاء الذين لديهم مشروع حداثي إصلاحي، وهؤلاء الذين لا تزال «الثورة» ضاربة فيهم بالفوضى حتى بات التماسك الوطني بعيداً. وفي وقت من الأوقات كُتب مقال، ونُشر كتاب، في لبنان، عنوانه «حبيبتي» فيه كثير من الحنين لأول جذور الدولة، حيث الأمن والنظام والقدرة على العمل الوطني في وطن واحد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أنماط الدولة الوطنية أنماط الدولة الوطنية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة - صوت الإمارات
احتفلت الملكة أحلام قبيل ليلة عيد الحب بعيد ميلادها في أجواء من الفخامة التي تعكس عشقها للمجوهرات الفاخرة، باحتفال رومانسي مع زوجها مبارك الهاجري، ولفتت الأنظار كعادتها باطلالاتها اللامعة، التي اتسمت بنفس الطابع الفاخر الذي عودتها عليه، بنكهة تراثية ومحتشمة، دون أن تترك بصمتها المعاصرة، لتتوهج كعادتها بتنسيق استثنائي لم يفشل في حصد الإعجاب، ومع اقتراب شهر رمضان المبارك دعونا نفتش معا في خزانة المطربة العاشقة للأناقة الملكية أحلام، لنستلهم من إطلالاتها الوقورة ما يناسب الأجواء الرمضانية، تزامنا مع احتفالها بعيد ميلادها الـ57. أحلام تتألق بإطلالة لامعة في عيد ميلادها تباهت الملكة أحلام في سهرة عيد ميلادها التي تسبق عيد الحب باحتفال رومانسي يوحي بالفخامة برفقة زوجها مبارك الهاجري، وظهرت أحلام بأناقتها المعتادة في ذلك ا�...المزيد

GMT 12:53 2016 الثلاثاء ,19 تموز / يوليو

الكشف عن هوية رسام لوحة غامضة بـ 300 ألف إسترليني

GMT 20:59 2021 الأحد ,17 كانون الثاني / يناير

بايرن ميونخ يسعى لتخطي فرايبورج في الدوري الألماني

GMT 08:22 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل كوكيز مقرمش بالسمسم

GMT 00:52 2019 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فورد تطلق سيارتها Ranger الجديدة بثلاثة موديلات مختلفة

GMT 22:18 2013 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

طلاب مدارس بريطانيا الابتدائية ينامون في الفصول
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates