مستقبل سوريا مخاوف مشروعة

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

 صوت الإمارات -

مستقبل سوريا مخاوف مشروعة

بقلم : يوسف الديني

 

نتعلم من التاريخ أننا لا نتعلم شيئاً من التاريخ وفق هيغل. هذه العبارة قفزت إلى مخيلتي وأنا أرى ملامح تلقي «ربيع أصولي»، بعد أن جربنا «الربيع العربي» غير المأسوف عليه، الذي لا تزال تداعياته في ليبيا، التي لا يتمنى أحد أن تكون (سوريا ما بعد الأسد)، رغم كل التفاؤل بطريقة سقوط النظام من دون ضحايا، وتصريحات «هيئة تحرير الشام» وقائدها حول المرحلة المقبلة.

أجواء النشوة بزوال نظام الأسد مستحقة، لكن المخاوف حول مستقبل سوريا مشروعة، وينبغي أن تكون هي محور الاهتمام والحديث والحوار والدبلوماسية في الأيام المقبلة، فبعد ثلاثة عشر عاماً من الحرب الأهلية والطائفية وعسكرة مناطق سوريا بعشرات بل بمئات الفصائل والتنظيمات من كل الخلفيات والجنسيات إلى الحد الذي أحال سوريا إلى مختبر تجريبي لنماذج إدارة صراع وحكم آيديولوجي للمناطق المحررة من «داعش»، و«جبهة النصرة» ثم الحكم الأصولي الذي أحدث قطيعة مع التطرف العالمي مع تشكّل «هيئة تحرير الشام» في إدلب، ثم التحالف مع فصائل مدعومة من تركيا لما يشبه الإسلام العسكري المحلي المدعوم من الخارج، في مقابل تجربة الأكراد مع «قسد»، وكثير من الفوضى والترقب في مناطق بعيدة عن نفوذ اللاعبين على الأرض السورية، أو ما يسمى «فواعل ما دون السلطة Non state actor».

أكثر من نصف قرن من نظام «البعث» يمكن أن نتفهم ونبرر بزواله كل هذا الفرح والابتهاج والتفاؤل، لكنّ التحديات التي تواجه سوريا، موحدة بهوية عربية جامعة لكل المكونات، كبيرة ومعقدة ومخيفة أكثر من أي منطقة مسّتها رياح التغيير بسبب الجغرافيا والموارد والأطراف المؤثرة على البلاد من خارجها، مما يتسبب في مخاطر هائلة من انعدام الثقة والخوف من المجهول، لا سيما مع تكشف المشاريع التي تحاول ملء الفراغ ليس على مستوى النظام البائد المنهار والمنكشف، وإنما الفراغ الإيراني، وهو ما يفسر التحركات التركية حتى قبل تدخل الأمم المتحدة والدول العربية بمساعدات دولية تخفف من تصدعات الفراغ. وهناك مناوشات قد تتحول إلى معارك على الأرض بين القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة والجيش الوطني السوري، وهو مزيج من الفصائل المسلحة لا يجمعها سوى رعاية تركيا ورئيسها رجب طيب إردوغان الذي يسعى لتوسيع نفوذه على الأرض، بصفته أكبر المنتصرين من زوال الأسد، وليس ببعيد العبث الإسرائيلي بسوريا على طول الحدود السورية - اللبنانية، ومحاولته مغازلة المكونات الأقلوية، بينما هناك مساحات كبيرة من الكوادر المسلحة والتشكلات الصغيرة التي تجوب باقي المناطق، ممّن لم ينضووا تحت كيان المعارضة، و«هيئة تحرير الشام».

في المقابل هناك مخاوف حقيقية من عودة «تنظيم داعش»، وهناك الآلاف محتجزون بالقرب من عائلاتهم في مخيمات تؤمنها القوات الكردية، أشهرها مخيما الهول والباغوز، ثم حلفاء الأسد من جهة ثالثة يسعون لإنقاذ شيء من خسارتهم على الأرض عبر صفقات للاحتفاظ بالقواعد البحرية والجوية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

ماذا عن السوريين؟ لا شك في أن عودة الملايين من اللاجئين المنفيين، قرابة 12 مليون سوري، الذين يشكلون نصف سكان ما قبل الحرب، تطرح تحديات كبيرة على مستوى تطلعاتهم بشأن سوريا جديدة تمنحهم الحد الأدنى من كرامة العيش والأمان والولاء للأرض، على أساس أن مستقبل سوريا يجب أن يكون بيد السوريين ضمن خطة دولية مشتركة تقودها الأمم المتحدة، والجامعة العربية، ودول الاعتدال وفي مقدمتها السعودية، لتجنيب سوريا أي سيناريوهات محتملة لحرب أهلية وأعمال عنف أو توغلات دول أجنبية، والأهم توحيد هذا المزيج السوري المتنوع تحت حكومة قادرة على إدارة الانقسامات الطائفية والعرقية إلى وقت صياغة دستور جديد وإجراء الانتخابات.

نجاح سوريا في تخطي هذه العقبات وطمأنة السوريين قبل غيرهم حول مستقبلهم بحاجة إلى تجاوز لحظة النشوة إلى الفكرة، وعلى أنصار الفاعلين الجدد من خارج سوريا من دول وقنوات وشخصيات اعتبارية ألا يبالغوا في تقدير ما حدث ووصفه «بالفتح المبين» من دون قراءة السياق المعقد لنتيجة بدت سريعة، لكن نموذج «إدلب» والمطبخ الذي تم تحشيد الفرقاء فيه على إسقاط النظام بجدارة يحتاج إلى إنضاج فكرة الدولة بنموذج لا يكون طموحه «طالبان» أو «العدالة والتنمية»، حيث لا تحتمل سوريا الخروج من الهلال الشيعي إلى قوس أصولي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مستقبل سوريا مخاوف مشروعة مستقبل سوريا مخاوف مشروعة



GMT 21:54 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 21:53 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 21:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

هل «يتدمشق» الجولاني؟

GMT 21:52 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

الشرع والعقبة

GMT 21:50 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

جهود بحثية عربية لدراسات الطاقة

GMT 21:50 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

دمشق والسير عكس المتوقع

GMT 21:49 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

شرق أوسط جديد حقًّا

GMT 21:49 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

صلابة المسار الانتقالى

GMT 22:15 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 صوت الإمارات - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 22:19 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 صوت الإمارات - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 صوت الإمارات - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 05:05 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

بلقيس فتحي تفاجئ الجمهور بقرارها بشأن الزواج
 صوت الإمارات - بلقيس فتحي تفاجئ الجمهور بقرارها بشأن الزواج

GMT 22:09 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
 صوت الإمارات - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 12:08 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

يتناغم الجميع معك في بداية هذا الشهر

GMT 17:57 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قاوم شهيتك وضعفك أمام المأكولات الدسمة

GMT 15:49 2018 الجمعة ,28 كانون الأول / ديسمبر

صفاء مصطفى تكشف عن تشكيلة مُميزة لـ "إكسسوارات" شتاء 2019

GMT 16:47 2017 الخميس ,14 كانون الأول / ديسمبر

بي ام دبليو تعمل على الجيل الجديد من "M3" بتمويهات كثيفة

GMT 11:54 2013 الجمعة ,05 تموز / يوليو

20 منحة للمتفوقين في كلية حمدان الإلكترونية

GMT 17:58 2012 الأحد ,30 كانون الأول / ديسمبر

زويل و"البرنامج" في ليلة رأس السنة على "cbc"

GMT 17:45 2013 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

ندوة في الجامعة الاميركية عن القوى العالمية

GMT 12:39 2015 الجمعة ,25 أيلول / سبتمبر

علامة "جيمي شو" تقدم حقيبة "كاندي باريس" الحصرية

GMT 13:41 2017 السبت ,24 حزيران / يونيو

الشيخ طحنون بن محمد آل نهيان يزور محمد بن ركاض

GMT 12:50 2016 الثلاثاء ,21 حزيران / يونيو

"البسيمة" مع الشيف أسامة السيد لحلو الإفطار

GMT 20:53 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 03:02 2019 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

"قدم محمد صلاح اليمنى" تسيطر على صحف بريطانيا وأسبانيا

GMT 08:14 2018 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

«غوغل» تطور «أندرويد Auto»

GMT 16:28 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

الصين تعلن عن دورات مياه جديدة ذات تقنية مميزة

GMT 13:30 2013 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

تونس في المرتبة 60 عالميًا في مجال الأداء الطاقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates