نظّارات محمد السادس ونظرات بورقيبة

نظّارات محمد السادس... ونظرات بورقيبة

نظّارات محمد السادس... ونظرات بورقيبة

 صوت الإمارات -

نظّارات محمد السادس ونظرات بورقيبة

بقلم : نديم قطيش

آخر ما تحتاج إليه تونس اليوم هو اتخاذ موقف غير مفهوم، من النزاع المغربي الجزائري حول ملف الصحراء، والتخلي عن خيار العقل والمصلحة الذي أسسه وأرساه الراحل الحبيب بورقيبة.
آخر الزوار فائدة لتونس، التي تصارع على جبهات الدستور والسياسة والاستقرار الاجتماعي والوطني والاقتصادي، هو إبراهيم غالي «زعيم جبهة البوليساريو»، للمشاركة في اجتماعات «ندوة طوكيو الدولية للتنمية في أفريقيا».
ما حصل بعد ذلك أقل من بديهي. استدعى المغرب سفيره في تونس للتشاور، علق مشاركته في أعمال القمة، واندلعت حرب بيانات، وأقحمت تونس في قضية باتت تعتبر في المغرب اليوم بمثابة «ما بعد الخط الأحمر». وهي، للمفارقة، قضية تحظى، بسبب كفاءة الدبلوماسية المغربية، بدعم وتأييد من مجموعة سياسية عربية وإقليمية ودولية، تشكّل أيضاً المجموعة نفسها التي تصطف إلى جانب تونس في معركتها لحماية وتمتين الدولة الوطنية في وجه كل المغامرين بمستقبلها وآخرهم تنظيم «الإخوان». فأين مصلحة تونس في «الاستقبال الرئاسي» للسيد غالي، وفي طي الإرث البورقيبي؟ فالجزائر نفسها تطمح إلى حل ما دون السقف الذي عبرت عنه الخطوة التونسية بكثير.
كان الرئيس الراحل ومؤسس تونس الحديثة، يوصي شعبه بصون علاقات البلاد بالمغرب ومصر، للموازنة العاقلة والهادئة مع علاقات تونس الحذرة بكل من الجزائر وليبيا. وكان الحياد، في ملف الصحراء، هو محور الموقف السياسي الحامي لعلاقات تونس بمحيطها، والمؤسس لسلامة مصالحها، في حقل ألغام الهويات والجغرافيا في شمال أفريقيا.
الأغرب من الخطوة التونسية، هو التوقيت السياسي بعد خطاب عاهل المغرب الملك محمد السادس، قبل أقل من أسبوعين، بمناسبة ذكرى «ثورة الملك والشعب». اختار ملك المغرب ذكرى تخلد النضال ضد الاستعمار الفرنسي، ليدعو شركاء بلاده الذين لا يؤيدون بوضوح موقف الرباط بشأن النزاع في الصحراء إلى «توضيح مواقفهم»، وأكد أن «ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات».
لا أحد يريد أن يصدق أن الاستقبال الرئاسي لغالي هو جواب تونس على معيار الصداقة والعلاقات الذي وضعه ملك المغرب، بعد أن انتزع عام 2020 اعترافاً أميركياً بسيادة المغرب على الصحراء ودعماً لمبادرة «الحكم الذاتي للصحراء» ضمن الوحدة الترابية للمغرب، وهو موقف انضمت إليه لاحقاً دول أخرى مثل إسبانيا وألمانيا.
وقد خصّ الملك في خطابه الأهم والأكثر وضوحاً، دولاً محددة بالشكر هي الأردن والبحرين والإمارات وجيبوتي وجزر القمر، التي فتحت قنصليات بالعيون (كبرى محافظات الصحراء) ومدينة الداخلة، كما شكر «الدول العربية التي أكدت باستمرار دعمها لمغربية الصحراء في مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي ومصر واليمن»، مشيراً إلى أن «40 في المائة من الدول الأفريقية تنتمي لخمس دول جهوية فتحت قنصليات في العيون والداخلة»، وكذلك دول من أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.
فكيف بعد هذه الخريطة السياسية التي رسمها خطاب ملك المغرب حول تطورات ملف الصحراء، يأتي المغرب ما أتاه من تونس... فالمغرب وقف إلى جانب تطلعات التونسيين، من دون قيد أو شرط، متعمداً بث إشارات التأييد والصداقة أبعد مما يمكن العثور عليه في أرشيف الدبلوماسية المغربية. فبعد انتخاب قيس سعيد رئيساً للجمهورية التونسية لم يكتفِ الملك محمد السادس بتوجيه رسالة إلى الرئيس سعيد، بل أوفد إلى حفل تنصيب الرئيس بقصر قرطاج وفداً يتكون من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين، آنذاك، الحبيب المالكي وحكيم بنشماش. بيد أن الأكثر لفتاً للنظر، والصامد في ذاكرة التونسيين، مشهد العاهل المغربي يلتقط في خلال زيارته إلى تونس عام 2014 الصور مع مواطنين تونسيين في شارع الحبيب بورقيبة. كانت تونس يومها مسيجة بالقلق على مستقبلها الذي يلوح في أفقه شبح الإرهاب، وكان الملك محمد السادس أول زعيم عربي يزور الجارة بعد أولى شرارات الربيع العربي، متعمداً تمديد الزيارة وتخصيص إقامته في تونس للترفيه والسياحة.
وخلال جائحة «كورونا» وإحدى طفراتها التي أصابت تونس، كان المغرب بين خطوط الدفاع الأولى، إذ أمر الملك بإرسال مساعدات طبية عاجلة عبر جسر جوي، بالإضافة إلى إنشاء مستشفى ميداني بمنطقة منوبة التونسية وعيادتي إنعاش بسعة 100 سرير.
ثمة من لا يزال يعاند التاريخ والجغرافيا، ويرفض الإقرار بواقع أن المغرب وُفق في تقديم قصة نجاح محترمة على مستوى بناء دولة وطنية ناجحة، تعيش لغة العصر، وتحتك بتطلعاته بعيداً عن عصبيات القرن الماضي وآيديولوجياته. دولة تفعل ذلك على الرغم من التحديات المستمرة التي لن تتوقف، وتريده رصيداً لها ولكل من يريد الاستفادة منه بلا عقد أو عقائد قومية أو يسارية أو إسلامية، وبتفكير دائم خارج الصناديق والعلب.
لا تحتاج تونس اليوم إلى أن تُحشر في لعبة العناد، أو تُستدرج إلى خنادق، لا تخدم مصلحة البلاد وأهلها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نظّارات محمد السادس ونظرات بورقيبة نظّارات محمد السادس ونظرات بورقيبة



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates