كيف يفكر نتنياهو

كيف يفكر نتنياهو؟

كيف يفكر نتنياهو؟

 صوت الإمارات -

كيف يفكر نتنياهو

نديم قطيش
بقلم : نديم قطيش

خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الاستراتيجية لغزة ما بعد الحرب، لم تخرج عن سياق ما هو متوقع منه. في جوهرها تُختصر الخطة بفرض سيطرة عسكرية إسرائيلية غير محددة على غزة، إلى جانب فكرة إيلاء الحكم لعائلات القطاع وعشائره، وشخصيات لا تربطها أي صلة بـ«حماس». كما ترمي الخطة إلى إنشاء مناطق عازلة على طول محيط غزة مع إسرائيل ومصر، هدفها المعلن تحصين الأمن، وهدفها الواقعي، كما يُخشى، تبديد الآمال بقيام دولة فلسطينية متصلة. ومتابعةً لهجمات نتنياهو وحلفائه في الحكومة على «الأونروا» تدعو الخطة إلى حل الوكالة الأممية المحورية في تقديم المساعدات إلى سكان القطاع، وتقترح بدلاً من ذلك إصلاحاً شاملاً لأنظمة التعليم والرعاية الاجتماعية في إطار اجتثاث الأفكار والعقائد الراديكالية.

يشير هذا النهج إلى تحول عميق في الديناميكيات الإدارية لغزة. فهو يعتمد على مقاربة مزدوجة تجمع بين فرض مظلة رقابة إسرائيلية شاملة على القطاع لضمان الأمن، وبين تعزيز شكل ما من أشكال الحكم المحلي، مع كل ما ينطوي عليه الوصول إلى ذلك من مخاوف إنسانية شديدة تتهدد الفلسطينيين.

وعليه، لم يكن مستغرباً ما أثارته هذه المقترحات من ردود فعل سلبية، فلسطينياً وإقليمياً ودولياً، نتيجة انفصالها عن كل الأسس التي تنهض عليها مبادرات الحل. فاستمرار العمليات العسكرية بهدف القضاء على «حماس» يضرب عرض الحائط بالمناشدات الدولية لوقف إطلاق النار وبدء المفاوضات. وينطوي الحديث عن منطقة عازلة تسيطر عليها إسرائيل على طول حدود غزة مع مصر، على إمكانية تدهور العلاقات المصرية - الإسرائيلية أكثر وتوسع رقعة التدهور السياسي، وربما الأمني في عموم الشرق الأوسط. كما أن سيناريو الوجود العسكري الإسرائيلي المفتوح في غزة، ينسف المواقف العربية والأوروبية والأميركية الرافضة لاحتلال القطاع، عدا عن كونه اقتراحاً يفتقد لأي أفق عملي أو قاعدة شرعية ينهض عليها.

كيف يفكر نتنياهو إذن!؟

أولاً وقبل أي شيء، يتحرك نتنياهو وفق متطلبات البقاء السياسي، وسط سيل من التحديات القانونية والسياسية؛ ما يحتم عليه الاستفادة من توظيف السياسات الأمنية الصارمة لتعزيز قاعدته.

تلقى طروحات نتنياهو عالية السقف، صدىً واسعاً لدى أغلبية من الرأي العام الإسرائيلي، ظهرت متحدة برفضها أي مبادرة للاعتراف الفوري بالدولة فلسطينية. ورئيس الحكومة الإسرائيلية صاحب سجل عبقري في ركوب الموجات الشعبية الإسرائيلية وتبني الأجندات الجماهيرية، حتى وهو في ذروة الرفض الإسرائيلي له والاعتراض عليه. وهو أفضل من استثمر الديناميات الداخلية وتلاعب بها للبقاء في السلطة، لا سيما في ظل مشهد سياسي إسرائيلي تغيب عنه معارضة جدية أو رؤى تختلف جوهرياً عن طروحاته بشأن القضايا الإسرائيلية الأساسية، ويمكنها أن تشكل بديلاً لمشروعه.

إلى ذلك، تختصر الخطة عقل نتنياهو الذي يتمحور حول تأمين أمن إسرائيل، حتى لو أدى هذا المسعى إلى تعقيد علاقات بلاده الإقليمية والدولية. بل إن نتنياهو يفاخر بأنه الوحيد في إسرائيل القادر على مواجهة ضغوط واشنطن حين تتعارض مع مصالح إسرائيل العليا. فقد أظهر ثباتاً رهيباً في مواقفه الأحادية وفي خروجه عن الإجماعات الدولية حين يرى أنها لا تتماشى مع مصالح إسرائيل، سواء تعلق ذلك بالعمليات العسكرية في غزة أو توسع عمليات الاستيطان في الضفة الغربية.

تتفاعل في عقل نتنياهو الضرورات الأمنية، والآيديولوجيا السياسية، والسردية التاريخية التي يؤمن بها، والمصالح الشخصية، وتحكم سعيه لأن يظهر على الدوام بصورة الزعيم الموثوق الذي يجيد التعامل مع تحديات الأمن، ومناورة الضغوط على بلاده. ليس أدل على ذلك من إعلانه خطته المثيرة بالتزامن مع تفاقم شبه العزلة الدولية التي تواجهها إسرائيل، والتي ترمز إليها موجة من الانتقادات من جانب الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، معطوفةً على استنكار الكثير من الدول التصرفات الإسرائيلية في غزة.

فهو أكثر من يجيد اللعب على الارتياب الإسرائيلي التاريخي بالهيئات الدولية، وكل ما يسمى المجتمع الدولي، نتيجة تاريخ طويل من شعور الإسرائيليين بسلبية «المجتمع الدولي» تجاههم، بخاصة في ما يتعلق بالمسائل الفلسطينية.

تجد هذه المواقف قبولاً كاسحاً عند اليمين القومي صاحب الحساسية الشديدة حيال كل ما يتصل بالسيادة الإسرائيلية. ويخاطب منطق نتنياهو أيضاً اليمين الأوسع المتشكك من عملية السلام؛ ما يسهّل عليه صيانة الحكومة الائتلافية التي يرأسها والتي تحتم عليه مواقف أكثر تحفظاً أو تشدداً، بشأن الفلسطينيين.

يتكل نتنياهو، أيضاً، على مرتكزات الواقعية السياسية التي تحكم علاقات بلاده بدول الجوار، والتي يبدو أنها تلعب دوراً أهم في حسابات دول مثل مصر، والأردن، والإمارات والسعودية. صحيح أن هذه الدول لم توفر أي جهد لوقف الحرب، إلا أنها أيضاً صاحبة حسابات وطنية خاصة لا تريد التضحية بها من خلال الذهاب بعيداً في الاشتباك مع إسرائيل. فلا العلاقات السياسية والاقتصادية ولا الشراكات التنموية والتكنولوجية ولا حسابات الأمن القومي لهذه الدول تسمح بمغامرات التصعيد الانفعالي في العلاقة مع إسرائيل. بيد أن هذه المرتكزات ليست رصيداً مفتوحاً، واستراتيجية نتنياهو، ليست بلا تحديات خطيرة تواجهها. اعتماد إسرائيل على ثبات اتفاقيات السلام القائمة أو الاطمئنان إلى أن توسعها حتمي، يظل غير مؤكد، إذا ما استمرت إسرائيل في سد الأبواب أمام حل عاقل للمسألة الفلسطينية.

كما أن اتساع رقعة الإدانات الدولية لما يحصل في غزة، والتي أثّرت في السياسة الداخلية في الولايات المتحدة، تقدم نوعاً جديداً من الضغوط الدبلوماسية التي تتعرض لها إسرائيل. توفر التكنولوجيا الحديثة منصات للتعبير عن الرأي العام في صفوف أجيال جديدة حول العالم، تعدّ أكثر ميلاً للتعاطف مع الفلسطينيين وأعلى حساسية تجاه أهوال الحروب عامةً، وأقل تأثراً بالسرديات الكلاسيكية التي صنعت لإسرائيل هالة التأييد غير المشروط.

هكذا يفكر نتنياهو واقفاً على حد السكين بين سعيه لتحقيق الأمن في محيط إسرائيل، والسعي إلى السلام والتطبيع مع جيرانها في المدى العربي الأوسع. استراتيجيته لغزة ما بعد الحرب، المملوءة بالمقترحات ذات السقوف العالية والعناصر المثيرة للجدل، تمثل لحظة محورية لا لإسرائيل ونتنياهو وحسب، بل لعموم الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كيف يفكر نتنياهو كيف يفكر نتنياهو



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates