سقط الأسد بدأت المعركة «الأصعب»

سقط الأسد... بدأت المعركة «الأصعب»

سقط الأسد... بدأت المعركة «الأصعب»

 صوت الإمارات -

سقط الأسد بدأت المعركة «الأصعب»

بقلم : نديم قطيش

سقط نظام الأسد. انتهى الأبد السوري المزنر بالسجون والقتل والمنافي، وطوى السوريون أسوأ ما عرفته سوريا في تاريخها الحديث. لحظة لا يمكن إلا أن تكون لحظة فرح عارم، لكل أمّ فقدت ابنها تحت التعذيب، ولكل أب رأى بيته يُهدم أمام عينيه، ولكل طفل نشأ في كنف جمهورية الرعب... دفن السوريون نظاماً صادر الصوت والروح في البلاد وأبعد.

للسوريين أن يفرحوا. لهم أن يتنفسوا هواءً خالياً من بيت الأسد. ولهم أن يحلموا بغد أفضل. لكن لا حدود للخوف على سوريا والمنطقة من وهْم الاعتدال الذي تتلبسه تنظيمات التطرف.

لنتذكر أن ما قيل عن الخميني عام 1979، وما دُبج عن ديمقراطية «الإخوان» واعتدالهم بعد سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، يتجاوز بكثير ما يُمتدح به أبو محمد الجولاني. هذا تاريخ نعرفه ونعرف مآلاته.

شكلت عودة الخميني عام 1979 لحظة محورية في تاريخ الشرق الأوسط والعالم. استُقبل الرجل العائد من منفاه في باريس، كقائد يجمع بين العمامة الدينية وقيادة حراك جماهيري واجتماعي. قُدم على هيئة من يختصر ثورة العدل ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي، ويفتح طريق الإيرانيين نحو الحرية والعدالة.

النشوة الجماهيرية والنخبوية والسياسية التي رافقت عودة الخميني تجاوزت إيران إلى نطاق عربي وإسلامي ودولي واسع، لكنها سرعان ما خبت حين تبدت ألوانها.

أما في أقرب ذاكرة، فلا ينبغي أن يفوتنا أنه بعد سقوط نظام حسني مبارك في مصر عام 2011، تعهّدت جماعة الإخوان المسلمين بعدم السعي إلى السلطة التنفيذية، وأنها لن ترشح أحد أعضائها للانتخابات الرئاسية. بيد أن تنظيم الإخوان لم يكتفِ بترشيح الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، بل سعوا بعد وصولهم إلى السلطة إلى «أخونة» الدولة المصرية، وأدلجة بيروقراطيتها. في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، أصدر مرسي إعلاناً دستورياً منحه سلطات مطلقة، وحصّن قراراته من الطعن القضائي، وعزل بموجبه النائب العام ليعيّن بدلاً منه شخصاً موالياً، كما حصّن الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى من الحل.

لم يكن الإعلان إلا خطوة أخرى نحو الاستبداد، تحت عنوان حماية الثورة من القوى المضادة، أدت إلى خروج مظاهرات ضخمة معارضة أجبرت مرسي على التراجع وإلغاء الإعلان في ديسمبر (كانون الأول) 2012. وإذ استمرت الأزمة السياسية التي أشعلها الإعلان الدستوري؛ تأكّلت شعبية مرسي و«الإخوان»، ومهّدت لإطاحته في يوليو (تموز) 2013.

في السياق السوري، يبرز أبو محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام»، عنواناً لتحول سياسي عملاق في سوريا، بعد سقوط نظام الأسد. وتلعب جماعته المصنفة منظمة إرهابية من قبل دول غربية وإسلامية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، دوراً قيادياً في المشهد السوري الجديد، في حين يُطرح حولها من الأسئلة أكثر بكثير مما تتوفر إجابات شافية.

مما لا شك فيه أن نظام الأسد أفرغ سوريا من بنى نظامها، كما من بنى ثورتها طوال 13 عاماً من القمع والقتل والتنكيل والتفريط في سيادة البلاد، وهو ما سمح للجولاني بدعم تركي وغيره من تصدر المشهد.

يحاول الجولاني اليوم أن يُعيد صياغة صورته عبر تغييرات ظاهرية في خطابه وسلوك جماعته، من تعيين شخصيات رمزية مثل مطران حلب محافظاً للمدينة، إلى ضبط سلوك المسلحين في الشوارع تجاه الأملاك العامة والخاصة وأرواح المدنيين. لكن هذه الخطوات، رغم كونها غير مسبوقة من قبل «هيئة تحرير الشام»، تثير أسئلة أعمق حول ما إذا كنا أمام تحول حقيقي أم مجرد مناورة سياسية محكومة بضرورات اللحظة وما تمليه من حاجة إلى التكيّف التكتيكي.

وعليه، فإن تجربة الجولاني، إذا كانت مجرد مناورة، فهي تنطوي على خطرٍ وجوديٍ على مستقبل سوريا كدولة تعددية، وتمهّد لاستبدال استبداد بآخر، بعيداً عن العدالة والحرية التي ينشدها السوريون.

سوريا التي تقف اليوم عند مفترق طرق تستحق بناء مشروع وطني جامع يعبر عن كل مكونات المجتمع السوري، ويحول دون انزلاق البلاد إلى حكم شمولي جديد، سواء تحت راية الأسد أو راية آيديولوجية متطرفة. سوريا تستحق مستقبلاً يليق بتنوعها وغناها الثقافي والإنساني، وليس مجرد تبديل للأقنعة.

الفرحة بسقوط نظام الأسد مستحقة، لكنها لا تكفي. فمعركة سوريا الحقيقية بدأت الآن، والنضال كي لا تُسرق أحلام أبنائها أوجب وأصعب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سقط الأسد بدأت المعركة «الأصعب» سقط الأسد بدأت المعركة «الأصعب»



GMT 05:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 05:44 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

تحولات البعث السوري بين 1963 و2024

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 05:42 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 05:41 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

2024... سنة كسر عظم المقاومة والممانعة

GMT 20:03 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

يبشّر هذا اليوم بفترة مليئة بالمستجدات

GMT 08:02 2016 الثلاثاء ,01 آذار/ مارس

جورج وسوف يستقبل أحد مواهب"The Voice Kids" فى منزله

GMT 02:49 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

وصفة صينية الخضار والدجاج المحمّرة في الفرن

GMT 14:30 2017 الخميس ,05 كانون الثاني / يناير

صغير الزرافة يتصدى لهجوم الأسد ويضربه على رأسه

GMT 10:56 2021 الثلاثاء ,23 شباط / فبراير

إذاعيون يغالبون كورونا

GMT 12:44 2020 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الريدز ومحمد صلاح في أجواء احتفالية بـ"عيد الميلاد"

GMT 07:32 2019 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

نيمار يقود باريس سان جيرمان ضد نانت في الدوري الفرنسي

GMT 00:59 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت تصرفات وأناقة الرجل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates