بقلم - طارق الشناوي
مع مرور الزمن، عندما نتأمل الصورة من بعيد لبعيد، نستعيد مجددا قراءتها وإدراك تفاصيلها، نكتشف من خلال معايشة الصورة حقيقة الأصل.
فى حوار تليفزيونى لفريد شوقى حكى كيف أنه تعرض للطرد والإهانة من الفنان القدير زكى رستم، عندما زاره فى منزله أثناء تنفيذه فيلم (جعلونى مجرما)، كان فريد باعتباره بطلا ومنتجا وأيضا مشاركا فى كتابة القصة السينمائية، قد طلب من زكى رستم فى البداية أن يلعب دور عمه فى الفيلم، اشترط زكى أن يحصل على 800 جنيه، وقتها كان يعتبر رقما صخما وكعادته رفض زكى رستم الهبوط قليلا بالرقم.
بدأ تصوير الفيلم، بدون إسناد الدور لأحد، ثم اكتشف فريد ومخرج الفيلم عاطف سالم أثناء التصوير أنه لا بديل لزكى رستم، وقرر أن يذهب مع مدير الإنتاج رمسيس نجيب إلى منزل زكى رستم ويمنحه الأجر الذى طلبه، سأله زكى رستم فى نهاية اللقاء عن موعد التصوير حتى يقرأ السيناريو ويعايش الدور ويعد ملابس الشخصية، قال له فريد شوقى التصوير صباح الغد يا أستاذ، فما كان من زكى رستم سوى أن طرده من بيته متوعدا بالضرب لو كررها.
كان لا بد من البحث عن بديل، وفى لحظة اتصل فريد شوقى بسراج منير تليفونيا يخبره أن التصوير صباح الغد، وقبل أن يقرأ السيناريو قال له (من الفجر أنا معاك فى الاستوديو يا حبوب).
سراج منير تعامل مع العمل الفنى باعتباره (سبوبة) أو (نحتاية)، كما نطلق عليها هذه الأيام، ولم يفكر فى شىء سوى أنه سوف يتقاضى الثمن. ولا تزال تلك الإجابة مسيطرة على مجريات الأمور فى الدائرة الفنية وغيرها من دوائر الحياة، القطاع الأكبر من الفنانين- يشكل الأغلبية- يعتبر نفسه صاحب دكان يقدم بضاعة، وهو جاهز 24 ساعة لتقديم الصنف، ومن الممكن أيضا تقديم شروط ميسرة عند الدفع، لم يتعلم أن يقول أبدا لا.
والحجة المتداولة بين الجميع تسديد المصاريف والالتزامات العائلية، فهو صاحب حرفة وليس أمامه وسيلة أخرى لكسب العيش. ستكتشف مع الزمن، أن أغلب من اخترقوا حاجز الزمن، ولا تزال أعمالهم تحظى بالنجاح الجماهيرى عند عرضها فضائيا أو استعادة مقاطع منها عبر (اليوتيوب)، هم الذين قالوا بين الحين والآخر لا، مثلا عادل إمام (دسوقى أفندى) مساعد المحامى فؤاد المهندس فى مسرحية (أنا وهو وهى) صاحب اللزمة الشهيرة (بلد شهادات صحيح).
بعد النجاح قرروا استثماره فى أدوار مشابهة فكان على الفور يقول لا، قال لى إنه فقط كان من الممكن المجاملة فى أجره، وروى أنه والضيف أحمد رشحهما فريد شوقى فى أحد الأفلام، بعد نجاحهما معا فى فيلمها الأول (أنا وهو وهى)، كان أجر كل منهما 50 جنيها.
واتفقا معا بعد أن ازداد الطلب عليهما أنهما سوف يضاعفان أجرهما إلى 100، وتعمد فريد أن يلتقيهما معا، وقال إنهما معه فى فيلمه القادم وبنفس الأجر السابق، ولأنه فريد شوقى لم ينفذا الوعد الذى قطعاه معا ووافقا على 50 بلا نقاش، إلا أنهما ومنذ البداية لم يوقعا إلا بعد قراءة السيناريو.
أحيانا أقرأ أن تلك النجمة بمجرد أن طلب منها عادل إمام أن تقف معه لم تقرأ السيناريو وافقت على الفور، بينما مثلا كريم عبد العزيز، عندما رشحه عادل إمام لمشاركته بطولة فيلم (عريس من جهة أمنية)، 2004 فى بداية تحقيق كريم لنجومية الشباك، وجد أن الأوفق له فى هذا التوقيت، ألا يشارك فى بطولة فيلم تحت مظلة نجم بحجم عادل إمام واعتذر، وأسند الدور إلى شريف منير.
فى الحياة تفاصيل متعددة إما أن تصبح فيها زكى رستم وتقول (إزاى يا فندى) وربما يعلو صوتك بالغضب، أو تستمر حياتك فى منطقة متوسطة، بين القمة والسفح وعلى طريقة سراج منير تقول دائما نعم: (عندك من الفجر يا حبوب)!!.