المقاربة السعودية ومنطق الدولة

المقاربة السعودية ومنطق الدولة!

المقاربة السعودية ومنطق الدولة!

 صوت الإمارات -

المقاربة السعودية ومنطق الدولة

بقلم : يوسف الديني

 

في قلب صفحات «تايم أوف إسرائيل»، كما هو حال كبريات منصات الأخبار والصحف، يتصدر مانشيت: «السعودية تدعو إلى احترام سيادة لبنان»، وهو جزء من بيان مهم يعكس ملامح من المقاربة السعودية لأزمات المنطقة يمكن اختزالها في جملة واحدة تهم كل الأطراف: «العودة إلى منطق الدولة».

الرسالة السعودية هي للمجتمع الدولي بالدرجة الأولى عبرت فيها المملكة العربية السعودية بلغة واضحة وصريحة متجاوزة الأسماء والصفات والأحزاب والتقسيمات لتصل إلى قلب الأزمة، وهو تهشم مفهوم الدولة ضمن المشاريع التقويضية المتصارعة في المنطقة، لذلك كان التعبير شديد الحساسية والدقة حين وصف «الأحداث الجارية في الجمهورية اللبنانية الشقيقة»، وتابع: «ضرورة المحافظة على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية»، وأكد «وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق». وهي رسائل شديدة الأهمية ينظمها معطى أساسي: العودة إلى منطق الدولة. وهي تقليد عريق في بيت الحكم السعودي ومرتكزات السياسة الخارجية التي شهدنا نظائرها في أكثر من مناسبة في غزو العراق ومعالجة ملف اليمن بشكل مرتجل... إلخ.

هذه المقاربة اليوم تحظى بتقدير كبير بين المفكرين الاستراتيجيين في العالم والباحثين في مراكز صناعة الرأي وخزانات التفكير، ويمكن التأكيد على ذلك بمثال من ضمن أمثلة متعددة نُشرت في الفترة الماضية، هذا المثال الكاشف كتبه متخصص من طراز رفيع هو مايكل نايتس من معهد واشنطن المتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية للعراق وإيران ودول الخليج، ومؤسس منصة «الأضواء الكاشفة للميليشيات»؛ إذ أكد على خطأ مقاربة الولايات المتحدة والمجتمع الدولي في مسألة الحوثي، وأن السعودية ودول الخليج كانت محقة. ويؤكد: «ما الذي علمتنا السنوات العشر الماضية التي تمثلت باحتلال الحوثيين لشمال اليمن المكتظ بالسكان؟ أولاً، أن الوقاية دائماً أرخص بكثير من العلاج عندما يتعلق الأمر بسيطرة متطرفين عنيفين على الدول. فإزالة الحوثيين من السلطة ستتطلب الآن جهداً جديداً قد يستغرق سنوات عدة أو حتى عقوداً من الزمن، وربما يشمل العودة إلى الحرب داخل اليمن».

ويضيف: «اليوم، تجني الولايات المتحدة بجدارة ما زرعته في البحر الأحمر... إن الدرس الذي يجب أن تتعلمه الولايات المتحدة واضح: لا تشتكي من قيام حلفائك بالمزيد مما هو ضروري لضمان أمنهم الخاص، ثم تلقي باللوم عليهم عندما يفعلون بالضبط ما أردت. على الولايات المتحدة إما أن توفر الأمن أو تبقى بعيداً عن الطريق في حين تتولى الدول الإقليمية القيام بذلك بنفسها!».

واليوم يتكرر الموقف ذاته حين تعلي السعودية ما أسمته لاحقاً «التسامي السياسي»، وتعيد صياغة موقفها وفق ضرورات المرحلة وليس ردود الفعل أو الارتباك والفوضى، وعلى رأس ذلك كله التدخل السريع لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، كما حدث في إعلان الدعم والمساعدة والإغاثة لفلسطين ولبنان، ومن دون بروباغندا أو ضجيج، وفي نفس الوقت التأكيد بحزم على ضرورة احترام السيادة وعدم التصعيد وإيقاف الحرب؛ لأنها جزء من معالجة الجذور كموقف مبدئي وليس الارتهان للتفاصيل التي عادة ما تكون انعكاساً لمواقف آيديولوجية أو استغلالاً لشعارات وبروباغندا حربية، وصولاً لتحشيد واستقطاب المتطرفين واليمينيين، وهو الحال الذي لا يمكن للطرفين الخروج منه.

هناك حالة انكشاف كبيرة وتصدعات لا يمكن رأبها بمجرد البحث عن تسويات مؤقتة ومحدودة مع الإسرائيلي، حتى مع الاستناد للدعم الأميركي والإسناد الغربي العام، فحالة الانسداد السياسي لا يمكن معها إلا التفكير في الصورة الكاملة حتى لا نضطر لتكرار ما حدث في العراق وأفغانستان واليمن، لا أقل من تثمين ما أطلقه وزير الخارجية السعودي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، المتضمن مبادرة التحالف الدولي لتنفيذ «حل الدولتين» بقيادة السعودية ودول الاعتدال وعدد من الدول العربية والإسلامية وشركاء أوروبيين.

وبنفس مفهوم التسامي السياسي ربط وزير الخارجية الحالة الحرجة اليوم بجذورها، مشيراً إلى التصعيد ضد لبنان، وبحسب عبارته: «نشهد في هذه الأيام تصعيداً إقليمياً خطيراً يطال الجمهورية اللبنانية الشقيقة، ويقودنا إلى خطر اندلاع حرب إقليمية تهدّد منطقتَنا والعالمَ أجمع».

الرياض اليوم هي قلب الأمل للشرق الأوسط، والسعودية هي بوصلة المشاعر الإيجابية لمستقبل أفضل. وبعيداً عن مشاريع الميليشيات وخداع الأوهام الشمولية الكبيرة، أو انتهازية الآيديولوجيات الضيقة، هي مصدر للاستقرار الإقليمي. خلاصة القول: هناك فرصة كبيرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من منطق الدولة، وهو يتطلب التحرك السريع من عقلاء العالم قبل الندم وفوات الأوان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المقاربة السعودية ومنطق الدولة المقاربة السعودية ومنطق الدولة



GMT 19:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

دعم السوريين في بناء ديمقراطيتهم أمر واجب

GMT 19:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الخوف صار هذه الناحية

GMT 19:44 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

هل يستمر الصراع على سوريا؟

GMT 19:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

البيضة والدجاجة في السوشيال ميديا

GMT 19:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

هل «حرَّر» الشرع إيران من الإنفاق على المنطقة؟

GMT 19:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

صناعة الاسم والنجم في دمشق

GMT 19:39 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

التغيير وعواقبه

GMT 19:38 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

السينما العربية وصراع حاسم في سباق «قرطاج»!

GMT 20:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا
 صوت الإمارات - الإمارات تدين عملية الدهس التي وقعت في سوق بألمانيا

GMT 20:34 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد
 صوت الإمارات - ابنة أصالة نصري تتحدث عن معاناة عائلتها في ظل حكم الأسد

GMT 00:13 2020 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة ضحايا زلزال تركيا "المدمر"

GMT 23:59 2019 السبت ,23 آذار/ مارس

رئيس النصر السعودي يسخر من جمهور الشباب

GMT 06:58 2019 الخميس ,03 كانون الثاني / يناير

الأجهزة اللوحية في المدارس سقوط حرّ لمهارات الكتابة

GMT 15:53 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

"لينكولن" تستعيد الأناقة الكلاسيكية بطرح محدود لـ"61 Continental"

GMT 12:42 2018 الخميس ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق برنامج "Little Big Stars- نجوم صغار" على "MBC مصر" السبت المقبل

GMT 19:42 2018 الثلاثاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

جامعة "هارفاد" تواجه اتهامات بالتمييز العنصري ضد الأميركيين

GMT 04:16 2014 الأربعاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

عطور "الفانيلا" مطلب كل امرأة أنيقة وراقية

GMT 05:59 2017 الإثنين ,09 كانون الثاني / يناير

شركة التصنيع الوطنية تعلن عن فرص عمل في السعودية

GMT 04:34 2015 الإثنين ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مباحثات مغربية صينية لتعزيز التعاون في مجال الطاقة

GMT 14:52 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميم منازل صينية بديلة أكثر إنتاجية واستدامة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates