هل «يتدمشق» الجولاني
آخر تحديث 15:51:24 بتوقيت أبوظبي
الأربعاء 13 آب / أغسطس 2025
 صوت الإمارات -
أخر الأخبار

هل «يتدمشق» الجولاني؟

هل «يتدمشق» الجولاني؟

 صوت الإمارات -

هل «يتدمشق» الجولاني

بقلم : نديم قطيش

 

«الشام غلَّابة» يقول السوريون. والشام هي أولاً وأخيراً دمشق، بطبقاتها الحضارية المتراكمة، الآرامية والإغريقية والرومانية والبيزنطية والأموية والعثمانية والفرنسية وما بعد. هي الحاضرة الفريدة بقدرتها على التكيف والتطور عبر آلاف السنين، ونقطة التقاء الحضارات والثقافات والأديان، وخطوط التجارة بين القارات. صنعت من مرونتها الثقافية إرثاً مدينياً فريداً ومستداماً، يختصر مكانتها المحورية، سواء كمركز للمسيحية المبكرة أو لاحقاً كمدينة رئيسية في التاريخ الإسلامي. حين اختارها الأمويون عاصمة لإمبراطوريتهم المترامية الأطراف، وجدوا فيها مختبراً لا يتكرر للبراغماتية الأموية التي أسسها معاوية بن أبي سفيان عبر إدارة التوازن بين الهيمنة السياسية واحترام التعددية الثقافية والدينية.

هي، بهذا المعنى، مدينة غيرت ناسها والوافدين إليها أكثر مما غيروها، بروحها العميقة القادرة على احتضان التنوع واستيعاب التناقضات. يصلها الوافد وسرعان ما «يتدمشق»، مكتسباً صفات المدنية نفسها وناسها وأسواقها وبيوتها، التي تميزها المرونة الاجتماعية وسيادة منطق الربح المشترك البعيد عن أي تعصب ديني أو عرقي. يعرف ذلك، من تسنى له الاستمتاع بالأذان الدمشقي، بلحن مقامَي البيَّاتي والسيكا، اللَذين ينضحان بساطةً وحنواً وتطريباً يرطب الروح. تعكس مآذن دمشق، العلاقة المتناغمة بين الدين والمدنية في تاريخ المدينة، حيث يحضر الدين كجزءٍ طبيعيٍ من النسيج الحضري من دون أي تطاول عليه. ببساطته وسرعته النسبية، يبرز الأذان وعياً مدنياً يحترم وقت الناس وحركتهم اليومية، ليكون نداءً روحانياً ينسجم مع الإيقاع العام لدمشق الحاضنة للتنوع الاجتماعي والثقافي العريق.

وأكاد أجزم أن فائض العنف الذي مارسه النظام الأسدي على سوريا يعكس، بشكل مباشر، استعصاء المدنية نفسها وصعوبة إخضاعها بما يتناقض مع طبيعتها، إلا عبر مستويات خرافية من القمع والتوحش.

إلى هذه المدينة التي لفظت الإرث الأسدي وطوت صفحته كأنه لم يكن، يدخل أحمد الشرع، المكنى بأبي محمد الجولاني، زعيم «هيئة تحرير الشام». يدرك الرجل، على ما يبدو، أن إرثه كقائد لجماعة متشددة يجعله غريباً عن روح دمشق. صحيح أن المدينة، طوال عصرها الحديث، حُكمت من غير أبنائها، باستثناء تجربة الدمشقي شكري القوتلي، إلا أنها، باعتبارها أمينة لإرثها الطويل من التسامح والتعددية، لن تقبل خطاباً يقوم على الإقصاء بعد إسقاط الأسد، أو خطاباً مراوغاً ينتحل البراغماتية والمدنية.

يعول البعض على أنه، منذ بداياته، برز الجولاني لاعباً بارعاً في التكيف مع التغيرات السياسية والعسكرية، انطلاقاً من التحاقه بالتنظيمات المتشددة في العراق ضمن صفوف تنظيم «القاعدة» وبتشجيع من نظام الأسد نفسه، مروراً بـ«داعش» وتأسيس «جبهة النصرة» في سوريا، وصولاً إلى تحولها إلى «هيئة تحرير الشام». بيد أنه لا دليل على ما إن كان هذا التاريخ من النقلات، يعكس تغييرات تكتيكية أم تحولات آيديولوجية راسخة.

ثم إن الجولاني ليس مجرد شخصية تسعى لإعادة تقديم نفسها بصورة جديدة، بل يمثل تياراً تمتد جذوره في الفكر السلفي، وينظر إلى الدين كإطار شامل للحكم والسياسة. في هذا السياق، فإن الخشية قائمة من أن تكون دعواته الراهنة مجرد مناورة سياسية أكثر منها قناعة حقيقية، يؤمل لها أن تفضي إلى «تدمشق» حقيقي، بمعنى، الانتساب إلى نسيج دمشق الثقافي والاجتماعي والسياسي، الذي فشلت 54 سنة من التغول البعثي في تمزيقه. لا شك في أن إرث البراغماتية الأموية والتسامح الشامي يمثلان عاملين قويين في تشكيل هوية دمشق وإدارة شؤونها عبر التاريخ، لكن الاعتماد عليهما وحدهما في «ترويض» شخصية مثل أبو محمد الجولاني قد لا يكون كافياً.

فالتحولات المنتظرة من الجولاني تواجه تحديات معقدة تهدد استقرار المدينة نفسها. ولئن كان تخلي الجولاني عن الإرث الإسلاموي المتشدد يتطلب تغييرات جوهرية في عقيدته وخطابه، فإن في ذلك ما قد يؤدي إلى انشقاقات داخل تنظيمه وفقدان القاعدة الشعبية التي تعتمد على مشروعه الآيديولوجي المتشدد، إلى جانب احتمال ظهور فصائل أكثر تطرفاً تنافسه وتزايد عليه.

في الوقت ذاته، سيواجه الجولاني، ما لم يتغير بصدق، صعوبة في كسب ثقة مكونات المجتمع السوري، خصوصاً الأقليات والنخب الدمشقية، التي ترى في إرثه المتشدد تهديداً لهوية المدينة القائمة على التسامح والتعددية.

يبرز، في ضوء هذا السياق، البيان الختامي لاجتماع لجنة الاتصال الوزارية العربية بشأن سوريا بوصفه خريطة طريق محورية لبناء مستقبل سوريا ما بعد سقوط الأسد، من خلال عملية انتقال سياسي شامل ومستدام تحت إشراف الأمم المتحدة وفق القرار 2254. يُبرز هذا الموقف العربي بشكل رئيسي الأهمية الاستراتيجية لشمولية العملية بمشاركة كل مكونات الشعب السوري منعاً للاستئثار أو وصاية مكون على بقية المكونات. وإذ يُعزز البيان الأسس الدولية للانتقال السياسي، من خلال تشكيل هيئة حكم انتقالية، وصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، الأمر الذي يفتح باباً سياسياً ودولياً «للتدمشق» السياسي، أي الخضوع للشرط التعددي وإرث التسامح لأقدم مدينة مأهولة في التاريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل «يتدمشق» الجولاني هل «يتدمشق» الجولاني



GMT 21:13 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

هل يمكن الخلاص من الميليشيات؟

GMT 21:13 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

الفرنسي الذي تحدى ماركس

GMT 21:12 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

شاعر الأندلس لم يكن حزيناً: النهاية!

GMT 21:11 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

تيه في صخب عربي مزمن

GMT 21:10 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

الظهور الثاني لعوض الدوخي

GMT 21:10 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

«إيه في أمل»... مرة أخرى

GMT 21:09 2025 السبت ,09 آب / أغسطس

قضيتا الاستعصاء السياسي!

نانسي عجرم تتألق بفستان فضي من توقيع إيلي صعب في إطلالة خاطفة للأنظار

دبي ـ صوت الإمارات
أبهرت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم جمهورها مجدداً بإطلالة فاخرة تفيض أناقة ولمعاناً، حيث اختارت فستاناً فضياً من تصميم المصمم العالمي إيلي صعب، لتخطف الأضواء بإطلالة تمزج بين الفخامة والرقي والبساطة في آن واحد. الفستان تميّز بقصته الأنثوية الناعمة، إذ حدد منطقة الخصر قبل أن ينسدل باتساع انسيابي نحو الأسفل، كما زُيّن بياقة هالتر وأكتاف مكشوفة، مما أضفى لمسة من الأنوثة الراقية على إطلالتها. القماش الفضي المطرز بأشكال هندسية منتظمة والمزين بالترتر أضفى على الفستان لمعة متجانسة مع إضاءة المسرح، في حين جاءت الطبقة العلوية بتصميم دقيق شمل غرزاً مفرغة تزيد من فخامة المظهر. واكتملت أناقة نانسي باختيار مجوهرات مرصعة تناغمت ألوانها مع بريق الفستان، بينما انسدل شعرها بخصلات ويفي طبيعية في تسريحة نصف مرفوعة، عكست أسلوبها الجمالي...المزيد

GMT 08:31 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

تحقق قفزة نوعية جديدة في حياتك وانطلاقة مميزة

GMT 17:03 2019 السبت ,28 كانون الأول / ديسمبر

الحمادي يؤكد ان الإمارات رائدة في الذكاء الاصطناعي

GMT 11:19 2016 الأحد ,24 كانون الثاني / يناير

تسريب مواصفات هاتف Galaxy S7

GMT 20:31 2016 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

الجزايرلي يرصد خطايا الكائن البشري في ديوانه "مسك الغياب"

GMT 23:43 2014 الإثنين ,15 كانون الأول / ديسمبر

طقس البحرين رطب و معتدل مع بعض السحب الإثنين

GMT 20:15 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

5 أماكن جديدة ستدفعك لزيارة خورفكان في 2021

GMT 15:55 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

تناول الوجبات الصحية يُقلل من الإصابة بالسرطان

GMT 08:42 2015 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

التصرفات العقارية في الأردن تبلغ 5464 مليون دينار

GMT 12:57 2015 السبت ,17 كانون الثاني / يناير

توقيع كتب أدبية بمعرض الدوحة الدولي الـ25 للكتاب
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
Pearl Bldg.4th floor
4931 Pierre Gemayel Chorniche,Achrafieh
Beirut- Lebanon.
emirates , Emirates , Emirates