بقلم : نديم قطيش
مَن قتل أرفع مسؤول عسكري في «حزب الله»، وأحد الآباء المؤسسين له، فؤاد شكر، في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، ثم شطب بعدها بساعات قليلة رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية في إيران، وهو في ضيافة الدولة، بعثَ برسالة محددة.
قادرون على الوصول إلى أرفع الأهداف في أي مكان وبحسب توقيتنا. هي رسالة لرأس النظام في إيران السيد علي خامنئي ورأس نظام الأمر الواقع في لبنان حسن نصر الله. وهي إعلان حاسم عن إسقاط كل الخطوط الحمراء في المواجهة البادئة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
وعليه، يبدو أن الوضع يتَّجه بشكل لا مفر منه نحو حرب مفتوحة بين إيران وإسرائيل، على الرغم من محاولات إيران الأولية لتجنب حرب شاملة، واستثمار قدرتها في حرب الاستنزاف وإشغال إسرائيل بمواجهة الأدوات في لبنان وفلسطين وسوريا واليمن والعراق.
يتبع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشكل تصاعدي، نهجاً أكثر عدوانية ضد إيران وميليشياتها على مختلف الجبهات، وكأنَّ عالم ما بعد 7 أكتوبر (تشرين الأول) هو غير ما قبله. الذين يفسرون الخيارات الإسرائيلية على أنها وليدة الحسابات السياسية الضيقة لنتنياهو، ورغبته في الاستمرار في الحكم لتفادي مواجهة القضاء، يتجاهلون أن إسرائيل تخوض بالفعل معركة وجود فرضتها عليها إيران. فنتنياهو يعمل وفق افتراض بسيط يفيد بأن ترتيبات التسوية مع «حزب الله» و«حماس»، سواء في لبنان أو غزة، لن تكون كافية لتوفير عودة النازحين الإسرائيليين من سكان الشمال أو الشرق. إن قدرة أعداء إسرائيل على تحقيق هذا الإنجاز تعني زرع بذور نهاية إسرائيل، إذا ما استمر الصراع وانتهت الجولة الحالية بهدنة تمهد لمواجهة مقبلة. هذا تماماً ما يدفع بإسرائيل إلى تبني سياسات أكثر عدوانية، يبدو وكأنها باتت تتمحور حول الدفع باتجاه مواجهة مع «رأس الأخطبوط»، لا مع أذرعه، حسب العبارة التي صاغها رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينيت.
عبر استهداف هنية وشكر تعلن إسرائيل أنها انتقلت، بلا مبالغة، إلى مستوى الاستعداد لتغيير النظام في إيران ولبنان، لا قواعد اللعبة وحسب، ما لم تتراجع إيران عن دعمها الجماعات المسلحة بطريقة يمكن التحقق منها. ويرى البعض في إسرائيل أن اللحظة الراهنة ملائمة لجر جميع الأطراف الدولية كلها إلى صراع شامل من شأنه أن يؤدي إلى إعادة ضبط استراتيجي في المنطقة، وفرض تغيير درامي على توازن القوى. وتنطوي هذه الاستراتيجية على قرار حاسم باستباق عبور إيران العتبة النووية التي أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أن إيران قادرة على تجاوزها، وإنتاج مواد انشطارية بهدف صنع قنبلة نووية «خلال أسبوع أو اثنين».
أمَّا على الجانب الإيراني، فيبدو أن الصبر الاستراتيجي بات يمعن في استنزاف هيبة النظام في طهران وسمعته. فمن الواضح أن الردود الإيرانية الشكلية، أكان الرد في الماضي القريب على اغتيال قاسم سليماني في العراق، أو الرد الأخير بعد ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق، لم تردع إسرائيل عن زيادة جرعات التجرؤ وضرب أهداف محرجة وفاضحة في عقر دار إيران.
ليس واضحاً تماماً ما إذا كانت طهران قد تخلت عن حذرها حيال تصعيد الصراع إلى حرب شاملة، وإن كان الأرجح أن النظام سيتجنب الحرب بالفعل، ويراهن على تغييرات سياسية دولية لصالحه، مثل فرصة فوز كامالا هاريس في الانتخابات الأميركية المقبلة، واحتمال أن تتبنى موقفاً أكثر تصالحية تجاه إيران.
فإيران ليست مستعجلة بالضرورة، وتبدو مقتنعة بأنها وضعت إسرائيل على طريق الفناء. تعكس تغريدة المرشد علي خامنئي التي ثبتها على حسابه على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) وقال فيها: «النظام الصهيوني انتهى»، اعتقاداً حقيقياً بأن الضغط التراكمي للصراع بالوكالة الذي تخوضه طهران، وما يفترضه المرشد من عزلة دولية تواجهها إسرائيل، والانشقاقات الداخلية والصراعات بين نتنياهو والمؤسسة العسكرية، سيؤدي جميعاً إلى سقوط إسرائيل.
مفارقة الموقف الإيراني، الذي يفضل حرب استنزاف وفق شروط طهران لا حرباً مفتوحة وفق شروط التفوق الإسرائيلي، ستدفع نتنياهو أكثر لاستعجال المعركة، مستفيداً من ضعف الموقف السياسي للولايات المتحدة في سنة انتخابية حساسة، وفي ظل بيت أبيض مستنزف. ليس تفصيلاً أن نتنياهو تجاهل إلى حد كبير كل الجهود الدبلوماسية التي تبذلها الولايات المتحدة لفرض حلول سياسية ودبلوماسية، مفضلاً على الدوام تصعيد العمل العسكري.
بصرف النظر عما تريده إيران وإسرائيل، يبدو أن العالم يسير نحو الحرب الإقليمية نائماً، في ظل رهانات قصوى للأطراف المنخرطة في المنازلة، وكأن الشرق الأوسط برمته يسير على حبل مشدود بين المخاطرة الجيوسياسية المحسوبة والحسابات الخاطئة والكارثية.