بقلم - مشاري الذايدي
لدى السعودية خطة كاملة للتحول الاقتصادي والتنموي والإداري والثقافي، توجد كل مفرداتها في تضاعيف رؤية السعودية 2030، وما عاد الأمر تحت ضغط التشكيك، بل ملامح ملموسة ومحسوسة يدركها الخارج قبل الداخل.
هي مشاريع ضخمة، تشمل كل مناحي الحياة، وهدفها الرئيس الارتقاء بالدولة السعودية والمجتمع إلى معايير المنافسة العالمية، وهذه برامج عمل وليست عظات خطابية تنموية.
خطة التحول هذه، تعني رفع مستوى الأداء الحكومي، وتعزيز القطاع الخاص، وخلق مغريات لجلب الاستثمارات العالمية وتوطين الصناعات المتقدمة، وترشيد الإنفاق الحكومي و«ترشيق» الجهاز الحكومي بعد سنوات من السمنة المفرطة في هذا الجهاز. بكلمة، الاقتراب من المعايير الحاكمة للدول الأولى في العالم، وهذا يعني رفع مستوى تحصيل الضرائب وتقويمه، وتخفيف الدعم الحكومي للمحروقات والسلع، هذه وغيرها ربما تلقي بظلالها على طبقات معينة من المجتمع، لا تقدر «اليوم» على اللحاق بالقطار الحكومي السريع.
في الآن نفسه، تدرك الدولة السعودية مسؤوليتها الخاصة تجاه هذه الطبقات والفئات من شعبها، ولم ولن تتعامل معهم بإهمال ولا مبالاة، على طريقة الإداريين «الثلجيين» لكبرى الشركات والبنوك.
الدولة اقتصاد... هذا صحيح، لكنها سياسة أيضاً، ومع هذا وذاك، عقد اجتماعي وصلة تاريخية عميقة الجذور، ولم ولن تترك «أهلها».
من هنا نفهم سلسلة القرارات التي اتخذها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان عطفاً على ما رفعه له ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قبل يومين.
فقد أصدر الملك سلمان أمراً ملكياً بالموافقة على تخصيص دعم مالي بمبلغ 20 مليار ريال (5.3 مليار دولار) لمواجهة تداعيات ارتفاع الأسعار عالمياً، خصص منها 10.4 مليار ريال (2.7 مليار دولار) كتحويلات نقدية مباشرة لدعم مستفيدي الضمان الاجتماعي، وبرنامج حساب المواطن، وبرنامج دعم صغار مربي الماشية، على أن يخصص بقية المبلغ لزيادة المخزونات الاستراتيجية للمواد الأساسية والتأكد من توفرها.
موافقة الملك سلمان أتت بعد ما رفعه ولي العهد بتخصيص الدعم لمستفيدي الضمان الاجتماعي لمواجهة تداعيات الأسعار العالمية.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، قد شدّد وهو يرأس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنموية على الأدوار المهمة للوزارات والأجهزة الحكومية ذات الصلة بمراقبة التطورات الدولية بما في ذلك المتعلقة بسلاسل الإمداد، ومتابعة الأسواق ووفرة المنتجات ومستويات الأسعار، وحماية المنافسة العادلة وتشجيعها، ومكافحة ومنع الممارسات الاحتكارية التي تؤثر على المنافسة المشروعة، أو على مصلحة المستهلك.
في لغة «البنك الدولي» ومريدي البنك الدولي «ربما» هذه قرارات لا تنسجم مع معاييره الحادّة في العناية الحكومية بالفئات الضعيفة بسبب التحولات الاقتصادية، ولكن في لغة الدولة الراشدة الواعية بالتزاماتها التاريخية وروابطها الاجتماعية بنسيج الشعب، هذا هو النهج الصحيح. الفرادة تكمن في عدم طغيان مسار على مسار، تحوّل حديث للدولة، وعناية أسرية بالأهل... بينهما برزخ لا يبغيان.