استرخاص الدم الفلسطيني

استرخاص الدم الفلسطيني

استرخاص الدم الفلسطيني

 صوت الإمارات -

استرخاص الدم الفلسطيني

بقلم : نديم قطيش

 

تُبرز مأساة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني المستمرة، حقيقةً مجردةً مؤلمةً: دماء الفلسطينيين عملة سياسية ملائمة، تُستخدم من قِبَل مستثمرين كُثر، بصرف النظر عن مصالح الضحايا. لطالما كان الأمر كذلك، بخصوص توظيف القضية الفلسطينية للكسب السياسي والاستراتيجي، بيدَ أن قسوة هذا الواقع استفحلت مع ارتفاع وتيرة التوحش في حرب غزة الجارية.

ضُبطت «حماس» خلال العملية الأخيرة لتحرير الرهائن الإسرائيليين من مخيم النصيرات، متلبسةً باستخدام الفلسطينيين دروعاً بشرية، حين تبين أنها أخفت 4 من الرهائن بين بيوت المدنيين. حصل ذلك مراراً في أكثر من واقعة دموية خلال هذه الحرب. حسابات «حماس» بسيطة: لو ارتدع الإسرائيليون عن عملية معروف سلفاً أنها ستؤدي إلى إصابات كبيرة بين المدنيين الفلسطينيين، فستتمكن «حماس» من الاحتفاظ برهائنها كورقة ضغط. ولو تجرأت إسرائيل على تنفيذ عملية تحرير دموية، كما حصل بالفعل، فإن حمَّام الدم المتوقع سيوظَّف لتوليد مزيد من التعاطف الدولي مع الفلسطينيين، وتضخيم الإدانات الأخلاقية والسياسية لإسرائيل.

يقع هذا التصور في صلب استراتيجية يحيى السنوار. سبقه إلى ذلك «حزب الله» اللبناني، عبر قول شهير للأمين العام السابق عباس الموسوي، الذي لطالما ردد شعار: «اقتلونا، فإن شعبنا سيعي أكثر فأكثر»!

هنا أيضاً يُعدُّ موت الفلسطينيين ومعاناتهم أداة دعائية جبارة، تُحسِن «حماس» توظيفها لجذب الدعم، وتزخيم التعبئة، وهتك صورة إسرائيل.

على الجانب الآخر، تتبع حكومة بنيامين نتنياهو، منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، نهجاً بالغ القسوة في التعامل مع القطاع. لم تعد تنفع في هذا السياق كل السرديات التي تقول إن الفصائل تتلاعب بأعداد الضحايا وهوياتهم. ولا عادت تفيد المقارنات بين أداء الجيش الإسرائيلي في غزة وأداء غيره في مسارح حربية أخرى، أو التراشق بنسب الإصابات بين المدنيين والعسكريين للاستدلال على كفاءة أو دقة إسرائيل في الحرب الراهنة. ففي العملية الأخيرة لتحرير 4 رهائن، قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 200 فلسطيني، متجاوزاً كل القواعد التي تبرر وضع العملية في سياق الدفاع عن النفس، أي تحرير رهائن مدنيين.

فلو افترضنا أنه من شبه المستحيل التزام مبدأ التمييز الذي ينص عليه القانون الدولي، أي إلزام أطراف النزاع المسلح بالتمييز بين الأهداف العسكرية والمدنيين، بسبب الطبيعة الفوضوية والمتداخلة لقطاع غزة، فإن إسرائيل أهملت أيضاً مبدأ التناسب، أي أن تكون الأضرار الناتجة عن الهجوم واللاحقة بالمدنيين متناسبة مع الفائدة العسكرية المتوقعة.

العملية الأخيرة تندرج في السياق نفسه الذي يجعل من دماء الفلسطينيين الأبرياء عُملة سياسية رخيصة. فلم يكن الهدف تحرير الرهائن فقط؛ بل إرسال رسالة ردع أشمل، باستخدام التكلفة البشرية الباهظة للضغط على المجتمع الفلسطيني وزعزعته.

تبدو إسرائيل عازمة على سياسية «كي الوعي»، عبر إنزال أفظع أنواع الألم بعموم الفلسطينيين، بهدف تحطيم فكرة الكفاح المسلح سبيلاً لتحقيق تطلعاتهم الوطنية.

كما تأمل إسرائيل أن تسفك ما يكفي من دماء الفلسطينيين، بغية إعادة تأسيس الردع الذي انهار يوم هجوم السابع من أكتوبر الماضي، وهز أعماق الشخصية الإسرائيلية وثقتها بمشروع دولة إسرائيل. إنه شراء للثقة بدماء الفلسطينيين.

لم يشذ رعاة الفصائل عنها -أو عن إسرائيل- في تجاهل فداحة المأساة الإنسانية اللاحقة بأهل القطاع.

فعندما يعلن المرشد الإيراني علي خامنئي أن الهجمات على إسرائيل ضرورية، على الرغم مما استدرجته من أهوال على أهل غزة، ويروح يعدد الفوائد الاستراتيجية للمذبحة الجارية، فإنه يلقي الضوء على كيفية استهلاك دماء الفلسطينيين في لعبة النفوذ والسيطرة والصراع العقائدي.

فصورة نهر الدماء الذي سيجرف إسرائيل ليست مجازاً في العقل الإيراني الجهادي؛ بل ممارسة عملية على الأرض، تهدف إلى محاصرة إسرائيل بنتائج أفعالها، وتكثيف أزماتها الداخلية والإقليمية والدولية، تمهيداً لإسقاطها.

تقلِّص هذه المناورات مآسي الفلسطينيين إلى محض أضرار جانبية في سرديات أوسع وأكبر. تَحرم العائلات الممزقة والأطفال المسحوقين نفسياً والمجتمعات المدمرة من النظر إلى مصائرها الكئيبة، بوصفها التكلفة الحقيقية لهذا الصراع الذي لا نهاية له.

استرخاص دماء الفلسطينيين من قبل أعدائهم وممن يزعمون الدفاع عنهم، على حد سواء، والفشل في تقديم أولوية كرامتهم الإنسانية على المصالح الاستراتيجية، ولو عبر حلول سياسية لا تؤمِّن العدالة المطلقة، يعني أن الحل المستدام سيظل حلماً بعيد المنال.

لا شيء يجب أن يتقدم على إعلاء قيمة حياة الفرد الفلسطيني، والكف عن توظيف دماء الأبرياء في لعبة سياسية قاتلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

استرخاص الدم الفلسطيني استرخاص الدم الفلسطيني



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة - صوت الإمارات
تلهم النجمة المصرية تارا عماد متابعاتها العاشقات للموضة بإطلالاتها اليومية الأنيقة التي تعكس ذوقها الراقي في عالم الأزياء، بأسلوب هادئ ومميز، وتحرص تارا على مشاركة متابعيها إطلالاتها اليومية، وأيضا أزياء السهرات التي تعتمدها للتألق في فعاليات الفن والموضة، والتي تناسب طويلات القامة، وهذه لمحات من أناقة النجمة المصرية بأزياء راقية من أشهر الماركات العالمية، والتي تلهمك لإطلالاتك الصباحية والمسائية. تارا عماد بإطلالة حريرية رقيقة كانت النجمة المصرية تارا عماد حاضرة يوم أمس في عرض مجموعة ربيع وصيف 2025 للعبايات لعلامة برونيلو كوتشينيلي، والتي قدمتها الدار في صحراء دبي، وتألقت تارا في تلك الأجواء الصحراوية الساحرة بإطلالة متناغمة برقتها، ولونها النيود المحاكي للكثبان الرملية، وتميز الفستان بتصميم طويل من القماش الحرير...المزيد

GMT 19:18 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة
 صوت الإمارات - فساتين الكاب تمنحك إطلالة ملكية فخمة

GMT 19:21 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد
 صوت الإمارات - أفكار هدايا مبتكرة ومميزة في موسم الأعياد

GMT 05:35 2024 الثلاثاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة
 صوت الإمارات - الذكاء الاصطناعي يساهم في انبعاثات ضارة تؤثر سلباً على البيئة

GMT 08:38 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

يبدأ الشهر مع تلقيك خبراً جيداً يفرحك كثيراً

GMT 05:21 2015 الأربعاء ,11 شباط / فبراير

افتتاح معرض "ألوان السعودية" المتنقل في جدة

GMT 07:14 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

الرميحي يزور جناح دولة قطر في معرض "اكسبو 2015"

GMT 20:48 2013 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

برنامج جديد فى إذاعة الشرق الأوسط عن التعديلات الدستورية

GMT 13:26 2015 الخميس ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مقهى ثقافي ومسابقة تصوير في معرض كتاب شرطة دبي

GMT 11:40 2015 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

"أبوظبي للسياحة" تنظم معرض "ميادين الفنون"

GMT 07:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

جبل بوزداغ من أروع المناطق السياحية للتزلج

GMT 05:28 2016 السبت ,27 شباط / فبراير

HTC تنشر أول صورة تشويقية لهاتفها المرتقب One M10

GMT 11:02 2013 الجمعة ,28 حزيران / يونيو

بحث تطوير مشروع جامعة عمان مع كامبريدج

GMT 03:34 2015 الإثنين ,21 كانون الأول / ديسمبر

معرض جدة الدولي للكتاب يستقطب أكثر من 600 ألف زائر

GMT 08:27 2015 الأحد ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميثاء الخياط تعرّف الأطفال بطرق قص مبتكرة في "الشارقة"

GMT 01:52 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كلوب يكشف السبب الرئيسي لسقوط ليفربول أمام ساوثهامبتون

GMT 12:49 2020 الخميس ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ميسي يوضِّح تعرّضه للأذى في برشلونة سبب خروجه عن صمته
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates