الحروب الدينية مستوردة

الحروب الدينية مستوردة؟

الحروب الدينية مستوردة؟

 صوت الإمارات -

الحروب الدينية مستوردة

بقلم - سوسن الأبطح

 

لعب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كي يبقى في الحكم لما يقارب عشرين سنة، على كل الأوتار، وأهمها الوتر الديني، ولا يزال، وهي على ما يبدو لعبة رابحة له ومُغرية.

استطلاع أخير للرأي بيَّن أن نتنياهو يحصل حزبه على الأكثرية في الكنيست لو أُجريت الانتخابات اليوم، بينما يبقى فوز حزب وزيره للأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير محفوفاً بالمخاطر، أما العنصري الآخر، وزير المالية سموتريتش، فهذا لا يدخل الكنيست أصلاً. هؤلاء برغم أنهم يرون في الفلسطينيين صنفاً أقل منهم، ويُشبّهونهم بالأعشاب الضارّة والثعابين، فإن الإسرائيليين برغم كل خساراتهم من الجنود، ونزفهم الاقتصادي والديموغرافي في عهد نتنياهو، لا يزالون يرون في عناده رمزاً للقوة والثبات، وهذا يؤشر إلى مزاج لا يعبأ بالأخلاقيات ولا المبادئ بقدر ما يعنيه ترهيب الآخرين وتركيعهم، كوسيلة للبقاء.

علماً أن نتنياهو متهَم بخرق الثقة والاحتيال وقبول الرشاوى أمام المحاكم الإسرائيلية، وبانتظاره مذكرة اعتقال من محكمة الجنايات الدولية، وتلك سابقة لدولة تَعدّ نفسها نموذجاً ديمقراطياً.

لكن نتنياهو لا يزال يتسلّق الأقلية الدينية، ويعمل على تنميتها، ويُكمل الطريق، برغم أن الليكود حزب علماني، وهو بوصفه سياسياً، لا يعبأ بالدين، بل بالسلطة، وبعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 أكثرَ الرجل من الاستشهادات الدينية لتجييش المشاعر، فاقتبس من سفر «التثنية» وهو يخاطب جمهوره قائلاً لهم: «يجب أن تتذكّروا ما فعله عماليقُ بكم، كما يقول لنا كتابنا المقدّس، ونحن نتذكّر ذلك بالفعل»، والعماليق رمز في العهد القديم لمن ساقوا حرباً ضد اليهود ظلماً. وعلى أي حال، لا يترك الرجل مناسبة إلا ويُحيل فيها إلى مقولات دينية، منها الحديث عن «أبدية إسرائيل»، وعودته إلى نبوءة إشعياء مستشهداً: «لَنْ يُسمَعَ الظُّلمُ فِي أرْضِكِ فِيمَا بَعْدُ، وَلَنْ يَكُونَ هُنَاكَ خَرَابٌ وَدَمَار ضمنَ حدُودِكِ، سَتُسَمِّينَ أسوَارَكِ خلَاصاً، وَبَوابَاتِكِ تَسْبِيحاً».

وبالنتيجة، فإن كل كلام عن حلّ سلمي بات بالنسبة إلى نتنياهو وحلفائه، يُعدّ تعدّياً على الوعد الإلهي، فغزة وعدَهم الله بها، وكذلك الضفة ولبنان وسوريا والأردن، ولا بأس بأراضٍ أخرى إن استطاعوا.

وخطورة هذا التيار، ليس في العدد، بل في النفوذ والسطوة والتحكم. نشرت وسائل إعلام إسرائيلية أن المتدينين باتوا يشكّلون نسبة كبيرة من المنخرطين في الخدمة العسكرية، وأن 60 في المائة من الذين قُتلوا في حرب لبنان خلال شهر أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، هم من أتباع الصهيونية الدينية، ومن مستوطني الضفة الغربية بالتحديد، وهو ما يفسّر دموع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، على الكُثُر الذين سقطوا في المعارك الأخيرة من أصدقائه، فهؤلاء زاده ووقوده.

بدأ التحول الفعلي بعد 1973، وإنشاء حركة «جوش إيمونيم» التي غايتها الاستيلاء على المنطقة الواقعة بين نهر الأردن والبحر المتوسط، عبر إنشاء تجمّعات استيطانية، وتدريجياً تمكّنت هذه الحركة ومثيلاتها من قضم الأفكار العلمانية، ليس في إسرائيل وحدها، بل عند الفلسطينيين أيضاً، من خلال تقوية التيار الديني، والسماح بتمويله ودعمه.

ويدقّ المؤرخ المتخصص في الحروب الدينية الأوروبية إيلي بارنافي، في سيرته الذاتية التي صدرت قبل عامين، ناقوس الخطر، محذّراً من مَغبّة هذه التيارات وصداماتها العنيفة. والباحث كان سفيراً لإسرائيل في فرنسا، ويعرف جيداً التاريخ الأوروبي الدموي، وينبّه إلى أن ما يحدث في إسرائيل هو نقل للحروب الدينية التي شهدتها أوروبا طوال القرنين السادس عشر والسابع عشر، ودارت بين الكاثوليك والبروتستانت ومؤيديهم الإقليميين إلى منطقة الشرق الأوسط. في أوروبا لم يتغير الوضع إلا بعد معاهدة سلام مزدوجة وضعت حداً لكل من حرب الثلاثين عاماً في الإمبراطورية الرومانية المقدسة، وحرب الثمانين عاماً بين إسبانيا والجمهورية الهولندية، ولم تُدفَن هذه الحروب كلياً إلا بعد الحرب العالمية الثانية.

والخطر ليس على من تُرتكب بهم الجرائم فقط، بل على مرتكبيها كذلك، فقد شرح المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه «أن من حسنات السابع من أكتوبر بالنسبة إلى إسرائيل أنه أخّر الانفجار الداخلي لمجتمع متصدّع ومتآكل، حيث وجد الجميع أنفسهم بحاجة إلى التضامن».

لكن باحثاً يهودياً آخر كان صهيونياً عاش في إسرائيل، هو جيرار حداد، وهو سيكولوجي معروف، أصدر قبل أيام كتاباً غاضباً بالفرنسية حول الانحدار الإسرائيلي، سمّاه «أركيولوجيا الصهيوينة»، شرح فيه أن فكرة «الإبادة» برُمّتها لم تعرفها المنطقة العربية، وقد استُورِدت مع إسرائيل من الغرب الذي مارسها على اليهود طويلاً، وممارسة الإبادة إرث بيزنطي قديم، لا علاقة للعرب به، لكنهم للأسف يتحمّلون تبعات استيراده.

فالمنحى الديني المتصاعد خطر على الجميع، والأمل الوحيد هو إخراج القضية الفلسطينية من هذه القوقعة المميتة، إلى أفقها الإنساني الكبير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحروب الدينية مستوردة الحروب الدينية مستوردة



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates