حول التجربة الكورية

حول التجربة الكورية

حول التجربة الكورية

 صوت الإمارات -

حول التجربة الكورية

بقلم : حسين شبكشي

تسعى دول عديدة ومختلفة حول العالم لتحقيق العوائد القصوى والمثالية من القوة الناعمة التي لديها، وهناك ولا شك نماذج متفاوتة من النجاحات والفشل في هذا المجال. إلا أن العالم حالياً يركز بإعجاب ومتابعة مكثفة لما حققته كوريا الجنوبية في نطاق قوتها الناعمة وبشكل لافت ومميز.
مصطلح القوة الناعمة، الذي يعود الفضل في تأسيسه وإطلاقه للبروفسور الأميركي المتخصص في عالم السياسة في جامعة هارفارد العريقة جوزيف ناي، تحول إلى أحد أهم الأهداف الاستراتيجية لكثير من الدول المختلفة حول العالم كجزء أصيل من منظومة تحسين الصورة ومضاعفة السمعة. في العقود الأخيرة اهتمت كوريا الجنوبية بالاستثمار الجدي والعريض في إنجازات تحقق لها «نقاطاً» في محصلة القوة الناعمة. فبعد سنوات طويلة كانت فيها كوريا الجنوبية قابعة في الظل الياباني تعاني من عقدة التفوق القديمة من شعب الساموراي ونجاحاتهم المتتالية في شتى المجالات، اتخذت اليابان كمثل أعلى وقدوة تقلدها وبالذات في عالم الأعمال.
فالمعروف أنه في اليابان توجد الشركات الكبرى التي تهيمن على الصناعة والتجارة والاقتصاد وتسمى «السوجاشوشا»، وقامت كوريا الجنوبية باستحداث نفس النموذج تقريباً الخاص بشركاتها الكبرى تحت اسم «الشيبول»، وباتت المنتجات الكورية تعرف أنها تقليد ونسخة أرخص بكثير من مثيلاتها اليابانية في مجال السيارات والأجهزة المنزلية والإلكترونيات. ولكن كوريا الجنوبية اهتمت أيضاً بتطوير وتحديث صناعة الإنتاج السينمائي والدرامي التلفزيوني والموسيقي وفتحت مجالات الاستثمار بقوة في تلك المجالات، وبدأت العاصمة الكورية سيول تكون سمعة قوية بأنها هوليوود الشرق الأقصى. وأصبحت ضربات النجاح تتوالى وبات الإقبال على الأعمال الكورية (رغم صعوبة اللغة ومحلية السردية) حتى كانت اللحظة البركانية كما يطلق عليها وذلك حينما حققت أغنية المغني الكوري «ساي» والمعروفة باسم «غانغام ستايل» نجاحاً أسطورياً حول العالم، وكانت الأغنية العالمية الأولى وقتها بلا منازع، وحطمت كافة أرقام الاستماع والمشاهدة القياسية.
وانفتحت شهية العالم وشبابه على موسيقى الكي بوب لفرق الصبية الشباب الكورية، والتي لها متابعة وقاعدة معجبين عريضة جداً حول العالم، وأصبح من المعتاد جداً مشاهدة لقطات المعجبين من حول العالم على منصات التواصل الاجتماعي وهم يرددون كلمات الأغاني الكورية من دون أن يفهموا معانيها. ومؤخراً ومنذ أكثر من سنتين بقليل تمكن فيلم كوري بعنوان «طفيلي» من اكتساح كافة جوائز السينما المهمة في بريطانيا والولايات المتحدة بما في ذلك جائزة الأوسكار لأفضل فيلم وأفضل مخرج.
واليوم يحتفل العالم بنجاح منقطع النظير لمنتج فني جديد من كوريا الجنوبية وهو مسلسل «لعبة الحبار»، المكون من ثمانية حلقات فقط على قناة نتفليكس للبث الرقمي والذي حقق أعلى نسبة نجاح ومشاهدة في تاريخ القناة. ولم تكتفِ كوريا الجنوبية بنجاحاتها في المجالات الفنية فحسب، ولكنها تحولت مع الوقت إلى مركز تميز استثنائي في المجال الصحي وأصبحت مراكزها الطبية التي تعمل في مختلف المجالات المعقدة مقصداً للراغبين في خدمة صحية منافسة كبديل عن الذي تقدمه الدول الغربية. ومع التميز والسمعة الجادة التي اكتسبتها منظومة التعليم في كوريا الجنوبية والتي أصبحت ضمن أهم خمس دول في العالم في هذا المجال بحسب الكثير من القوائم المهمة، أصبحت الجامعات الكورية مقصداً للطلاب من حول العالم. وزاد الاهتمام بكوريا الجنوبية وارتفعت معدلات السياحة إليها وأصبحت مقصداً للسياحة العلاجية وسياحة المدن وسياحة الشواطئ والمنتجعات الشتوية وسياحة العائلات، وزاد الاهتمام بالثقافة الكورية وبدأت دور النشر حول العالم في ترجمة أهم المؤلفات والروايات الكورية بنفس درجة الحماس التي انفتحت لها شهية العالم على منتجات المطبخ الكوري بمختلف أطباقه، بداية من مخلل الملفوف المعروف بالكيمشي وصولاً للباربيكيو الكوري.
التجربة الكورية في الاستغلال الأمثل لعوائد الاستثمار الذكي في قوتها الناعمة والذي مكنها من الخروج من تحت مظلة اليابان والتخلص من عقدتها التاريخية منها، ومنحها ثقة عظيمة في نفسها وحسن من صورتها حول العالم بأسره، هي تجربة تستحق أن تدرس وتحترم وأن تتم الاستفادة منها بشكل عملي. في فترة زمنية قصيرة جداً وقياسية للغاية تمكنت كوريا الجنوبية من الاستغلال الأمثل لقوتها الناعمة، وهو الذي حقق لها عوائد مجدية وفي غاية الأهمية لا تقل عن الذي حققته اقتصادياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حول التجربة الكورية حول التجربة الكورية



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates