المفتي دريان وانتخابات الرئيس المسيحي

المفتي دريان وانتخابات الرئيس المسيحي

المفتي دريان وانتخابات الرئيس المسيحي

 صوت الإمارات -

المفتي دريان وانتخابات الرئيس المسيحي

بقلم - سام منسى

ليس من المستغرب في بلد مثل لبنان إهمال البناء الواجب على مضمون كلمة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، لا بل حتى التخفيف من زخمها. مداخلة المفتي عوضت عن ضبابية وعمومية البيان الذي صدر عقب اجتماع نواب الطائفة السنية في دار الفتوى ببيروت. فعلى أهميته بهذه المرحلة، جاء البيان ليرضي آراء وتوجهات الحاضرين كافة، وحتى غالبية الأطراف اللبنانية، إذ حمل عناوين عريضة وجملاً حمّالة أوجه تسمح للموقعين على اختلاف مشاربهم بالموافقة عليه. ربما لو جمع اللقاء، إضافة للنواب الحاليين، القيادات والفعاليات السنية كافة، من نواب ووزراء ورؤساء حكومات سابقين، لكان أكثر تمثيلاً للواقع السني وتطلعاته، ولأعاد التوازن المفقود الناتج عن الانتخابات النيابية الأخيرة التي هدفت إلى الإفادة من غياب قيادات سنية مؤثرة لشرذمة تمثيلها.
وبخلاف البيان، جاءت كلمة المفتي مباشرة، واضحة، حاسمة ومسيّسة، معبرة بصدق وبدبلوماسية جريئة عن هواجس أهل السُنة منذ عام 2005، فجزمت موضوع لبنان أولاً عبر التمسك باتفاق الطائف والدستور من جهة، والتأكيد من جهة أخرى على أهمية أن يكون رئيس الجمهورية مسيحياً، مذكرة بأنه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي. كلمة المفتي دريان أعادت إلى ذاكرتي حادثة معبرة إبان «انتفاضة 14 آذار» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري ونزول مئات الآلاف من اللبنانيين مسلمين ومسيحيين إلى الشارع حاملين شعار «لبنان أولاً»، حين بادرني زميل مسيحي متوجس مما يسمع، ويشاهد قائلاً «إن المسلمين سرقوا شعاراتنا، ما الذي سنفعله بعد اليوم!؟». جملة تختصر مسلسل الأحداث التي تلت مشهدية «14 آذار» وما خلّفته عند غالبية اللبنانيين. تحضرني هذه الجملة للقول إنه عندما عاد المسلمون إلى لبنان غادره المسيحيون إلى الهوى الإيراني، وحين حمل المسلمون شعارات طالب بها المسيحيون على مدى أكثر من سبعين سنة، هجرها المسيحيون ووقّع التيار العوني الذي يدّعي أنه الأكثر تمثيلاً لهم مذكرة التفاهم مع «حزب الله» سنة 2006 المعروفة بتفاهم مار مخايل، وهي كنيسة في منطقة الشياح. هذا التفاهم أدى فيما أدى إليه إلى الاعتراف بسلاح «حزب الله» وتقديم الغطاء المسيحي المطلوب بإلحاح من الحزب للهيمنة الإيرانية على لبنان وجنوحه إلى ما يسمى محور الممانعة وتخليه عن علاقاته العربية والخليجية خاصة، وصولاً إلى التقرب والمصالحة مع نظام بشار الأسد، ونسيان، بل غفران، كل فظاعاته في لبنان على مدى أكثر من ربع قرن والالتحاق بتحالف الأقليات. كل ذلك مقابل أن يعيد التيار العوني، حسبما يدعي، ما يعده حقوقاً سُلبت من المسيحيين منذ اتفاق الطائف سنة 1989.
الدافع إلى هذه المراجعة أولاً هو أهمية كلام المفتي دريان بشأن التمسك السني بالرئيس المسيحي واتفاق الطائف، في الوقت الذي دخلت فيه البلاد المهلة الدستورية للاستحقاق الرئاسي مع انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان لانتخاب الرئيس يوم 29 سبتمبر (أيلول)، والتي جاءت بمثابة «بروفة» لما سوف يكون: الفراغ.
في هذا السياق، ومن دون التقليل من ضرورة وأهمية ما دعا إليه المفتي دريان بشأن الرئيس المسيحي، لا بدّ من تذكير المسيحيين، وبخاصة أن وجود رئيس مسيحي لم يحُل دون المصائب والنكبات التي حلت بلبنان وبهم، لا سيما منذ اغتيال اتفاق الطائف باغتيال الرئيس المنتخب رينيه معوض والإتيان بالرئيس إلياس الهراوي على قياس المفهوم السوري للاتفاق. إن الرؤساء المسيحيين الموارنة الذين تعاقبوا حتى اليوم من الهراوي حتى الرئيس ميشال عون، خضعوا من دون وجل لاحتلال سوري بغيض تلته وصاية إيرانية تكاد تصل أحياناً إلى حد الاحتلال، باستثناء الرئيس ميشال سليمان الذي حاول تصويب البوصلة في نهاية عهده. وتكتمل الصورة عندما نستعرض شريط الأحداث المفصلية في تاريخ لبنان، ليظهر أنه لم يخلُ عهد من سقطات للرئيس المسيحي أو أخطاء وأحياناً خطايا: بشارة الخوري مدد ولايته وسمح بالفساد، كميل شمعون حاول تمديد ولايته ما أدى إلى ثورة 1958، فؤاد شهاب مهّد لتدخل العسكر في السياسة ليأتوا بعده بشارل حلو بغية استمرار تدخلهم، وفي نهاية عهده وقّع قائد الجيش المسيحي الماروني اتفاق القاهرة مع منظمة التحرير الفلسطينية الذي شرّع الوجود الفلسطيني المسلح في الجنوب. أما الرئيس فرنجية، فلسوء حظه اندلعت الحرب الأهلية في عهده ولسوء حظ اللبنانيين تزامن وصوله إلى الرئاسة سنة 1970 مع أدق مرحلة في تاريخ المنطقة: هزيمة 1967 وانطلاق العمل الفلسطيني المسلح وتسلم حافظ الأسد السلطة في سوريا، ما كان يقضي وصول شخصية مختلفة إلى سدة الرئاسة. نصل إلى الرئيس إلياس سركيس الذي انتخب بقرار سوري وسط حرب أهلية مدمرة، والرئيس أمين الجميل لم يتمكن من الحكم كما يجب زمن احتلالين إسرائيلي وسوري وطغيان شبح الرئيس بشير الجميل بعد اغتياله على عقل ومشاعر غالبية المسيحيين.
بالطبع لا نهدف من هذا السرد الدعوة لانتخاب رئيس جمهورية غير مسيحي في هذه المرحلة، بل للقول إنه أياً يكن الرئيس، مسيحياً أم غير مسيحي، لن يقدم ولن يؤخر ولا من تغيير يؤمل ما دام الوضع الشاذ وغير الطبيعي بوجود دولة ضمن الدولة المشلّعة قائماً ويحول دون سيادة لبنان وتطبيق الدستور واحترام الشرعيتين العربية والدولية، إضافة إلى انعدام المواطنة وتضارب الولاءات المذهبية لدول ما وراء حدود الكيان وسط الحديث عن حقوق الطوائف من مسيحيين أو مسلمين تحافظ عليها زعاماتها. الأجدر باللبنانيين، لا سيما المسيحيين منهم، عدم الرهان على الرئيس العتيد فقط لأنه مسيحي كما حصل برهانهم على نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة، وألا تصل إلى قصر بعبدا شخصية تتماهى مع طروحات شوفينية يمينية تصدر عن قادة مثل الرئيس المجري فيكتور أوربان، أو رئيسة الحكومة الإيطالية المقبلة جورجيا ميلوني اليمينية المتشددة التي عرّفت عن نفسها بأنها «إيطالية مسيحية» وتولي عناية خاصة بما تسميه «حماية المسيحيين»، ولم تتورع عن نسب فضل حمايتهم في سوريا إلى متشددين مثلها كالنظام السوري وروسيا وإيران و«حزب الله»، وهي على بعد أمتار قليلة من البابا فرنسيس الداعي إلى نصرة اللاجئين والمهاجرين والذي لا يفرّق بين مسيحيين وغير مسيحيين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المفتي دريان وانتخابات الرئيس المسيحي المفتي دريان وانتخابات الرئيس المسيحي



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 18:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 صوت الإمارات - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 18:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 صوت الإمارات - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 06:14 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين
 صوت الإمارات - العاهل الأردني يلقي خطاب العرش في افتتاح مجلس الأمة العشرين

GMT 19:13 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
 صوت الإمارات - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
 صوت الإمارات - "نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 18:09 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تصميمات مختلفة لسلاسل من الذهب رقيقة تزيدك أنوثة

GMT 11:26 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الصين تتسلم الدفعة الأولى من صواريخ "أس-400" الروسية

GMT 16:28 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

تسمية بافوس القبرصية عاصمة للثقافة الأوروبية

GMT 18:36 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:16 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تجنّب أيّ فوضى وبلبلة في محيطك

GMT 17:14 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

بن راشد يُصدر مرسوماً بضم «مؤسسة الفيكتوري» إلى نادي دبي

GMT 01:20 2019 السبت ,20 تموز / يوليو

نبضات القلب المستقرة “تتنبأ” بخطر وفاتك!

GMT 02:41 2019 السبت ,05 كانون الثاني / يناير

"الفاتيكان" تجيز استئصال الرحم من المرأة لهذا السبب فقط

GMT 23:19 2013 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

"Gameloft" تستعرض لعبة "Asphalt"بهذا الصيف

GMT 13:12 2013 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض الكتاب الكويتي منصة متميزة لأصدارات الشباب الأدبية

GMT 09:48 2013 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

الإذاعة المِصرية تعتمد خِطة احتفلات عيد "الأضحى"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates