إيران خطاب خامنئي واستراتيجية ترحيل الأزمات

إيران: خطاب خامنئي واستراتيجية ترحيل الأزمات

إيران: خطاب خامنئي واستراتيجية ترحيل الأزمات

 صوت الإمارات -

إيران خطاب خامنئي واستراتيجية ترحيل الأزمات

بقلم : يوسف الديني

الخطاب الأخير لخامنئي يكشف عن مأزق نظام الملالي اليوم، الذي ربما قد لا يفضي إلى انهياره؛ لكنه حتماً في حالة انسداد شرعية مع الداخل، لا تقل عن وضعيته مع المجتمع الدولي.
الاحتجاجات اليوم مختلفة تماماً عن سابقاتها خلال العشرين عاماً الماضية، ومن هنا يمكن فهم قرار إعادة النظر في تشريعات الحجاب، وأيضاً كفّ تدخل «شرطة الأخلاق» المعني بالسيطرة المجتمعية، وبشكل قمعي وسلطوي.
قوات «الباسيج» تعتبر الميليشيا شبه العسكرية التابعة لـ«الحرس الثوري»، وقد تناول دورها عدد من الكتب والأبحاث، لعل من أشهرها الكتاب المتميز الذي كتبه البروفسور بجامعة تنيسي سعيد غولكار، بعنوان «مجتمع أسير: ميليشيا الباسيج والسيطرة الاجتماعية في إيران»، وهو يرى اليوم أن هذه الاحتجاجات مختلفة جذرياً منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في عام 1979: مظاهرات طهران ومدن أخرى 1991، وقزوين 1993، ومدينة إسلام شهر 1994، وليست أخيرة الاحتجاجات الطلابية في عامي 1999 و2003، قبل أن تدشن «الحركة الخضراء» في 2009 تحولاً أساسياً في طبيعة وحجم ورسائل الغضب الإيراني، من ذهنية وأداء الملالي على مستوى الداخل، بعيداً عن أي دعاوى ارتباطها بأجندات خارجية.
الأكيد أنه لا يمكن عزل هذه الاحتجاجات اليوم عما حصل في 2019، عندما قتل النظام ما يقارب 1500 شخص في يومين، وهنا تم تحول كبير تمثل في انضمام طبقات جديدة في التحشيد ضد نظام الملالي، وأغلبهم من الطبقة الوسطى والإصلاحيين، فهي لم تكن مجرد احتجاجات ضد الحالة الاقتصادية المتدهورة.
اليوم الاحتجاجات هوياتية ضد منطق الميليشيا، ضد منطق «الباسيج» والسيطرة الاجتماعية، وليست ذات طابع اقتصادي، ولذلك يمكن فهم انضمام عدد كبير من الطبقة المتوسطة والغنيّة نسبياً، وأيضاً انتقال موجات الاحتجاجات على مستوى الجغرافية السياسية إلى مدن وجهات لم يعرفها نظام الملالي من قبل.

الصوت اليوم لا علاقة له بتحسين الأوضاع، أو الدعوة إلى إصلاحات تخص بنية النظام. وحسب عبارة غولكار في حوار له مع «مركز كارنيغي»، تسعى هذه الاحتجاجات «قبل كل شيء إلى إلغاء الجمهورية الإسلامية كنظام. لقد تغيرت آيديولوجيا الحركة التي باتت تحمل شعار (امرأة، حياة، حرية)، لتعكس نموذجاً جديداً من الوعي الشعبي في إيران».
فقدان الشرعية نتيجة أدركها الإيرانيون اليوم في الداخل، وأن المعالجة البوليسية لاندلاع الشارع والأوضاع لا تفيد معه استراتيجية الرعب، أو إرسال حشود المخربين، أو ما يوصفون في التعبير الدارج عربياً بـ«البلطجية»، وما كان سابقاً قائماً على استثمار الجانب الديني والشعارات الآيديولوجية، بات غير مسموع لدى الأغلبية في الداخل الإيراني، فهناك قيم وخطابات ذات طابع عالمي لمفهوم المستقبل والدولة العاقلة والحقوق الأساسية، حتى لو لم تكن ذات سياق علماني أو مدني بالكامل، وهو ما يمكن وصفه بالكفاءة والرشد على الأقل في إدارة المؤسسات ذات الطابع المتصل بالتواصل مع الناس، والتماس مع الحشود، وأهمها سيادة القانون.
غياب خامنئي عن المشهد سيكون العامل الأكثر تأثيراً على مستوى تصعيد الاحتجاجات، أو قدرة النظام القمعي للملالي على المضي قدماً في الاصطدام بالشارع، وكل محاولات المرشد عبر الخطب الرمزية لاستعادة هوية دولة الملالي بصورتها السابقة، لا تبدو أنها تحمل أي تأثيرات على وتيرة وحجم الاحتجاجات ونوعيتها.
على المستوى الخارجي، هناك حالة انكشاف للعالم كله، وليس -فحسب- للدول التي يحاول النظام ويسعى في مشروعه التقويضي إلى استهدافها. ومع «السوشيال ميديا»، وحتى المحايد منها، مثل مقاطع «التيك توك» من الداخل الإيراني، تنكشف أزمة «هويّة» داخل بنية النظام، وليس مجرد سلوكه السياسي، كما أن الشَّرَه الإيراني منذ عقود عاث في المنطقة فساداً وقتلاً وتدميراً، حتى آل الأمر إلى انتفاضة من كانوا من المعجبين به في الداخل العراقي واللبناني، وحتى في طهران.

ما قام به الملالي من تقويض لمنطق الدولة، أسهم في تسريع تدمير «فضيلة الاستقرار» التي تتمسك بها دول الاعتدال، وتبلغ فيها التجربة السعودية اليوم أوجها، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، ورسم معالم العقلانية السياسية في التعامل مع الأزمات، بينما تغرق دول رعاية الميليشيات وحلف الأزمات -وفي مقدمتها إيران- في وحل الأزمات المتتالية، من خلال نتائج وأثمان انتهاكاتها في المنطقة، عبر أذرعها الطائفية والعسكرية.
قبل أسبوع، تحدث المرشد الأعلى خامنئي أمام جمهور من قوات «الباسيج»، محاولاً إعادة تعزيز قيم «الباسيج» عبر ترحيل الأزمة، واعتبار أن ما يحدث ليس سوى مؤامرة غربية ضد البلاد، واصفاً الإيرانيين في الداخل بـ«المرتزقة». وفي خضم هذا الهجوم على الداخل، لم يفت المرشد الأعلى محاولة ربط ذلك بمشروع الملالي للهيمنة على المنطقة، في محاولة لاستنهاض القومية الإيرانية؛ حيث ركز على الأهمية الجيوسياسية للجمهورية، وطبيعتها الثورية التي من شأنها -حسب وصفه- إعاقة السياسات الاستعمارية، وأن ما يحدث في الداخل هو محصور في فئة محدودة ممن وصفهم بـ«عملاء الغطرسة الغربية».
ما تفعله دولة الملالي بطهران اليوم هو صورة مصغرة لمشروعها في المنطقة؛ حيث لا تنفك بميليشياتها وشبكاتها عن السعي الحثيث لتأسيس عقيدة عسكرية جديدة، تعمم نماذج دول الميليشيا في العواصم العربية، استنساخاً لتلك التجربة التي شهدنا ولادتها وتضخمها واختطافها لمنطق الدولة في لبنان، والتي بدأت مع تجربة «حزب الله» الابن المدلل، وصولاً إلى الأداة المفعلة عبر تبني ميليشيا الحوثي، واستهدافه للأمن العالمي.
ومن هنا، السؤال اليوم ليس فقط عن تأثير مآلات الداخل الإيراني على النظام، وإنما على طبيعة انتقال دولة الملالي من ترحيل الأزمات الداخلية إلى محاولة تفعيل أذرعها، واستهداف المنطقة للتصعيد، وتلك قصة أخرى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران خطاب خامنئي واستراتيجية ترحيل الأزمات إيران خطاب خامنئي واستراتيجية ترحيل الأزمات



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates