كِتاب غزة

كِتاب غزة

كِتاب غزة

 صوت الإمارات -

كِتاب غزة

بقلم - مأمون فندي

ماذا لو طُلب منك أن تكتب كتاباً عمَّا شاهدته من حرب الإبادة على غزة وكيف تُقنع المغايرين بوجهة نظرك؟

لا بدَّ أنك ستبدأ أولاً بالتعريف القانوني لمعنى الإبادة الجماعية، وهل ما جرى في غزة خلال ما يقرب من عام تقريباً يقع داخل التعريف القانوني للإبادة؟ هناك بالطبع القضية المرفوعة من دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل والمرافعات الإسرائيلية أمام محكمة العدل الدولية، التي تضع ما جرى في غزة في بداية الحرب في سياق الإبادة الجماعية، خصوصاً أن نية الإبادة متوفرة في الممارسات الإسرائيلية ضد أهل غزة، ثم تطورت الحرب بعد ذلك بأشهر عدة لتُثبت أن دعوى نية الإبادة كانت مبرَّرة تماماً. إذن ما يجري وبشكل قانوني وموثَّق يقع في منتصف دائرة تعريف الإبادة الجماعية.

إذا كانت هذه إبادة حسب التعريف، فلماذا فشل المجتمع الدولي في وقف هذه الإبادة؟ بل هناك أدلة تقول إن القوى العظمى كانت شريكاً متضامناً من خلال الدعم العسكري المستمر لإسرائيل، وكذلك الدعم المادي خصوصاً من الولايات المتحدة. وإذا ما قورنت تكلفة الدعم العسكري والمادي الأميركي لإسرائيل، مقابل الدعم الإنساني لأهالي غزة لانكشف الأمر أمامك بوضوح؛ فالدعم الإنساني لأهل غزة لا يساوي حتى نصف في المائة، من دعم آلة القتل التي تحصدهم.

وما معنى ذلك بالنسبة لعالم تحكمه القيم والقانون؟ فهل ما زلنا نعتقد بأهمية القيم الإنسانية والقانون الدولي؟ وما تبعات تآكل إيماننا بهذه القيم؟

للمؤمنين بالسلام، أول الأمور هو الاعتراف بجريمة الإبادة وإنكار فكرة أن دولة ما، أو جماعة ما، تستطيع أن تقوم بهذه الفعلة الشنيعة دونما عقاب. في حالة إسرائيل لا بد من إعادة النظر في موضوع أنهم الشعب الوحيد الذي تعرَّض لظلم تاريخي، ولا بد من دراسات مقارنة للظلم التاريخي لكي تتضح الرؤى، فمظلومية إبادة الأرمن ليست بأقل قيمة من مظلومية اليهود، كما أن جرّ الناس في سلاسل من أفريقيا واستعبادهم في العالم الجديد ليست مظلومية أقل، كما أن الإبادة على يد الألمان في ناميبيا في 1905، التي كتبت عنها في هذه الصحيفة من قبل، ليست أقل أهمية، بل في الحقيقة كانت مقدمة لإبادة اليهود لو انتبه العالم يومها. كما أن الإبادة الجماعية من البريطانيين في كينيا عام 1945 لم تكن أقل، واستعملتها إيطاليا الفاشية في ليبيا، ومشروع فرنسا للإبادة في الجزائر... غزة جزء من عطن أخلاقي أصاب العالم، وبداية العطن هي فكرة أنْ لا مظلومية تتفوق على مظلومية اليهود. هذه الانتقائية هي التي جعلت «تفاحة الأخلاق تَفسد إلى لُبّها».

لا يستقيم حال العالم إلا بمسطرة أخلاقية واحدة، ولا يستقيم إلا باعتماد القانون الدولي مسطرةً لقياس سلوك الدول، وأن يُفعَّل القانون من خلال مؤسسات مستقلة مثل محكمة العدل الدولية التي يجب أن يعاد النظر فيما يخص تنفيذ قراراتها بآليات جادة وفاعلة.

كتاب غزة هو تحوُّل ليس في منطقتنا فحسب بل في إعادة النظر في القيم العالمية كلها. غزة اليوم، وربما لأول مرة، هي الخط الفاصل في الانتخابات الرئاسية الأميركية، وربما لا يختلف دونالد ترمب عن كامالا هاريس إلا بالمزايدة في الوقوف إلى جانب إسرائيل، ولكن المحرك في كل هذا هو غزة. غزة هي التي أعادت الحياة إلى الحركة الطلابية الأميركية التي ستكون عاملاً مؤثراً في هذه الانتخابات.

غزة ليست حدثاً داخل فلسطين، ولا حدثاً إقليمياً... غزة فرضت نفسها حدثاً عالمياً، كشفت عوار قيم ما بعد الحداثة، وجعلت العالم ينظر إلى وجهه في المرآة ليرى قبح واقعنا العالمي، ويدفعنا إلى إعادة النظر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كِتاب غزة كِتاب غزة



GMT 19:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تحت البحر

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

انتصرنا

GMT 19:45 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفكر السياسي سيرورات لا مجرّد نقائض

GMT 19:44 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

«إنت بتفهم في السياسة أكتر من الخواجه؟!»

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس ترمب؟!

GMT 19:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مجموعة العشرين وقمة اللاحسم

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لو أنه أنصف لبنان

GMT 19:42 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مأساوية الحرب وأفكار النهايات

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates