«إنت عمري» رسالة من الله

«إنت عمري» رسالة من الله

«إنت عمري» رسالة من الله

 صوت الإمارات -

«إنت عمري» رسالة من الله

بقلم -طارق الشناوي

 

فى مطلع الثمانينيات اتصل الشاعر الغنائى أحمد شفيق كامل بالموسيقار محمد عبدالوهاب، فاكتشف أنه قد وصل قبل أيام إلى باريس كعادته لقضاء أشهر الصيف هناك، أخذ رقم الفندق، وردت عليه زوجته نهلة القدسى، طلب منها أن تقنع عبدالوهاب بألا يلحن كلمات أغنية اتفق معه أن تغنيها وردة، قالت له نهلة إنها أمس فقط سألها عبدالوهاب عن الورقة التى دون عليها الكلمات، واكتشفت أنها نسيتها فى القاهرة، وطلبت منه أن يملى عليها الكلمات، فقال لها إنه يحمد الله على نعمة النسيان، واعتبر أن نسيانها رسالة من الله تؤكد له أنه اختار الطريق الصحيح عندما قرر التوقف عن كتابة الأغنيات العاطفية.

فى لحظات من العمر يحدث لدى بعض المبدعين حالة من الالتباس بين ما قدموه وعلاقتهم بالمولى عز وجل. عرفت الشاعر الكبير أحمد شفيق كامل فى تلك المرحلة العمرية نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات، عندما كان قد أعلن قبلها اعتزاله كتابة الأغانى العاطفية والاكتفاء فقط بالدينى والوطنى، بعد أن أصبح واحدا من مريدى ودراويش الشيخ متولى الشعراوى، الذى حرم عليه كتابة الأغانى العاطفية.

يحلو للبعض على سبيل الاستسهال أن يطلق عليه لقب شاعر (إنت عمرى)، على اعتبار أنها أشهر وأول أغنية وأصبحت معروفة باسم (لقاء السحاب)، جمعت الأغنية بين ألحان محمد عبدالوهاب وصوت أم كلثوم على كلمات أحمد شفيق كامل، الحقيقة أن (إنت عمرى) فقط الأشهر، أشعار أحمد شفيق كامل التى أبدعها فى قالب الأغنية تتنافس فى جمالها مع (إنت عمرى)، مثل (الحب كله) و(أمل حياتى)، وأغنياته الوطنية مثل (السد- قلنا ح نبنى وادى احنا بنينا السد العالى) و(مطالب شعب) و(يا نسمة الحرية) و(وطنى حبيبى الوطن الأكبر)، كل هذه الأغنيات وغيرها شهادات تضع شاعرنا بالفعل فوق السحاب!!.

كان شفيق كامل يشعر فى تلك السنوات بحالة من الخجل لأنه كتب أغانى تتغزل فى المحبوب مثل (يا أرق من النسمة وأجمل من ملك)، حتى إنه كاد أن يحرم على نفسه تقاضى أى أموال تدرها تلك الأغانى حتى لا ينفق على بيته من مال حرام. كانت هناك محاولات بأن يطبع أغنياته بين دفتى كتاب، وبعد جهد كبير أتصور أنه مضنٍ وافق. شاعرنا الكبير تبلغ رقته وتواضعه حدوداً لا يمكن لأحد أن يتصورها، ومن المؤكد أنه ظل رافضاً الفكرة لإحساسه بأن كلماته لا تستحق أن توثق فى كتاب، رغم أنك بالفعل عندما تستمع إليها، تكتشف إلى أى مدى أن الكلمة تحلق بعيداً، حتى عن النغمة والأداء، كلمات شفيق كامل، ثرية ومفعمة بكل المشاعر الجياشة.

ابتديت دلوقتى بس أحب عمرى..ابتديت دلوقتى أخاف لا العمر يجرى

الأديب الكبير خيرى شلبى كتب مقدمة رائعة لكتاب (أنت عمرى)، أكد فيها أن أحمد شفيق كامل شاعر صوفى صرف، وجميع أغنيات الحب التى غنتها أم كلثوم من تأليفه سواء من تلحين عبدالوهاب أو بليغ حمدى إنما هى أغنيات عشق صوفية، وما الحبيب فيها سوى الله سبحانه وتعالى. انتهت كلمات خيرى شلبى واستمعت إلى كلمات أغانى شاعرنا وقرأتها عشرات المرات وتأكدت بما لا يدع مجالاً لأى تفسير آخر، أنها ليس من الممكن أن تحمل أى معان صوفية، ومن المستحيل أن تقترب من الذات الإلهية، وأن هذا التحليل الذى يبدو فى ظاهره الرحمة إلا أنه فى باطنه العذاب، وأجمل ما فى (إنت عمرى) أن شفيق كامل تغزل فى محبوبته قائلاً:

صالحت بيك أيامى .. سامحت بيك الزمن

نسيتنى بيك آلامى .. ونسيت معاك الشجن

حكاية أحمد شفيق كامل وتحريمه لأغنياته العاطفية ومحاولة تفسيرها على نحو آخر صوفى، ستجد لها تنويعات مختلفة دراميا وتشكيليا، كلها تقع تحت طائلة عنوان كبير هو (الخجل من الفن)، ولو بإعادة القراءة والتفسير الذى يحطم المنطق، ولهؤلاء الذين يحرمون الحب فى أغانينا أقول لهم بصوت أم كلثوم (الله محبة)!!.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«إنت عمري» رسالة من الله «إنت عمري» رسالة من الله



GMT 01:24 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

قصة الراوي

GMT 01:23 2024 الأربعاء ,18 أيلول / سبتمبر

بمناسبة المسرح: ذاكرة السعودية وتوثيقها

GMT 04:06 2024 الثلاثاء ,17 أيلول / سبتمبر

وحدة الساحات

GMT 01:28 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

قبعة ومسدس

GMT 01:26 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

... عن أولئك المستوطنين الدينيّين!

GMT 20:09 2019 الأحد ,20 كانون الثاني / يناير

السنغال واحدة مِن أفضل الوجهات السياحية لعام 2019

GMT 13:40 2018 الإثنين ,22 تشرين الأول / أكتوبر

مريم المهيري تستعرض جهود تحقيق الاكتفاء الغذائي في الدولة

GMT 19:40 2018 الخميس ,27 أيلول / سبتمبر

"اهدى يا مدام" قصة جديدة من مسلسل "نصيبى وقسمتك 2"

GMT 05:47 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

"كهرباء القدس" تواصل تطوير خدمات الكهرباء العصرية

GMT 07:07 2014 الأحد ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الجامعة الإسلامية تشارك في معرض اسطنبول الدولي للكتاب

GMT 04:37 2015 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

معرض لتراث سورية في مخيم الزعتري

GMT 08:58 2018 الخميس ,26 إبريل / نيسان

رباعية دفع فاخرة جديدة من "بي إم دبليو"

GMT 02:44 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

الفنان حسن الرداد في "برنامج معكم" مع منى الشاذلي الجمعة

GMT 16:06 2014 الثلاثاء ,30 أيلول / سبتمبر

اللون البني لعاشقات الإطلالة المميزة في شتاء 2015

GMT 21:46 2013 الثلاثاء ,18 حزيران / يونيو

شباب حوامل لتوعية المراهقات الأميركيات

GMT 12:18 2017 الأحد ,08 تشرين الأول / أكتوبر

عبير صبري تُعلن عن تفاصيل دورها في مسلسل "الحب الحرام"

GMT 11:43 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

مغسلة توحي بالملوكية والرقي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates