بقلم: طارق الشناوي
أشعر بسعادة لعودة كاتبنا الكبير محمد جلال عبدالقوى إلى بيته ساحة الدراما التليفزيونية، فهو أحد أهم مبدعيها وعناوينها.
كانت هى ملعبه منذ الثمانينيات وحتى الآن، وله رصيد مُرصّع بمسلسلات اخترقت حاجز الزمن مثل: «المال والبنون»، و«الرجل والحصان»، و«غوايش»، و«أولاد آدم».. وغيرها.. إلا أننى أضع فى المقدمة، ليس فقط فى أعمال عبدالقوى ولكن فى مكانة استثنائية على مستوى الدراما العربية كلها، «الليل وآخره»، إخراج رباب حسين، وبطولة يحيى الفخرانى ونيرمين الفقى. فتح «جلال» الباب بهذا المسلسل لـ«تكنيك» فى الكتابة مغاير لما دأبنا عليه.
عبدالقوى صاحب بصمة ورؤية وموقف.. لا أنكر أننى بين الحين والآخر انتقدت عددًا من أعماله، التى أرى فيها سيطرة المعيار الدينى والأخلاقى على تناوله الدرامى، تلمح ذلك متجسدًا بقوة فى أكثر المسلسلات شعبية «المال والبنون»، يتكئ على معادلة تضع المال فى مواجهة البنون، مكسب هنا تقابله خسارة هناك.
ذائقتى الفنية تتعارض مع هذا الطرح الهندسى، ورغم ذلك فأنا أدرك تماما أن ما يتبناه ويعبر دراميا عنه، يلقى صدى وترحابا ورضا وقناعة من أغلبية الناطقين بالعربية، لأنهم وجدانيا تسكنهم تلك المعايير.
عودة جلال عبدالقوى أحيطت ببعض الألغام التى كادت تطيح بالمشروع، عندما اكتشفنا أنه تقدم فى السنوات الأخيرة بثلاثة مسلسلات رُفضت جميعها، أو فى الحد الأدنى تعثر تنفيذها، وهو ما ترك جرحا غائرا فى كبرياء مبدعنا الكبير، ووجد الفرصة للتنفيس عن هذا الغضب.
من حق كل مبدع أن يدافع عن إنجازه، لا أحد متابع الحالة الدرامية إلا ويعرف أن أضعف حلقة هى السيناريو، الذى يطلقون عليه «الورق».. الأزمة ليست وليدة هذا الزمن، فهى موغلة فى القِدَم، لدينا ندرة من الموهوبين.. وفى زمنٍ كانت تتواجد فيه أسماء بحجم أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ولينين الرملى وعبدالقوى ومحفوظ عبدالرحمن وصالح مرسى ويسرى الجندى وعاصم توفيق وعاطف بشاى ويوسف معاطى ومحمد حلمى هلال.. وغيرهم، كانت أيضا هناك على الجانب الآخر أعمال درامية متواضعة.. وتلك هى القاعدة.
أسلوب الكتابة تغير تماما عن زمن عبدالقوى، والرسائل المباشرة لم تعد مطلوبة، والإيقاع اختلف، خاصة بعد أن تم تحطيم قاعدة الـ30 حلقة التى كانت مسيطرة فى الماضى. عودة عبدالقوى مرحب بها تماما، عليه فقط استيعاب فروق التوقيت، المبدع دائمًا فى صراع مع الزمن.. وكلما تقدمنا فى العمر، نحتاج إلى قدرة أكبر على هضم المتغيرات فى الحياة بكل أطيافها، والتى تفرض قطعا أسلوبا مغايرا وعصريا فى التناول والرؤية.
علينا فقط ألا نسرف فى سقف التوقعات، ونحن ننتظر كاتبا أو مخرجا أو ممثلا كبيرا يطرق الباب مجددا. عودة كاتبنا الكبير محمد جلال عبدالقوى تستحق الحفاوة!.