المعضلة الجيوسياسية الحدود والنفوذ والسيادة

المعضلة الجيوسياسية: الحدود والنفوذ والسيادة

المعضلة الجيوسياسية: الحدود والنفوذ والسيادة

 صوت الإمارات -

المعضلة الجيوسياسية الحدود والنفوذ والسيادة

يوسف الديني
بقلم : يوسف الديني

إذا أمكن أن نحدد واحدة من مرجعيات الأزمات العالمية اليوم، فيمكن القول إنَّها تندرج تحت ثلاثية «الحدود والنفوذ والسيادة»، ومن دون الوصول إلى اتفاقيات تتجاوز الأطر التقليدية للعلاقات الدولية؛ فمن المرشح أن أزمات منطقة ملتهبة ومتوترة كالشرق الأوسط من السهل أن تنفجر مجدداً أو يصيبها متلازمة «العود الأبدي النيتشوية» للانهيارات والحروب الأهلية والنزاعات المسلحة بسبب خلل في أحد أركان تلك الثلاثية.

اليوم هناك اتجاهٌ مضاد للعولمة على المستوى الجيوسياسي بدا واضحاً مع مشروع الصين والاتفاقيات الثنائية، وتراجع دور الولايات المتحدة وفق صيغة ما بعد الأوبامية، فشعبوية ترمب، وصولاً إلى حالة الارتباك مع بايدن في ظل تحديات كبيرة طرحتها الأزمة الأوكرانية - الروسية، وأسئلة تخص مسألة السيادة والنفوذ والحدود، ومع أزمة غزة المضنية والتي لا يمكن الخروج منها من دون تصور واضح حتى لو سلمنا جدلاً بإنهاء قدرات «حماس» وتصفية قادتها، فهذه النزعات المقاومة هي ضمن نسيج مضخة هائلة من الأفكار والتيارات والمواقف برسم التبني من أي فصيل بغض النظر عن مرجعيته الفكرية أو السياسية.

مشاريع المستقبل في المنطقة مبنية على تحويلها إلى منافذ وحلقات وصل ومناطق صلات لوجستية، بهدف تدشين ممرات اقتصادية آمنة تربط بين القارات، وخصوصاً آسيا وأوروبا، ومن هنا يمكن فهم هذا الزخم الكبير والتنافس المحدود بين تلك المشاريع، وأبرزها الحزام والطريق الصيني والممر الهندي بين الشرق الأوسط وأوروبا، ومنها لا يمكن لهذه المشاريع التي هي في الأساس محاولة لتفعيل «الحدود والنفوذ» من أجل بناء شراكات اقتصادية مستدامة، أن تنجح دون صيغة تفاهمية تتجاوز عصر «القطب الواحد» أو الهيمنة المبنية على القوة فحسب، لا سيما مع تحولات هائلة وجذرية في مفهوم الحرب، خصوصاً مع عدم تكافؤ الأطراف وتغليب مسألة «الأثمان» والقدرة على الانخراط في إدارة حرب طويلة منهكة ولو لم تكن متكافئة، وهي مسألة كُتبت عنها العديد من الأوراق في مراكز الأبحاث وخزانات التفكير منذ لحظة العراق الكاشفة، وصولاً إلى عودة «طالبان» وتسليم أفغانستان وما بينهما من أزمات أعادت مفهوم «التجذر والنسيج» وعلاقته بتغيير المعادلة في مناطق التوتر والدول المنهارة.

ومن هنا، فالمسألة الجيوسياسية اليوم عامل إرباك وتوتير في المنطقة مع حدة التنافس بين الولايات المتحدة والصين، لا سيما مع حالة التحشيد للحلفاء بين الدولتين ومحاولة واشنطن تحييد الخيارات المتنوعة للدول، أو بمعنى آخر تفعيل السيادة والمصلحة الوطنية ومنطق السوق والعرض والطلب، وهو ما لا يمكن دون تجاوز مسائل ومصطلحات نُقلت من مجال العلاقات الدولية، لكنها لا يمكن أن تكون مؤثرة في المسألة الجيوسياسية، ومنها مسألة التعايش والسلام أو التعددية والتطبيع... إلخ. فالتوترات على الحدود، وهي التحدي المرشح مع دخول مشاريع الممرات الاقتصادية حيّز التنفيذ، قد تساهم في خلق حالة من الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة.

الحزام والطريق والممر الاقتصادي هما استدعاء لهذه المنافسة الصينية - الأميركية، لكن من خلال الاستثمار في الحدود أكثر من النفوذ، وعلى الأرض أكثر من الدبلوماسية بمفاهيمها المجرّدة والتي بدأت تعاني كثيراً على مستوى حيادها وقدرتها على حل النزاعات، في ظل الازدواجية والتحيّز والتناقضات التي طفحت بها المواقف منذ اختبار غزة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

السعودية اليوم برؤيتها 2030 الطموحة والتي تجاوزت تأثيرها الداخلي إلى اعتبارها نموذج نجاح وإلهام للمنطقة، أدركت بفضل خبرتها العريقة في التعامل مع الأزمات، وفي ظل تقاليد راسخة لبيت الحكم التي جسدتها ثنائية الحزم والأمل، طرحت عبر السنوات الماضية رؤى تقدمية على مستوى العلاقات الدولية والوقوف المحايد تجاه كل الأطراف، لكنها تدرك أنه في ظل التوترات المستمرة بين إيران وإسرائيل والتهديدات المماثلة من المشاريع التقويضية الشمولية، لا يمكن أن تنجح هذه المشاريع من دون رؤية شاملة للحل، لا سيما مع حالة التصعيد والأعمال العدائية التي تكثفت ما بعد حرب غزة، فالحزام والطريق لا يمكن أن ينجح مع بقاء المشروع النووي الإيراني وتفعيل أذرعها المسلحة لتحديد المنطقة، كما أن الممر الاقتصادي الذي تقوده الهند يطرح مسألة السلام مع إسرائيل كأولوية أمنية، وهو ما لا يمكن أن يحدث دون حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية.

مشاريع المستقبل الجيوسياسية المتمثلة في الممرات الاقتصادية، رغم كل ما يحيط بالتسويق لها من قبل الدول المؤسسة لها، ستعاني من عقبات أمنية وتعقيدات كبيرة في منطقة كالشرق الأوسط التي تضج بالاضطرابات والتوترات رغم أهميتها الجغرافية والاستراتيجية، ومن هنا يتأكد مع المقاربة السعودية التي تطرحها في تعاطيها مع كل هذه الملفات، ضرورة الاستماع للرياض!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعضلة الجيوسياسية الحدود والنفوذ والسيادة المعضلة الجيوسياسية الحدود والنفوذ والسيادة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates