رغم أنَّ اليمن هو السعيد، أو السعيدة، في وصف الجغرافيين الإغريق القدامى، وبلاد البخور والتجارة والعلم والشعر والحكمة والقهوة وحضارات سبأ ومعين وحمير وغيرها، لكنَّه منذ زهاء قرن من الزمان - على الأقل - يخرج من حرب ليلجَ في أخرى، يغادر كرباً ليلاقي نصَبَاً.
حالياً لا حديث يغلب أمن البحر الأحمر من القرصنة ومن خلفها الإغواء الإيراني، احتشدت جيوش الغرب، في «أنبوب» المندب، في صورة تشبه ما ذكره عمّنا الضخم أبو الطيب المتنبّي حين وصف «جبهة» الأعداء بقيادة الروم، ضدّ أميره وممدوحه، سيف الدولة بن حمدان التغلبي، إذ قال في رائعته التي مطلعها:
عَلى قَدرِ أَهلِ العَزمِ تَأتي العَزائِمُ
واصفاً هذه الجيوش المختلفة:
تجمَّعَ فيه كلُّ لِسنٍ وأُمَّة
فما تُفهِمُ الحُدّاثَ إِلّا التراجمُ
أميركا تشحذ سيوفَها وتشهر رماحَها، عسكرياً واستخبارياً وسياسياً، لتجلبَ معها من ترى فيهم صورة الحلفاء في الشرق الأوسط للانخراط معها في هذه الحرب، مع أميركا غربها أو أغلب غربها.
عرب البحر الأحمر، وجزيرة العرب، وحتى شرعيو اليمن، ليسوا متحمسين لهذه الصولة الأميركية «المتأخرة»، وما ذاك بسبب شفقة على السلاح الحوثي، أو حذراً على ديمومة السلوك الميليشياوي على جسم الدولة والالتحاق بمسارات المشروع الإيراني. كلّا، بل بسبب الريبة من مضاء العزم الأميركي وصلابته إلى النهاية الطبيعية، ومن جرَّب المجرّب... والعرب تقول في أمثالها:
ولِّ حارّها من تولّى قارّها.
أي دع الذي استمتع بزمن الرخاء والتسويف يعالج وقت الشدّة والحزم.
نعم الخطر كبير في البحر الأحمر، وحال التجارة الدولية في غاية الحرج، وقد قالت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، إنَّ الاضطرابات التي تعتري الملاحة وإعادة توجيه السفن لتجنب الإبحار في البحر الأحمر ستبقي على «علاوة المخاطر» المتعلقة بالأوضاع السياسية في أسواق السلع الأولية.
لكن، هل هذا بداية الحكاية أم نهايتها؟!
أعني، ألم يكن جهد التحالف العربي قبل سنوات - كان بالضبط - لمنع تدهور الحال إلى ما نراه اليوم، فمن منع الرجال من إنهاء مهمتهم؟!
اليوم يحمّل وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الولايات المتحدة مسؤولية احتمال امتداد الصراع في الشرق الأوسط بسبب هجماتها على اليمن، ومثله وزير الخارجية الإيراني عبداللهيان. ومتوقع أن يشمت أعداء أميركا بها، إن لم يتجاوز الأمر الشماتة.
منذ عام 2004 كدّس الحوثيون كميات ضخمة من الأسلحة؛ خصوصاً لدى سيطرتهم على صنعاء، حيث وضعوا يدهم على صواريخ الحرس الجمهوري اليمني، وعلى كل ما كانت تملكه ألوية القوات الجوية والبحرية.
فكيف حالهم اليوم؟!
عطفاً على كل ما ذكرناه، وغيره، يصبح مفهوماً موقف السياسة السعودية حِيال الجاري اليوم بمياه البحر الأحمر، وهو الذي كثّفه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، حين قال لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «نحن بالطبع نؤمن بشدة بحرية الملاحة. وهذا شيء يجب حمايته. لكننا بحاجة أيضاً إلى حماية أمن واستقرار المنطقة. لذلك نحن نركز بشدة على تهدئة الوضع قدر المستطاع»، حسب «رويترز».
التنمية والهدوء هما الأولوية اليوم، أما الأميركان ومن معهم فـgood luck.