لبنان يتنفّس

لبنان يتنفّس

لبنان يتنفّس

 صوت الإمارات -

لبنان يتنفّس

بقلم - سوسن الأبطح

أخيراً هبّت نسمات الأكسجين على لبنان. صيف عامر عادت فيه المهرجانات، ولو بنسخ محلية ومختصرة، لكنها حافظت على مستوى رفيع، تنحني له الهامات. عاد المغتربون بعشرات الآلاف لرؤية ذويهم، وكانوا في الصيف الماضي يتسابقون على الرحيل في أول طائرة مغادرة، هرباً من الجحيم. في الموسم الحالي، لا أماكن شاغرة على الطائرات القادمة إلى بيروت. حلّقت أسعار التذاكر حدّ حرمان البعض من إجازاتهم. يتجاوز عدد الواصلين يومياً 18 ألفاً، وثمة مطالبة بزيادة عدد الرحلات لتلبية الرغبات المتزايدة. غالبية من المغتربين، لكن سياحاً من العراق، ومصر، والأردن، حتى فلسطين، يصلون أيضاً، وثمة أوروبيون ليسوا بقلة، وقريباً ينتظر وصول اليابانيين. ملايين المغتربين، ولا سيما الشبان الصغار الذين يملؤهم الحنين لبلدهم، تحولوا إلى سفراء، يجلبون معهم، في كل مرة أصدقاء جدداً.
الفنادق والمنتجعات محجوزة بالكامل أو أشبه، فالحجز المسبق بات إلزامياً، بعد موت سريري طويل. المشروعات السياحية تنمو كالفطر خاصة في القرى والبلدات، فيما المطاعم تتكاثر وتعود لتتنامى في بيروت، كأن الانهيار لم يمرّ من هنا. يتعايش كل هذا مع أزمات كهرباء وماء وخبز ودواء، واللائحة تطول. هذا لا يمكن أن يمنع الملايين من زيارة عائلاتهم. ثمة لكل مشكلة حلّ في لبنان، حين يتوفر المال.
المتوقع أن يصل أكثر من مليون شخص خلال 3 أشهر، وينفقون ما يقارب 3 مليارات دولار، وهم قد يدفعون أكثر، بعد أن ارتفعت الأسعار، وجنّت، وصارت عبئاً صخرياً على صدور المقيمين، لكنها لا تزال، مع ذلك، نعمة على الوافدين.
حملة «أهلاً بهالطلة» لوزير السياحة وليد نصّار، جاءت في وقتها، تزامنت مع خفوت إجراءات «كورونا»، وبعد انفراجة عيد الأضحى. وقتها تفاجأ اللبنانيون بإعلانات ترويجية تنبئ بحفلات فنية، كانت قد غابت طويلاً. حفلات لكاظم الساهر ويارا وملحم زين و«أدرياتيك».
لكن المسرح لم يتوقف أصلاً، استراح قليلاً بعد هول انفجار المرفأ، وتحطم عدد من المسارح. إنما هذا الصيف وعلى غير العادة، استمرت حركة المسارح، وكأننا في موسم الشتاء. أعمال تتزاحم على الخشبات، «الستاند أب كوميدي» يدخل الساحة بقوة، بروحه الشبابية الساخرة. «الصندوق العربي للثقافة والفنون» ينظم حفلاً ضخماً لفناني الراب من مختلف الدول العربية، يحضره آلاف الشبّان. وملكة جمال لبنان، بعد توقف، سيعاد انتخابها من جديد. كما يستبدل بمعرض الكتاب الفرانكفوني المعتاد مهرجان ثقافي ينظم بعد الصيف، حيث يلتقي في بيروت نجوم في الأدب الفرنسي. الحيوية المنبجسة من قلب ركام، هي بفعل حرارة الناس، ورفضهم للموت، ورغبتهم الجامحة في عيش يرتقي على حاجاتهم الحيوانية الأولى. كل يحاول ما يستطيع. ها هو إيلي صعب يتمسك بمشغله في بيروت، رغم الضربة القاصمة التي تحملها إثر الانفجار الكبير، مثله زهير مراد الذي خسر كل شيء تقريباً، بما يشجع فعلاً على الرحيل، لكن ها هو هنا، صامد ومستمر، ويعرض هذه الأيام في باريس واحدة من أجمل مجموعاته المستوحاة من النجوم والحظ والفلك، وتختار جينيفر لوبيز فستاناً من تصميمه لزفافها.
من قال إن المحن لا تشحذ الهمم؟ يتعالى اللبنانيون على الجراح، يعاودون شدّ أزر بعضهم بعضاً. ها هو ميشال فاضل والـ«دي جي» المعروف دودج، ينظمان حفلاً ضخماً يقام على الواجهة البحرية لبيروت، يشارك فيه 200 فنان، يذهب ريعه لصالح عدد من الجمعيات الخيرية لدعم الأهالي. وتأتي جمعية مثل «ريبيرث بيروت» أو «الولادة الجديدة» وتقرر من ريع مبيعات أعمال فنية ولوحات تشكيلية، أن تضيء شوارع بيروت المظلمة، وتعيد الروح إلى إشارات المرور بعد أن تحولت إلى مجرد أعمدة صماء. وكانت قبلها الجمعية قد زفتت نحو 1000 حفرة ضمن حملة «زفت جورة». وتغني ميريام فارس في ضهور الشوير من أجل نجدة أطفال مرضى السرطان، وقد بات الاستشفاء حكراً على الأغنياء، فيما يتبرع معين شريف بالذهاب إلى المطار لاستقبال المغتربين بالأغنيات والمواويل، ويتبرع الموسيقي والموزع وعازف البيانو الموهوب غي مانوكيان، بحفلين مجانيين، بدل واحد في بيت الدين، حين يعرف أن الحجوزات للقائه كانت كثيفة.
ليس قليلاً أن تقرر قبل أيام «دار كلوي» الفرنسية للأزياء الفاخرة التعاون مع ماركة «سارة باغز» اللبنانية، لتعيد تصميم حقيبتها الأيقونية «وودي نانو» مشغولة هذه المرة بقطب الكروشيه التي تحيكها نساء لبنانيات. سارة بيضون، التي أطلقت أعمالها، بالتعاون مع النساء السجينات، وأمّنت العمل والمدخول لمئات منهن طوال السنوات الماضية، وساعدتهن على الانخراط في المجتمع من جديد، توصل أعمال هؤلاء النسوة إلى أيدي أغنى نساء العالم. وها هي هبة طوجي التي كانت قبل سنوات نجمة المسرح الرحباني، تصبح اليوم بطلة في مسرحية «أحدب نوتردام»، وتقف على خشبة في «مركز لينكولن» العريق في نيويورك، يصفق لها الآلاف كل ليلة، فيما المسرحية القديرة حنان الحاج علي تتألق في «مهرجان أفينيون» الفرنسي.
ما يحدث جميل ومؤثر. لا نزال في قعر البئر، ولا يزال الخروج صعباً، ولن تحل المشكلة مليارات الدولارات التي يغدقها المغتربون بسخاء وطيب خاطر، ما دامت البنية السياسية التنظيمية للبلاد مهترئة على ما هي عليه. لا ينشغل اللبنانيون كثيراً، بأخبار تشكيل حكومة جديدة، يعرفون أنها لا تولد إلا بعملية قيصرية وتقسيمات غنائمية، ولا يهتمون بما تفعله القاضية غادة عون، بحثاً عن حاكم مصرف لبنان، في أروقة البنك المركزي. فواقع الحال يظهر بشكل بيّن أن هذا البلد، أبناؤه هم داؤه ودواؤه، في آن معاً، لهذا من استطاع منكم أن يرمي الوطن بوردة فليفعل!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان يتنفّس لبنان يتنفّس



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates