محنة «تلغرام»

محنة «تلغرام»

محنة «تلغرام»

 صوت الإمارات -

محنة «تلغرام»

بقلم - سوسن الأبطح

إيلون ماسك بكل سطوته يشكو من تكميم الأفواه في الغرب بعد اعتقال صاحب «تلغرام»، ويعتقد «أنه بحلول عام 2030 قد يتم إعدامك في أوروبا لمجرد إعجابك بصورة ساخرة»، مع علمه أن أميركا ليست أفضل حالاً.

أن يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إن توقيف بافيل دوروف صاحب التطبيق الشهير، لا سبب سياسياً له، يجعلنا نتأكد من أن ما يُثار حول الاعتقال المباغت لهذا العبقري الروسي هو في جزء منه صحيح. صحيفة «لوكانار أنشينيه» الفرنسية تحدثت عن دعوة لدوروف على العشاء من ماكرون، وما أن هبطت طائرته قادمة من أذربيجان حتى تم اعتقاله. إن صح الخبر، فهذه خديعة رسمية كبرى لمواطن روسي يحمل الجنسيتين الفرنسية والإماراتية. لكن دوروف يبقى روسياً إلى يوم الدين، وإلا لوجدناه مدلّلاً معظّماً كما زميله زوكربيرغ صاحب «فيسبوك» الذي غالباً ما يقارن بينهما.

لكن دوروف، وهو محقّ، يعدّ تطبيقه سابقاً كل تطبيقات المحادثة الأخرى بسبع سنوات على الأقل، وأنهم نسخوا عنه فكرة المجموعات والقنوات، فجاءت مشوّهة ينقصها الإتقان وتعوزها الأمانة في الحفاظ على المعلومات.

يؤكد هذا المخترع الذي وضع تطبيقه الأول وهو في الحادية والعشرين، وفضّل أن يتخلى عنه، ويغادر روسيا، على أن يكشف بيانات مشتركيه، أنه لا يزال يرفض تسليم خصوصيات مستخدميه لأي جهة، ويصرّ على أن يكون «تلغرام» ملكه وحده، ولا سلطة لأي مساهمين عليه، وهو يقاوم ضغوط حكومات شتى، لذلك يحاولون اختراق أجهزته، وتجنيد مهندسيه كي يفتحوا ثغرات سرّية يمكن التسلّل منها. هذا يمارسه الأميركيون وغيرهم، الضغط الأكبر يأتيه من شركتي «أبل» و«غوغل»، كل منهما بمقدورها حذف تطبيقه بالكامل من متجرها إن لم يخضع لشروطها، شروط أخلاقية مثل حماية الأطفال، ومكافحة الجريمة، لكنها عند التطبيق تأخذ منحًى آخر، لتصبح التنازلات حتمية؛ كي يُسمح له بالاستمرار.

ليست حياة هذا الروسي، ابن الأستاذ الجامعي الذي آمن بالليبرالية والحرية الغربيَّين، وترك بلاده من أجلها، بالسهلة ولا السلسة، فهو قابض على كنز من البيانات يحميها من عيون المتلصّصين، إلا حين يقتنع بأن المعلومات التي يكشف عنها تُسهم في خدمة صالح ما.

تعرّض لابتزازات، مُورِست عليه أنواع قميئة من الحيل، بعد غزوة «الكابيتول» هدّده الديمقراطيون بأنه يخالف القانون إن لم يكشف بيانات المهاجمين، وأعلمه الجمهوريون بأنه ينتهك الدستور الأميركي إذا لم يعطهم ما يحتاجونه، فتجاهل الطلبَين. قرّر تجنّب السفر إلى دول عديدة، منها أميركا وروسيا والصين؛ لتخفيف الضغط.

حقاً، ما الفخ الذي نُصب لدوروف كي يسافر إلى فرنسا؟ هل قصة العشاء صحيحة؟ قد تكون بيانات «تلغرام» أساسية لأميركا في إدارة الحرب الأوكرانية - الروسية؟ وليس بعيداً أن دوروف الذي يبدو روسياً يتيماً في غابة اللئام، مطلوب إخضاعه لإرضاء الموساد، خصوصاً أن منصته هي آخر ما تبقّى لمجموعات «حماس»، بعد أن حُذِفت من كل منصة.

تكاثر الذباب حول وليمة دوروف الدسمة، الذي لجأ إلى دبي بحثاً عن الأمان والحياد، رفض المقابلات الإعلامية لما يزيد على سبع سنوات، إلى أن ظهر قبل أشهر مع المحاور والكاتب السياسي الأميركي تاكر كارلسون، مؤكداً أنه يعمل بتركيز كبير، ويستعين بعدد قليل جداً من الموظفين، ويقوم بغالبية الأعباء بنفسه، مما فتح الشهية على اتهامه بالاستهتار، بسبب فريقه المحدود. لكن دوروف أعاد الفضل في الحماية العالية التي يوفرها تطبيقه، وتميّزه في استقبال مجموعات بأعداد هائلة من الناس، وتقديم أفضل الخدمات، بفضل شقيقه نيكولاي الذي له موهبة استثنائية في الرياضيات وابتكار البرامج.

هذا كله لم يمنع اتهامه بإفساح تطبيقه لتجار المخدرات والإرهابيين، وغسيل الأموال، مما يعرضه للسجن عشرين عاماً.

ما يعيشه الملياردير الروسي المطارَد يثير الفضول حول طبيعة التنازلات التي يقدّمها زملاؤه من أصحاب المنصات التي قبضت على بياناتنا، ليُسمَح لها بارتكاب أكبر الموبقات؛ من بيع بيانات إلى حذف مواد سياسية، إلى اعتداء على الأطفال، والسماح لجهات أجنبية بالتدخل في الانتخابات الأميركية. جرائم فعلية، لكن جُلّ ما يتعرض له أصحابها هو الاستماع لهم في الكونغرس، هنا يقدَّم دوروف كبش محرقة لإفهام الآخرين بحدود سلطتهم، وما يمكن أن يصيبهم، لو تردّدوا في الخضوع الكامل.

والحالة الخطيرة هذه، يفتح إيلون ماسك النار على زوكربيرغ المَحميّ من مصير دوروف؛ لأنّه «يفرض رقابة على حرية التعبير، ويمنح سلطات الدول الأخرى إمكانية الوصول إلى البيانات عبر الباب الخلفي».

ليس بوتين هو من اعتقل دوروف، بل بلد غربي، لهذا يعلّق الصحافي تاكر كارلسون حزيناً من «الظلام الذي يحلّ بسرعة على عالم كان في السابق حراً».

هل نحن أمام جوليان أسانج جديد سيقبع في السجن لسنوات؟ أم سيتنازل المواطن الروسي أمام التهديدات، ينجو بجلده، ويرسل الآخرين إلى المشنقة. هذا ما لن نعرفه إلا بمرور الوقت.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محنة «تلغرام» محنة «تلغرام»



GMT 21:52 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

GMT 21:51 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

نموذج ماكينلي

GMT 21:51 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!

GMT 21:49 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 21:48 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 21:48 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

اللبنانيون واستقبال الجديد

GMT 21:47 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

لا لتعريب الطب

GMT 21:46 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 02:38 2015 الجمعة ,02 كانون الثاني / يناير

باكستان من بين أسوأ عشر دول من حيث حرية "الإنترنت"

GMT 19:35 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مطعم سياحي مفتوح للجمهور في أحد سجون لندن

GMT 09:53 2018 الأحد ,05 آب / أغسطس

ترجمة وتعريب 1000 درس في "تحدي الترجمة"

GMT 18:11 2015 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

طقس الأردن لطيف الأربعاء وغائم الخميس والجمعة

GMT 06:01 2015 الإثنين ,19 كانون الثاني / يناير

الهند تبني منشآت للطاقة الشمسية فوق القنوات للاقتصاد

GMT 18:53 2016 الإثنين ,11 إبريل / نيسان

تسريب أول صورة لهاتف "نوكيا" بنظام أندرويد

GMT 23:29 2014 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "واتساب" تطرح إصدارًا جديدًا بميزات إضافية جديدة

GMT 19:25 2018 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

سيدة تخون شقيقتها مع زوجها في منطقة سيدي إيفني

GMT 00:31 2014 السبت ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"رمان" للتطبيقات تطلق تطبيق "أنت وطفلك - فاين بيبي"

GMT 17:51 2015 الجمعة ,24 تموز / يوليو

معرض تراثي فلسطيني في أسواق بيروت القديمة

GMT 12:14 2017 الأربعاء ,26 تموز / يوليو

تطوير ملصق يعلن عن الاعتداء الجنسي وقت حدوثه

GMT 03:55 2017 الأحد ,15 كانون الثاني / يناير

صفاء حجازي تنعي وفاة الراحلة كريمة مختار " ماما نونة"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates