أمن البحر الأحمر والمقاربات الخطرة

أمن البحر الأحمر والمقاربات الخطرة

أمن البحر الأحمر والمقاربات الخطرة

 صوت الإمارات -

أمن البحر الأحمر والمقاربات الخطرة

بقلم : يوسف الديني

ظلت منطقة البحر الأحمر هدفاً للقوى الكبرى منذ عقود بسبب الموقع الجغرافي الاستثنائي، وقد حاولت الاستثمار في ذلك على المستويين السياسي والعسكري عبر إقامة قواعد عسكرية لحماية سفن بلادها من أعمال القرصنة، وحماية التجارة الدولية وناقلات النفط، وهو منذ زمن طويل أهم الممرات الدولية بسبب ربطه بين الشرق والغرب، وعلى ضفافه فشلت محاولات استعمارية كبرى كان أشهرها محاولة بونابرت اجتياح مصر في 1798م، وبعدها أعيدت فكرة القناة المتخيلة في عهد الفراعنة لتصبح واقعاً على يد جان باتيستلوبير، ولاحقاً افتُتحت قناة السويس في 1867م، وتقاسمها البريطانيون والفرنسيون والإيطاليون إلى أن تفكك المشروع بعد الحرب العالمية الأولى، ثم عادت الممرات البحرية في الشرق الأوسط على أوجه صعودها مجدداً بعد استحواذ قناة السويس على العمليات التجارية برأس الرجاء الصالح، ثم جاء الصعود العظيم مع اكتشاف النفط ونهضة المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج ليصبح الشريان الأهم لحركة تجارة العالم.

وبإزاء محاولات الغرب ظهرت مع المشاريع التوسعية لتركيا وإيران مشاريع موازية حيث حاولت إيران وتركيا الدخول إلى البحر الأحمر عبر الصومال والسودان وبجزء من التبني الآيديولوجي من قبل طهران للحوثيين الذي استحال بسبب فشل المجتمع الدولي في التعامل مع المخاوف والتحذيرات الصارمة التي أطلقتها السعودية، وطالبت الرياض في أكثر من مرة بالاستماع جيداً إلى مقاربتها لأمن الخليج والمنطقة والتحديات التي خلقتها سياسات الإهمال الدولية.

واليوم، تحاول القوى الدولية تكرار المقاربات الخاطئة بمقاربة أكثر خطورة لمعضلة أمن البحر الأحمر، وقد سبّبتها اليوم حالة إهمال أخرى وهي الانتهاكات الإسرائيلية في غزة والتي يتخذها الحوثيون ذريعة لترحيل أزمة أكبر تتصل بإيران وإدارة الساحات، ولمحاولة التحشيد لأوراق تفاوضية وشعبوية، ولا يمكن حل ذلك من دون استراتيجية لمفهوم الأمن القومي البحري الخاص بالدول ذات العلاقة وعلى رأسها السعودية؛ لأنها المعنية بشكل أساسي بأمن البحر الأحمر أكثر من بقية الدول المطلة عليها، فهي تطل على الجزء الأكبر من الساحل، وهو شريان العالم، 12 بالمائة من التجارة العالمية و40 بالمائة من التجارة بين آسيا وأوروبا، إضافة إلى التموضع التاريخي والجغرافي والديني لما تشكله الموانئ السعودية وفي مقدمها بوابة الحرمين مدينة جدة، الذي لعب فترة الإسلام المبكر دوراً أساسياً في تشكيل العلاقة بين المدن المقدسة والعالم.

هناك محاولات اليوم لمقاربات منفردة خطرة تحتاج إلى الكثير من المراجعات والوقوف عندها بسبب تأثيرات سلوك القرصنة لميليشيات الحوثي، ورغم أن البعثة البحرية الجديدة للاتحاد الأوروبي في البحر الأحمر تحاول التعامل مع تداعيات وتحديات حالة عدم الاستقرار، وتقول في خطابها المعلن إنها تسعى للتنسيق مع اللاعبين الأساسيين في المنطقة، فإن إطلاق قوة «أسبيدس» جاء في اتجاه منفرد ومن زاوية القراءة السياسية من دون بذل أي محاولات لمعالجة أزمات المنطقة، ومنها العدوان الإسرائيلي الشرس على غزة ما قد يفاقم الأزمة، خصوصاً مع أسلوب الضربات السريعة المتفرقة للحوثيين أو مجرد الاكتفاء بالمواقف الدفاعية من دون استراتيجية أمنية طويلة الأمد تستند إلى دور أساسي للسعودية بوصفها اللاعب الأهم والفاعل الأكثر تأثيراً في المنطقة.

لا يمكن خلق حالة إجماع أمني في مسألة البحر الأحمر مع انقسام أخلاقي وسياسي حول العدوان على غزة، وتعميق حالة الانسداد لأي حل يحاول توسيع دائرة النظر، وتحويل المقاربات من ردات الفعل إلى الاستراتيجيات حول سؤال أساسي: ما مستقبل غزة والقضية الفلسطينية والملفات العالقة في أمن المنطقة؟

الاستراتيجية لأمن البحر الأحمر شأن إقليمي بالدرجة الأولى يعبر عن توازن القوى المطلة عليه والقريبة منها تتقدمها السعودية ثم مصر والأردن مع الأخذ بالحسبان الأزمة اليمنية في منظورها الأشمل المتصلة بمفاهمات الحل الدائم، وهي تتجاوز مسألة الحوثيين.

الاهتمام بأمن البحر الأحمر في الاستراتيجية الأمنية السعودية ليس وليد اليوم، فالتفكير في أهميته بدأ مبكراً قبل 67 سنة ففي عام 1956م عقدت المملكة العربية السعودية «ميثاق جدة» لإقامة نظام أمن مشترك في البحر الأحمر، وتوالت الاتفاقات عقب ذلك مع الدول المطلة عليه، وتدخلت السعودية بثقلها في فترات متعددة من الأزمات المتصلة بالبحر الأحمر أو الأطماع والمشاريع التوسعية من الصراع الإثيوبي - الإريتري والسوداني والأطماع والتحركات الإسرائيلية والتركية والإيرانية، كل وفق قدرته على استمالة الدول التي تقع في القرن الأفريقي والتغلغل في نزاعاتها الأهلية.

أمن البحر الأحمر قضية مهمة ومعقدة لا يمكن أن يجري تناولها عبر ردات الفعل بسبب تداخل المصالح والتأثير الدولي، وضرورة المواءمة مع الفاعلين الرئيسيين وأي محاولة لمعالجات سطحية أو مقاربات خطرة ستزيد من عمق الأزمة.

الاستماع للرياض اليوم أمر ضروري وملح خصوصاً مع رؤيتها الطموحة والشمولية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقدرتها على خلق دبلوماسية بحرية ومقاربة جيوسياسية قادرة على إدارة هذه الأزمة استناداً إلى رؤية واستراتيجية وليس عبر ردود أفعال نيئة وعجلة قد لا تحمد عواقبها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أمن البحر الأحمر والمقاربات الخطرة أمن البحر الأحمر والمقاربات الخطرة



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates