حقد ليفي على إرنو

حقد ليفي على إرنو

حقد ليفي على إرنو

 صوت الإمارات -

حقد ليفي على إرنو

بقلم - سوسن الأبطح

«لا أستطيع تخيل كاتب آخر لديه الجرأة، اليوم، ليستحق نوبل، أكثر من سلمان رشدي. لقد بدأت الحملة». كتب برنار هنري ليفي هذه العبارات في أغسطس (آب) الماضي في «صحيفة الأحد» الفرنسية، وأطلق بكل ما أوتي من سلطة أعماله الترويجية والتشبيكية التي يجيدها بحرفية، لإيصال صديقه لأرفع جائزة أدبية في العالم. ضرب ليفي في حملته الخبيثة هذه أكثر من عصفورين بحجر واحد؛ من ناحية دعم رشدي بإشاعة خبر فوزه، ومن جهة أخرى سعى جهده لمنع الجائزة عن مواطنته آني إرنو، بعد تداول اسمها. لكن إرنو نالتها رغم أنفه، وأشعلت في صدره ناراً لن تهدأ قبل أن يثأر منها ويشوه صورتها، وهو ما يواظب عليه منذ فوزها.
ليفي ليس وحيداً في مهاجمة إرنو، معه جيش من المجندين يقذفونها بالموبقات. فهي بالنسبة لهم «عنصرية»، «معادية للسامية»، مصابة بـ«هيستيريا نسوية»، «مهووسة بالتمييز العرقي». ومن بين هؤلاء هوبير بخارى صاحب مكتبة «زهرة يافا» في باريس، والاسم يدل على هوى صاحبها وانتمائه. علّق الرجل يافطة على واجهة مكتبته تقول: «لا تضيع وقتك بسؤالي عن كتب آني إرنو، فـأنا لا أبيع كتباً لعملاء ومعادين للسامية...». ويصف بخارى الأديبة بأنها «مريضة» ومتنكرة خلف «معاداة الصهيونية» بـ«كره السامية» وبأنها «كاذبة» في ادعائها بأن إسرائيل تمارس «الفصل العنصري».
إرنو مواقفها واضحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، عارضت التعاون الثقافي بين فرنسا وإسرائيل عام 2018، واعتبرته وصمة عار، وهي مع مقاطعة إسرائيل بسبب سياساتها العنصرية، ووقعت أكثر من بيان مع مثقفين فرنسيين، لدعم وجهة نظرها. وهو ما لن تسامح عليه إرنو الماضية في رفضها المساواة بين الضحية والجلاد.
فلسطين ليست هوس إرنو، كما يريد أن يصورها أعداؤها، ولا قضيتها الكبرى التي تحمل لواءها، وإنما تأتي في سياق رغبتها في قول كلمة حق، دفاعاً عمن لا يملكون ترف استخدام الكلمة. كل الشتائم صالحة، لتبخيس الأديبة التي جنّدت قلمها منذ كتابها الأول «خزائن فارغة» لإبراز محنة الضعفاء والفقراء والأميين، في مجتمع لا يلقي بالاً إلا لأصحاب السطوة. إرنو ليست يسارية أيديولوجية بقدر ما هي حاملة رسالة؛ لأن «الأدب ليس محايداً، ولم يكن يوماً كذلك. الأدب له وظيفة لمن يقرأه ولمن لا يقرأه أيضاً». فهي تعوّل على أحاديثها الصحافية، وما تبثه من أفكار في مقابلاتها، وسعيدة بأن نصوصها تدرس للطلاب.
كل كتابات إرنو مبعثها نوع من «الثأر الطبقي» كما تقول نفسها. فقد ولدت بعد وفاة شقيقة لها بمرض «الدفتيريا». هذا الموت الذي بقي يزنّ في حياتها. من عائلة رقيقة الحال، وبيئة زراعية، جدها أميّ، ووالداها اضطرا لترك المدرسة باكراً، وعاشا بفضل دكان للبقالة، ومقهى صغير بعد ذلك، واعتبرا شهادتها التعليمية انعتاقاً لها من سجن اجتماعي يصعب تجاوزه.
إرنو، إذن التي تغذت أدباً ورضعت نصوصاً، صارت الناطقة باسم أسرتها ومن يشبهها، تكتب قصصهم، تحكي رواياتهم التي هي حكايات عمرها. لهذا لم تُعنِها الأفكار الخيالية الفنتازية، ولا تتدفق إلى رأسها الأفكار حين تسافر بعيداً عن بيئتها البكر.
حين وصفتها لجنة جائزة «نوبل» بأنها «تميزت بشجاعة ودقة في اكتشاف الجذور والابتعاد عن القيود الجماعية للذاكرة الشخصية»، ردت بأن لفظة «شجاعة» ليست من مفرداتها، ولا شجاعة في عمل كاتب يجلس وراء الطاولة ليسجل ما يخطر له. الشجعان هم الموجودون في الساحات ويواجهون المخاطر ببذل أغلى ما يملكون. أما هي فتشعر بأنها باتت تتحمل «مسؤولية كبيرة» في شهادتها الروائية من أجل التعريف بعوالم «النساء المتألمات»، «الطبقة الرقيقة الحال»، «الأميون»، من ابتلاهم «ألزهايمر» كما والدتها، أو «سرطان الثدي»، «الإجهاض»، «رواد السوبر ماركت»، حيث تلتقي في منطقتها «سيرجي» وجوهاً من أصول مختلفة. لا كلام كثيراً يتبادله هؤلاء، لكن القرب الجسدي، التلاقي التسامحي، يعبر عن قبول يعيشه الناس مع بعضهم البعض. «لا أكتب الحميمية للحميمة، ولم أكتب يوماً لأحصل على نوبل، وإنما بحثاً عن العدل، ولأقول إن ثمة من يعيش في الحاجة ويعاني من النقص».
هكذا كتبت إرنو يومياتها ببلاغة مثيرة، وبساطة مغرية. كتبها تشبهها في هدوئها وانسيابيتها. بقدر ما تكتب نفسها، يحبها القراء، وخاصة الجيل الشاب، تماماً كما أحبتها لجنة جائزة «نوبل»، لا لأنها تدافع عن الفلسطينيين، بل لأنها جعلت من الكتب عالماً موازياً لعالمها الواقعي، مرآة له من دون أن تتعبنا بتفاصيلها المملة واهتماماتها المضجرة.
عندما أطلق ليفي حملته ذات الوجهين للدفع بسلمان رشدي إلى الواجهة، ومنع إرنو من الوصول، تبعه كتّاب عرب عن دراية، أو غالباً من دون علم بخلفياته المريبة. وهو من صنف لا يتحرك بلا باعث عقائدي، فدوره المشبوه في الثورات العربية لا يزال غامضاً، لكن المعروف أنه كان موجوداً في كل مكان اشتعلت فيه فتنة، من جنوب السودان إلى البوسنة، وليبيا وسوريا وحتى أوكرانيا. لم نعد نعرف إن كان ليفي مراسلاً صحافياً، هكذا بدأ حياته في بنغلاديش، أم كاتباً ومفكراً أم فيلسوفاً كبيراً من أهم قادة حركة الفلسفة الجديدة، أم محرضاً ومنظّراً للخراب؛ لكثرة تحركاته وادعاءاته. جلّ ما نعرفه أن هذه السيدة الدمثة الرقيقة، التي كتبت بصدق يثير الشهية للقراءة، دون ادعاء ولا فلسفة، فازت بعد خمسين سنة من الجهاد الصابر، تضميد جراح عائلية تمتد إلى أجدادها. وهي بهم فكرت حين أبلغت بالجائزة، وبعيونهم تتمنى أن تكون قد أدت مهمتها. وبما أن ليفي مصرّ على تسييس أدبها، فكلمتها عند تسلم الجائزة لن تكون رمادية، بل واضحة الألوان جلية في التزامها وصرامتها.
ومبروك لإرنو...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حقد ليفي على إرنو حقد ليفي على إرنو



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates