أم كلثوم صوت الشعب والثورة والوطن

أم كلثوم صوت الشعب والثورة والوطن

أم كلثوم صوت الشعب والثورة والوطن

 صوت الإمارات -

أم كلثوم صوت الشعب والثورة والوطن

بقلم -طارق الشناوي

هذه هى أيام أم كلثوم، التى أنعشت ولا تزال الضمير الجمعى للمصريين والعرب، مطلع الشهر القادم نحتفل باليوبيل الذهبى لرحيل أعظم وأجمل وأكمل وأنقى الأصوات فى العالم، بشهادة كل العلماء الذين أخضعوا صوتها للمقاييس العلمية، فهى واحدة من المعجزات البشرية، وكان رأى عبدالوهاب أنها الصوت الوحيد فى الدنيا الذى جمع بين النقيضين الكمال والجمال. قبل نحو نصف قرن، كان خبر رحيلها هو «المانشيت» الرئيسى، قبلها بيومين كانت الدولة قد مهدت للناس الرحيل بمانشيت (أم كلثوم تصارع الموت)، قضت أم كلثوم أيامها الأخيرة فى المستشفى العام العسكرى، بعد أن تم نقلها من فيلتها فى الزمالك بشارع «شجرة الدُر» وصاحبتها جنازة عسكرية، كان جثمانها الطاهر يحمله الجنود، ورغم ذلك اخترق الملايين الذين أحاطوا النعش، تلك الطقوس الصارمة، لتحظى بجنازة شعبية، ولم يسبقها فى جلالها قبلها بخمس سنوات سوى وداع جمال عبدالناصر، فلحقت زعيمة الغناء العربى بزعيم الوطن العربى، وكأن الأمة العربية كلها تودع حقبة من التاريخ.

ما تبقى فى الذاكرة من يوم الوداع الذى تم توثيقه فى فيلم بعد رحيلها بأكثر من خمس سنوات، يعلق عليه صوت جلال معوض الإعلامى الكلثومى الناصرى فى جيناته، فلقد ارتبط بالاثنين، وكما عانت أم كلثوم فى زمن السادات، عانى جلال معوض أيضًا، وهذه قصة أخرى، برغم أن السيدة جيهان السادات كثيرًا ما حرصت على تكذيب اضطهاد أم كلثوم فى زمن السادات، إلا أن الحد الأدنى، هو أن الدائرة التى تملك الإعلام، اعتقدوا وقتها أن تهميش أم كلثوم سيلقى صدى إيجابيا عند جيهان، وهكذا بدأ كل شىء ينسحب منها، حتى صحتها خذلتها، ولم تعد قادرة على الغناء.

ارتبطت أم كلثوم وجدانيا بمصر، غنت مع مطلع ثورة ٥٢ بكلمات رامى وتلحين السنباطى (مصر التى فى خاطرى وفى فمى)، أيدت أم كلثوم الثورة منذ اللحظة الأولى ولها لقاءات عديدة مع اللواء محمد نجيب قائد الضباط الأحرار، وأول رئيس لمصر، ولكنها بعد الاعتداء على جمال عبدالناصر عام ٥٤ فى ميدان المنشية غنت له (يا جمال مثال الوطنية/ أجمل أعيادنا الوطنية/ بنجاتك يوم المنشية)، أجرى بعد ذلك الشاعر بيرم التونسى تعديلًا عام ٥٥ لتصبح بدلا من (سلامتك يوم المنشية) (برياستك للجمهورية) وبعد الوحدة مع سوريا عام ٥٨ أجرى تعديلًا ثالثًا لتصبح (للجمهورية المتحدة)!. وكان الجمهور فى الصالة يتحول إلى كورال يردد وراءها الكلمات، بعد أن تتوجه إليهم قائلة (ردوا على) ولو استمعت إلى التسجيل ستجد أن صوت الحاضرين كان يعلو على صوت أم كلثوم!!.

عبدالناصر الكلثومى المزاج فكان سميعًا ولهذا أثناء حصار الفالوجا عام ١٩٤٨ فى حرب فلسطين، أرسلوا لأم كلثوم عن طريق القيادة العسكرية رغبتهم فى الاستماع إلى أغنية (غُلبت أصالح فى روحى)، لزيادة معنوياتهم، وكانت الأغنية من اقتراح عبدالناصر، وظلت أم كلثوم على تواصلها مع الجيش، ووجهت الدعوة لجنود الفالوجا. أم كلثوم التى ولدت قبل نهاية القرن التاسع عشر ببضع سنوات ربما خمس، فلا يوجد توثيق، ولم تكن أم كلثوم تذكر فى الأوراق لرسمية سوى أنها من مواليد ١٩٠٨، وهو بالتأكيد ليس صحيحًا، هناك اختصار ما بين عشرة إلى خمسة عشر عاما، وهو ما ذكره فى أحد مقالاته الكاتب الكبير مصطفى الفقى، عندما كان يشغل منصب سكرتير فى السفارة المصرية بإسبانيا، وفى رحلة علاج لعينيها كان فى استقبالها، ولاحظ وهو ينهى إجراءات السفر أن عمرها فى جواز السفر اقل بكثير من عمرها الحقيقى، ولم يذكر ما عدد السنوات التى اختصرتها.أم كلثوم عاشت زمن الملكية، عاصرت ملكين فؤاد وفاروق وغنت لفاروق وغنت لجمال إلا أنها لم تكن تغنى للحصول على مكسب خاص.

دائما يقولون إن أم كلثوم فعلتها وغنت للملك فاروق ثم لجمال ورفضت الغناء للسادات، ودليلهم أنها لم تغن لانتصار أكتوبر، الحقيقة أنها كانت حتى بدايات عام ٧٣ قادرة على الصعود إلى خشبة المسرح، ثم لم تسعفها صحتها وآخر أغانيها (حكم علينا الهوى) سجلتها فى الاستوديو، وكانت بالفعل حريصة أن تغنى لأكتوبر، وكتب لها الشاعر مأمون الشناوى أغنية عن انتصار أكتوبر، وبدأ السنباطى فى تلحينها، لم تتمكن من تسجيلها. الغناء لعبدالناصر كان مرتبطًا بآمال عشناها حتى ٦٧، وأفقنا بعد الهزيمة وغنينا للوطن المجروح، السادات حكم مصر وهى تعيش مرارة الهزيمة، فلم يغنوا باسمه وغنوا له بعد انتصار ٧٣، وللتوثيق غير صحيح أن عبدالحليم حافظ فى أغنية (عاش اللى قال)، تعمد ألا يذكر اسم السادات، فلقد كانت هناك إشارة مباشرة لاسمه، إلا أن السادات هو الذى طلب عدم ترديد اسمه، عندما عرض عليه وزير الإعلام عبدالقادر حاتم الأغنية قبل إذاعتها، وجد أن (عاش اللى قال) تكفى جدا، كل الناس تعرف أن السادات هو اللى قال، ملحوظة الإذاعى الراحل وجدى الحكيم الذى كان مشرفًا فى تلك السنوات على التسجيلات الغنائية، هو الذى ذكر لى تلك المعلومة، فلم يكن حليم ولا أم كلثوم قادرين على تحمل تبعات تجاهل الرئيس.

عندما قامت ثورة ٢٣ يوليو، قرر أحد الضباط الصغار منع صوتها من الإذاعة المصرية بحجة أنها غنت للملك فى العهد البائد، فقال عبد الناصر إذن امنعوا أيضا النيل لأنه من العصر البائد.

أم كلثوم لعبت دورا بطوليا فى أعقاب الهزيمة بحفلاتها التى كان يذهب عائدها للمجهود الحربى فى العديد من المحافظات المصرية انتقلت إليها وللدول العربية وغنت فى باريس، وعندما رحل عبدالناصر غنت له (رسالة إلى الزعيم).

(دار أم كلثوم للخير) كان مشروعها الأثير ولكن جيهان السادات أنشأت مشروعًا آخر (الوفاء والأمل) وكان لابد من أن تنحاز كل أجهزة الدولة إلى السيدة جيهان السادات، ووجدت أم كلثوم أن كل شىء ينسحب بعد رحيل عبدالناصر، برغم أن السادات عاشق لأم كلثوم، ولها مكانة استثنائية وكان مجلس قيادة ثورة يوليو قد أرسله ليصاحبها حتى المطار عندما سافرت لرحلة لعلاج الغدة الدرقية فى عينيها.

هل كل أغانى أم كلثوم كانت عظيمة على المستوى الإبداعى والفكرى؟ بالتأكيد لا مثلا عندما تغنى عند إنشاء السد العالى (حولنا مجرى النيل/ يا سلام على ده تحويل/ ح يكون تحويل لحياتنا / يا سلام عل ده تحويل) كلمات لا يمكن سوى أن تصفها بالرداءة، ولديكم مثلا (الزعيم والثورة وفوا بالوعود /لسه دور الشعب يوفى بالعهود) الحقيقة أن الأغنية حملت اتهامًا قاسيا للشعب كله. والمعروف أن جمال عبدالناصر تدخل للحذف والتعديل بعد هزيمة ٦٧ مباشرة فى قصيدة (جيش العروبة يا بطل الله معك/ ما أروعك ما أشجعك/ مأساة فلسطين تدفعك/ نحو الخلود /حول لها الآلام بارود/ من مدفعك) ومن الواضح أن هناك انكسارة فى تعبير (راجعين بقوة السلاح) وفى نفس المرحلة الزمنية غنت قصيدة (أصبح عندى الآن بندقية) فى أول لقاء لها مع نزار قبانى، وسمحت لعبدالوهاب أن يسجلها بصوته وبفرقة موسيقية كاملة لإحساسها بأن الهدف ليس المنافسة مع عبدالوهاب، ولكن الغناء للوطن.

ويطول الحديث عن أم كلثوم ولنا إطلالة قادمة!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أم كلثوم صوت الشعب والثورة والوطن أم كلثوم صوت الشعب والثورة والوطن



GMT 01:28 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

بك من هارفارد

GMT 01:27 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

السياسة وعقل الدول

GMT 01:27 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

لغز ميشيل أوباما!

GMT 01:26 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

المؤرخ الريحاني ورعاية الملك الكبير

GMT 01:25 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

هل يتجه الجنوب «جنوباً»؟

GMT 01:25 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

الدخان الرمادي في غزة!

GMT 01:24 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

ترمب الثاني... بين الجمهورية والإمبراطورية

GMT 01:23 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

من أول يوم

GMT 02:40 2025 الثلاثاء ,14 كانون الثاني / يناير

أخطاء شائعة تؤثر على دقة قياس ضغط الدم في المنزل

GMT 12:44 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

لكي يتمكن آدم من فهم حواء عليه إتباع هذة الخطوات

GMT 06:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

"إينوك" تبدأ بيع منتجات وتذكارات "إكسبو 2020 دبي" عبر "زووم"

GMT 16:08 2019 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

خادمة تتهم كفيلتها بضربها وإصابتها بـ "جلطة"

GMT 03:19 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الإصابة تبعد ريوس عن منتخب ألمانيا في تصفيات (يورو 2020)

GMT 18:07 2019 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

احذري حفل الزفاف الفخم قد يكون سببًا للطلاق المبكر

GMT 17:30 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

قادة دوليون يؤكدون قدرة السعودية على إنجاح "قمة الـ 20"

GMT 15:36 2019 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

مجلس الوزراء يعتمد العطلات الرسمية لعامي 2019 و2020
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates