حوار بالنار

حوار بالنار

حوار بالنار

 صوت الإمارات -

حوار بالنار

بقلم - سوسن الأبطح

 

تحول مجلس الأمن، بسبب عجزه عن اتخاذ قرارات، إلى منتدى لإلقاء الخطابات وتبادل الاتهامات. هيئات الأمم المتحدة، أهينت حدّ الاغتيال في الحرب على غزة، ومسؤولوها يعاملون بوصفهم مارقين، ولك في «الأونروا» ومدارسها وموظفيها خير مثال. «مجلس حقوق الإنسان» بعد تقرير فرانشيسكا ألبانيز عن وحشية الجرائم الإسرائيلية في غزة، وضع في قفص الاتهام. «محكمة الجنايات الدولية» يطلق عليها النار بعد إصدارها مذكرة اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه غالانت، كما رُمي مدعيها العام كريم خان بالتحرش، ويخطط ترمب لفرض عقوبات عليه. قبل عام قابلت أميركا بالتهليل والترحيب مذكرة توقيف مشابهة أصدرتها المحكمة نفسها بحق الرئيس بوتين على خلفية حرب روسيا على أوكرانيا.

إنها حقاً لفوضى، وبناة النظام الدولي هم أنفسهم الذين يجهزون عليه، يفككونه قطعة بعد أخرى. بالنتيجة تتوالد صراعات من رحم بعضها، دون وجود أدوات دولية فاعلة، تسعف في حلّها أو تجتمع الأمم تحت سقفها.

غضب قيصر روسيا من أوكرانيا فابتلع القرم، ثم غضب أكثر فازدرد منطقة دونباس (دونيتسك ولوغانسك)، وربح أكثر من 50 ألف كيلومتر مربع، ثم شنّ حربه. جاء الرد صاعقاً. أرادت أميركا أن تقطّع أذرع روسيا وأرجلها، وتتركها كسيحة. شنت حرباً مالية شاملة، حطّمت خطوط الغاز مع أوروبا، أمد «الناتو» أوكرانيا، بكل ما استطاع من أسلحة، حتى فرغت مخازنه. وفي غزة كان بمقدور إسرائيل أن تشن حرباً، كما الحروب، وتنقذ أسراها، وتؤدب «حماس» لعشرين سنة مقبلة، لكنها اختارت الإبادة، والقضاء على كل مظاهر الحياة، ولم يتورع كبار وزراء إسرائيل عن إعلان رغبتهم في التهجير والاستيطان. كل يذهب في القوة إلى أقصاها وبجشعه إلى منتهاه. ثمة موت للدبلوماسية الحكيمة التي أولى وظائفها، إنقاذ الناس، وتحاشي الخراب. شيء من هذا لا يبدو مهماً بالنسبة لقادة اليوم، تحركهم شهوة السيطرة السريعة، والانقلابات المباغتة، وتغيير الخرائط بالأسلحة؛ حيث يصبح الالتزام بالعهود ضرب سذاجة، والغدر جزءاً من اللعبة.

يوم أعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان، توافقت عليه جميع الأطراف بمَن فيهم إسرائيل، لتجنب حرب كبيرة، نكث نتنياهو بوعده. وبدل أن يمهر الاتفاق بتوقيعه، أمر نتنياهو جنرالاته في 27 سبتمبر (أيلول) الفائت، باغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، وشن هجومه على لبنان، بعدها بثلاثة أيام، غير مكتفٍ باغتيال الصف الأول من قادة الحزب، وآلاف آخرين بتفجيرات «بيجر» و«ووكي توكي». وهو بعد حرب دمّر فيها ثلث لبنان على مدى شهرين، وقتل ما يزيد على 4 آلاف مدني، ومحا بلدات بأكملها، لا يزال يشعر بالعطش. اتفاق وقف إطلاق النار الجديد، لا يروق نتنياهو، ولا جنوده، الذين يتباكون على محطات التلفزة الإسرائيلية لأنه لم يدعهم «يكملون المهمة»، حسبما يقولون.

الجنون لا سقف يكبحه. في سوريا، تجربة استخدام التطرف سلاحاً يعاد توظيفها. المجموعات المسلحة التي أعيد تنشيطها في وجه سلطات دمشق، ليست خطراً على سوريا وحدها. لقد عاثت فساداً في مختلف دول المنطقة. ما يحدث في سوريا، ليس تحريراً من سلطات بل حمّام دم حين تصل حمى المعارك إلى مدن يقطنها الملايين. التبرؤ الغربي من إشعال الحروب، لا يقنع أحداً، بل هو نقص في المخيلة، وعجز عن اجتراح حلول، وتقاعس عن استخدام الفكر والحنكة، واستسهال استباحة كل شيء، بحجة أن الحرب هي هكذا، موت للمبادئ، وتغييب للضمير.

سياسة النار بلغت حدّ تهديد الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، الشرق الأوسط كله بدفع «ثمن باهظ» إن لم يُطلق سراح الأسرى الإسرائيليين، قبل تنصيبه في 20 يناير (كانون الثاني)، وتوعد بتوجيه «ضربات للمسؤولين أقوى من أي ضربة أخرى تعرض لها أي شخص في التاريخ الطويل والحافل للولايات المتحدة». علماً بأن كل الأسلحة على الإطلاق استخدمت، من التجويع، حتى القنابل التي تعمل على تبخير الأجساد، ولم يبقَ غير النووي.

عصي بلا جزر. انهيار مخيف في سلم القيم. قد لا تبقى الهستيريا محصورة في منطقتنا التي تهدر الدماء فيها، باستهتار استفزازي، بل تفتح الباب على مصراعيه لإسقاط الخطوط الحمراء أينما كانت، في غياب الحوارات الجادة، القائمة على الصبر والتنازلات والحلول الوسطى. القفز بسرعة صوب الحروب المدمرة لمجرد امتلاك القوة، هو وسيلة مجرمة، وقصيرة الرؤية. النار لا يمكن أن تُطفأ بالنار. نمر بمرحلة أشبه بسقوط جدار برلين. يومها، بفضل قادة عقلاء مثل غورباتشوف وميتران وتاتشر، وحتى جورج بوش الأب، الذي بتنا نترحم عليه، حصل التحول الهائل، انهارت حدود وأنظمة ورُسمت أخرى من دون حروب. تمكن هؤلاء بفضل وعيهم من فتح أفق جديد للبشرية. أمّا اليوم ومع سياسة المصارعة بالصواريخ وقصف الطائرات، والتهديد بالنووي، فتمتلئ السماء بالدخان الأسود وتتضرع الأرض وقد تخضبت بدماء الأبرياء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حوار بالنار حوار بالنار



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 00:23 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 08:23 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 20:55 2018 الخميس ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

وزير الهجرة الكندي يؤكد أن بلاده بحاجة ماسة للمهاجرين

GMT 08:24 2016 الأحد ,28 شباط / فبراير

3 وجهات سياحيّة لملاقاة الدببة

GMT 03:37 2015 الإثنين ,08 حزيران / يونيو

عسر القراءة نتيجة سوء تواصل بين منطقتين في الدماغ

GMT 22:45 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

استمتع بتجربة مُميزة داخل فندق الثلج الكندي

GMT 02:49 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

ليال عبود تعلن عن مقاضاتها لأبو طلال وتلفزيون الجديد

GMT 04:52 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

"هيئة الكتاب" تحدد خطوط السرفيس المتجهة للمعرض

GMT 04:47 2018 الأربعاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

شادي يفوز بكأس بطولة الاتحاد لقفز الحواجز

GMT 18:39 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل الأماكن حول العالم للاستمتاع بشهر العسل

GMT 17:16 2018 الأربعاء ,17 تشرين الأول / أكتوبر

وعد البحري تؤكّد استعدادها لطرح 5 أغاني خليجية قريبًا

GMT 05:14 2018 الخميس ,04 تشرين الأول / أكتوبر

إيرباص A321neo تتأهب لتشغيل رحلات بعيدة المدى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates