عقدة من ورق

عقدة من ورق

عقدة من ورق

 صوت الإمارات -

عقدة من ورق

سوسن الأبطح
بقلم - سوسن الأبطح

ثمة علاقة بين شحّ كميات الورق عالمياً مع غلاء أسعارها، وتصاعد وتيرة النشر الإلكتروني على أنواعه. فهدف الصناعات في مأزقها الوجودي، هو تخفيض تكلفة الإنتاج ورفع هامش الربح، من مصانع السيارات إلى الملابس والأدوات المنزلية، وصولاً إلى دور الكتب التي ليست استثناء في شيء.
هذه النقلة، وإن بدت أنها تسير في سياقها الطبيعي، لن تحدث من دون عقبات، والكثير من الفوضى والضياع. تعتبر دور النشر العربية أنها بعد كل كتاب تنشره، تخوض سباقاً مع الزمن ضد القرصان، محاولة أن تبيع ما يعوض تكاليفها على الأقل، من العنوان الواحد، قبل أن يقدمه المقرصنون بالمجان على الشبكة، لمن يشتهي.
الحلّ لن تأتي به «أمازون» ولا «غوغل»، ولن يكون بالاستمرار في ماراثون عبثي مع اللصوص الافتراضيين، بل بالاجتهاد في جعل النسخة الإلكترونية لأي كتاب جديد، متاحة بالتزامن مع الصدور الورقي، بنوعية تنافسية، وأسعار ضئيلة تغري بالشراء.
إذ يحصل أن تشتري كتاباً إلكترونياً عربياً، وتدفع ثمنه، لتكتشف أن قراءته مستحيلة وتقليب صفحاته تُنفرك من الاستمرار في المتابعة.
وبينما نغرق في مناقشة قضايا الكتب الورقية وقرصنتها، يذهب النشر الإلكتروني العالمي بعيداً في الاجتهاد، وتلهث المحاكم، من دون أن تستطيع التقاط أنفاسها، للحاق به وحل تعقيدات الأوضاع المستجدة.
مَن صاحب حقوق الملكية الفكرية والمادية حين يكون نص الكتاب أو الفيلم قد تم إنجازه بمعونة برامج الذكاء الصناعي؟ قد يبدو السؤال سوريالياً، لكن سنرى عاجلاً، أنفسنا نستعين ببرامج جاهزة لنركّب أعمالنا، ولا نعرف ما نسبة حقوق المؤلف في هذه الحالة؟ الوضع أصعب مع كتب القصص المصورة التي قد تستعين بمخزون الصور الموجود على الإنترنت، وتكتفي بإجراء بعض التعديلات عليها لتمويهها واستعمالها. دعاوى كثيرة في المحاكم الأميركية، لحل هذه النزاعات؛ إذ حين يتدخل الذكاء الصناعي في مرحلة من الإبداع الفني، نسأل حينها: مَن أصحاب الحقوق: هل هم مبتكرو البيانات التي يستخدمها الذكاء الصناعي أم مصمم العمل النهائي؟ هل يجب أن نتوقف عند جهد مطور الخوارزميات، ونقدّر دوره، أم أن إفادتنا المجانية من جهد المطورين ليست استغلالاً؟ وجهات النظر متعددة، والقضاء الأوروبي، كما الأميركي، لا يزال يجتهد للعثور على إجابات شافية وعادلة.
فكم بات من السهل عمل كتاب للطبخ من دون أن تدخل مرة واحدة إلى المطبخ، أو تنشر مؤلفاً عن بلد لم تره في حياتك، وتوفرت لك حوله مادة إلكترونية وزيارات حية على يوتيوب، هذا عدا الرحالة الجوالين، الذين ينقلون أدق التفاصيل عن الأماكن التي يزورونها على وسائل التواصل.
كانت المسألة أسهل، قبل أن تزدحم المعلومات على الشبكة مسموعة ومرئية ومقروءة، وتصبح ترجمة المحتوى من أي لغة ممكنة بكبسة زر. قضية حقوق الحكومات على الكتب الإلكترونية حلّت عام 2015 من قِبل الاتحاد الأوروبي، بمجرد اعتماد ضريبة 20 في المائة على النسخة المبيعة. لكن حقوق الكاتب بقيت أقل وضوحاً. فكم نسخة يحق للناشر بيعها قبل العودة ثانية إلى المؤلف، على اعتبارها طبعة أولى. ومع ظهور سوق الكتب الإلكترونية المستعملة على الشبكة، كيف يمكن تقاسم حقوقها، ومع مَن؟
أثارت مكتبة «أرشيف الإنترنت» التي تأسست في سان فرانسيسكو، جملة من الإشكاليات، وأثارت نزاعات متعددة ومتشابكة. أخذت هذه المنظمة على عاتقها جمع نسخ مختارة من صفحات الإنترنت منذ ظهورها عام 1996، ووضعها في خدمة القارئ، الذي يتعرض لاستغفال شديد بسبب إخفاء المعلومات عنه، بطرق مواربة. المنصة تجمع برمجيات وكتباً وأفلاماً وتسجيلات صوتية ونصوصاً مكتوبة، ووثائق حكومية، كثير منها بات محجوباً أو مطوياً خلف السحب. ومع أن المنظمة عضو في رابطة المكتبات الأميركية ومعترف بها رسمياً من قبل الدولة، فإن نشاطها يخضع للشكاوى والدعاوى المستمرة، لأن المعلومات على المواقع، حتى المحترمة منها، قد تنشر لرفع العتب، ويتم تصعيب الوصول إليها، بجعلها مخفية، وليست في متناول الناس.
«مكتبة الديمقراطية» التي افتتحت على الشبكة الشهر الماضي، هي استكمال لمشروع «أرشيف الإنترنت»، نعثر في المكتبة على منشورات حكومية من جميع أنحاء العالم متاحة للباحثين والمواطنين من كل بلد، رغبة في تعزيز حق المواطنين في الوصول إلى المعلومات.
لكن لا الترخيص الرسمي ولا انخراط المنصة في العمل الوثيق مع الناشرين الأميركيين جنّبها المتاعب. دور نشر كبيرة هي اليوم في نزاع مع المنصة بحجة أنها تعير الكتب إلكترونياً بالمجان، وتتيحها للقراء، بلا إذن منهم.
«أرشيف الإنترنت» يحاول الترويج لما يسميه «الإعارة الإلكترونية»، متبعاً نظام المكتبات الكلاسيكية الورقية نفسه، أي أنه يعير نسخاً محدودة من الكتاب، لأشخاص معلومين، على أن يكون المؤلَّف صادراً قبل خمس سنوات. فلماذا يستشرس الناشرون ضد المنصة ونشاطاتها المتشعبة؟
فإضافة إلى دور النشر الشاكية والغاضبة، رفعت الجمعية الأميركية للناشرين ورابطة الناشرين، ومنظمات أرباب العمل الأميركية والبريطانية، الصوت ضد «أرشيف الإنترنت»، ومع هؤلاء يوجد مؤلفون وجمعيات لكتّاب، بينما دافعت قلة من الكتّاب عن المنصة واعتبروا الهجوم على مديري الأرشيف تنمراً وظلماً.
كل هذا الاستشراس يصعب تفسيره منطقياً. المرجح، أن بعض المشتغلين بالمهن الثقافية، يشعرون بأن تغيير عاداتهم، أشبه بعملية هزّ عروشهم وإسقاطهم من عليائهم، وهي أوهام ستنقلب إلى وقائع إن لم يستدرك المتعصبون للورق عمق المتغيرات وقوتها الجارفة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عقدة من ورق عقدة من ورق



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates