ثورة على الثورة

ثورة على الثورة!

ثورة على الثورة!

 صوت الإمارات -

ثورة على الثورة

بقلم - عبد المنعم سعيد

 

هناك الكثير من أوضاعنا ليست وليدة اللحظة القائمة، لكنها جاءت لنا من قرارات وقوانين سبق وضعها فى ظروف خاصة بالعصر الذى وُلدت فيه. وفى التاريخ المصرى الحديث جرت ثورتان (١٩١٩ و١٩٥٢) غرستا فى البلاد مؤسسات ونظمًا وقوانين كانت فى الأصل امتدادًا لقواعد جرى وضعها إبان الفترة العثمانية، لكنها بفعل الثورة وضعت بصماتها عليها إلى الدرجة التى باتت من المقدسات التى لا يجوز المساس بها.

وفى مرات سابقة أشرت إلى ثلاثة قوانين كان لها تأثير كبير على أحوال مصر: قانون الإصلاح الزراعى، وقانون العقارات، وقانون مجانية التعليم. بالطبع فإن هذه القوانين الثلاثة هى عناوين لعمليات قانونية جرت خلال ما يقرب من قرن حتى بات ما نواجهه حزمة من التعقيدات والتركيبات التى يصعب التعامل معها.

المثال على ذلك كان عندما عُرض «موضوع للنقاش» يخص علاقة التكنولوجيا بالثروة الزراعية فى مصر على مجلس الشيوخ، الذى من واجباته «التفكير» فى القضايا التى يتعرض لها الوطن. وهنا فإن الاهتمام بالثروة الزراعية هو أمر منطقى فى وقت توجد فيه أزمة اقتصادية أحد أبعادها قضية الغذاء.

الأخبار السارة هى أن هناك بدايات ثورة زراعية تظهر من الاتساع الأفقى فى مساحة الأرض الزراعية، ومن النمو الجارى فى الإنتاج الزراعى وفى حجم الصادرات الزراعية، أما الأخبار غير السارة فهى أنه رغم ذلك ليس كافيًا عند المواكبة مع الزيادة السكانية.

والعجز المحقق فى الميزان التجارى للسلع الزراعية، لكن الأمل كان فى التكنولوجيا سواء كانت لها علاقة بالتحسينات الجينية للنبات، والتى تضاعف من حجم الإنتاج، أو التى تؤدى إلى ارتفاع كفاءة التربة، أو التى تستخدم كمية أقل بكثير من المياه- أحيانًا ١٠٪ فقط- لإنتاج كمية أكبر من الناتج، خاصة فى الغذاء.

«التكنولوجيا هى الحل» عنوان لا بأس به فيما دار فى هذه الجلسة العامة للمجلس الموقر، لكن العقبة التى تقف أمامنا إزاء الاستخدامات التكنولوجية أنه بعد مرور أكثر من سبعة عقود على قوانين «الإصلاح الزراعى» فإن مساحات الأرض المزروعة الباقية لدى ورثة الأرض تجعل الاستخدام الكثيف للتكنولوجيا عالى التكلفة، فضلًا عن أنها تجعل الزراعة فى العموم تصبح عملية غير مجزية، فيصبح البناء على الأرض أقل تكلفة وأكثر عائدًا من الزراعة.

الثابت الآن هو أن الإنتاج الزراعى المصرى، وبالذات ذلك الموجه نحو التصدير، يقع فى معظمه فى الأرض الزراعية الواقعة خارج وادى النيل وفى الأراضى الصحراوية الجديدة، حيث جرى التحديث التكنولوجى للعملية الزراعية كلها من الماء إلى البذور إلى الكفاءة الإنتاجية فى أشكالها المختلفة، لكن ذلك لا يُعفينا من حقيقة أن أكثر من ٦ ملايين من الأفدنة الزراعية داخل وادى النيل فى الدلتا والصعيد لم تعد تقدم ما تحتاجه مصر من غذاء، ولا تسهم بالكثير فى الإنتاج الزراعى.

المُلاحَظ أن ما يجرى على الزراعة يجرى أيضًا على مجالات أخرى كثيرة فى الدولة المصرية، حيث تكبل عمليات التطور والتقدم والمساهمة فى الدخل القومى قوانين وأوضاع باتت نتائجها سلبية على المسيرة الوطنية.

وبصراحة أصبحت مصر فى حاجة إلى «ثورة على الثورة»، وهو الشعار الذى طرحه «ريجيس دوبريه»، المفكر الفرنسى فى مطلع ثمانينيات القرن الماضى، حيث طرح ضرورة مراجعة الثورات الغربية السابقة متأثرًا بثورات العالم الثالث، خاصة فى أمريكا الجنوبية، بما فيها تلك الثورات المسلحة التى تزعمها كاسترو وتشى جيفارا. الوضع الآن يستدعى شكلًا جديدًا من الثورات التى تعنى بالمراجعة الشجاعة والتغيير الجذرى لأوضاع ربما كانت ثورية فى زمانها، لكنها الآن أصبحت «رجعية» بمعنى أنها لم تعد تسهم فى بناء مستقبل أكثر تقدمًا.

المناقشات التى جرت فى مجلس الشيوخ حملت مقارنات بَنّاءة يمكن الاستفادة منها فى الإنتاج والتصدير الزراعى فى المغرب الشقيق على سبيل المثال، وتجارب أخرى فى التصنيع الزراعى، وثالثة فى نوعيات معينة من المحاصيل من حيث عائدها التصديرى مثل الزيتون.

لكن ما يبدو أنه القاسم الأعظم بين كل دروس التقدم هو أن الانطلاقة الكبرى فى المجال الزراعى، كما هو الحال فى مجالات أخرى فى الصناعة والخدمات، تقوم على أساس الاستخدام الرأسمالى واسع النطاق، حيث يكون بمقدورها استخدام أكثر التطبيقات التكنولوجية تقدمًا.

الصيحة المعاكسة تأتى من الحاجة لاستخدامات «كثيفة العمالة» فى العمليات الإنتاجية المختلفة، لكن التحدى هنا هو أنها لا تنفع كثيرًا فى السباق الضارى حاليًا فى الساحة العالمية، كما أنها لا تكفى أكثر من إدارة الفقر فى حين أن إدارة الثروة تكون من نصيب دول أخرى!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثورة على الثورة ثورة على الثورة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 05:27 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة
 صوت الإمارات - أزياء ومجوهرات توت عنخ آمون الأيقونية تلهم صناع الموضة

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة
 صوت الإمارات - الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"

GMT 01:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كلوب يكشف السبب الرئيسي لسقوط ليفربول أمام ساوثهامبتون

GMT 12:49 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يوضِّح تعرّضه للأذى في برشلونة سبب خروجه عن صمته
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates