هل العودة الأميركية للمنطقة لا تزال متاحة

هل العودة الأميركية للمنطقة لا تزال متاحة؟

هل العودة الأميركية للمنطقة لا تزال متاحة؟

 صوت الإمارات -

هل العودة الأميركية للمنطقة لا تزال متاحة

بقلم - سام منسى

كشف مضمون كلمة الرئيس فلاديمير بوتين خلال المنتدى الاقتصادي الشرقي في مدينة فلاديفوستوك نيات موسكو، بل عزمها على الاستمرار في حربها ضد أوكرانيا «بغضّ النظر عن مدى رغبة البعض في عزل روسيا، ومن المستحيل تحقيق ذلك» حسبما قال، مضيفاً أن «حمى العقوبات في الغرب... تهدد العالم بأسره». ووجّه أيضاً رسائل اقتصادية وعسكرية كثيرة إلى الغرب بعد أن حضر مناورات عسكرية واسعة النطاق شاركت فيها الصين ودول أخرى عدة تعد صديقة لروسيا. كل ذلك يعني أن النفق الذي دخلته العلاقات بين الشرق والغرب لا يزال طويلاً وأن القضية لا تقتصر حدودها على أوكرانيا. إلى هذا، تخلُّف بوتين عن حضور الجنازة غير الرسمية للرئيس السوفياتي السابق ميخائيل غورباتشوف له رمزيته ودلالاته، إنْ لجهة رفضه سياسة البيريسترويكا التي اعتمدها الراحل وأدت إلى إصلاحات سياسية واقتصادية داخلية وسمحت لأوروبا الشرقية بالإفلات من السيطرة الشيوعية مساهماً في انهيار الاتحاد السوفياتي الذي وصفه بوتين بأنه «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين، أو لجهة موقفه العدائي من الغرب بعامة.
الحرب الأوكرانية ستكون طويلة، ومن غير المرجح أن يتراجع بوتين أو يُقلب داخلياً، إذ يبدو أكثر صلابة مما كان عليه في أوقات السلم، فمعدلات الثقة به في الداخل مرتفعة وليس من بديل له يعوّل عليه. الحرب في أوكرانيا تتصدر الهموم الأميركية لا سيما تلك المتعلقة بمواجهة روسيا وتمدد الصين والأوضاع الاقتصادية العالمية ومشكلات التغيير المناخي إلى جانب تفاقم التجاذبات الداخلية الحادة والانتخابات النصفية وبعدها الرئاسية. هذه الخلفية مقدمة لمحاولة استشراف سياسة واشنطن في المنطقة، في وقت عادت فيه أصوات من أكثر من جهة تتحدث عن سياستها المبهمة تجاهها، خصوصاً وسط زئبقية مفاوضات العودة إلى الاتفاق النووي بعد أن كادت تصل إلى خواتيمها، ما يعيد الأوضاع كلها في الإقليم إلى المربع الأول ويُبقي المراوحة سيدة الموقف.
العراق غارق في مشكلات قد تصل إلى حدود حرب أهلية بين الشيعة أنفسهم وذلك بعد موجة عنف مميتة بين قوات مقتدى الصدر و«الإطار التنسيقي» المتحالف مع إيران، ما أعاد الوضع في بغداد إلى طريق مسدود. وسوريا على حالها تحت وتيرة عمليات عسكرية إسرائيلية شبه يومية وتعثر المحادثات بين الحكومة والمعارضة التي كان من المفترض أن تبدأ في 25 يوليو (تموز) في جنيف بسبب زعم حكومة الرئيس بشار الأسد أن سويسرا ليست محايدة لأنها تدعم عقوبات الاتحاد الأوروبي ضد حليفته روسيا. لبنان في غياهب النسيان متروكاً لقدره، وحتى اليمن الذي تمر حربه في هدنة هشة لم يهتدِ بعد إلى طريق السلام.
تتباين المواقف في تفسير السياسة الأميركية إزاء هذه النزاعات، إنما يُجمعون على أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير فيها تراجعت بشكل كبير وملموس وباتت محدودة. البعض يرى مثلاً أن أميركا محايدة في العراق إرضاءً لإيران، بينما يرى آخرون أن المشكلة هي عراقية - إيرانية بالدرجة الأولى أكثر منها أميركية - إيرانية. كذلك، من الواضح في نظرهم أن التخلي عن لبنان وسوريا مرده اعتبارهما سقطا تحت سطوة إيران وفي فلكها. مهما تباينت الآراء، فإن الواضح أن حجم وشكل التدخل الأميركي في شؤون المنطقة لن يخرج عن إطار المواقف «بالقطعة» كما يقال، أو تدخلات جراحية محدودة إذا اقتضت الضرورة أو تلزيم بعض الشؤون الأمنية لأطراف محلية، ومن غير المرجح أن تتغير هذه السياسة من دون تطورات جسيمة وغير مسبوقة تهدد الأمن القومي الأميركي.
السؤال اليوم هو بشأن واقعية سياسة واشنطن وما إذا كانت تستطيع الاستمرار بها بعد التدهور الكبير الحاصل في العلاقات الروسية مع الغرب والتنسيق والتناغم الكبيرين بين موسكو وبكين وإيران وغيرها من الدول المناهضة للغرب؟ أصحاب وجهة النظر الثانية يقولون إنه لا يمكن لأميركا على المدى القريب وهي تواجه روسيا والصين التنازل عن الشرق الأوسط لأكثر من سبب، بدءاً من الطاقة مروراً بالأهمية الاستراتيجية للمنطقة وبُعدها المتوسطي وقربها من أوروبا، وصولاً إلى وجود إسرائيل فيها. ولا يمكنها تركه لإيران التي أثبتت هي والميليشيات التي تدعمها قدرتها على قصف البنية التحتية في الخليج من بعيد وتمتلك أعمق مخزون من الذخائر الموجهة بدقة في المنطقة (باستثناء إسرائيل) وبات مدى صواريخها الباليستية يصل اليوم إلى أجزاء من أوروبا.
يعتقد البعض أن الرهان اليوم على أن تغيير سياسة واشنطن في المنطقة مرتبط كذلك بنتائج الانتخابات النصفية، وبشكل خاص خسارة الديمقراطيين وفوز الجمهوريين، بينما آخرون لا يرجحون من جهة خسارة مدوية للديمقراطيين، أولاً لأن الرئيس جو بايدن حقق الكثير في الشأن الداخلي وتجسدت إنجازاته بحزمة التشريعات التي أقرها الكونغرس وغير المسبوقة منذ أكثر من ربع قرن والتي تتناول إضافةً إلى التغيير المناخي، الصحة والتربية والبنية التحتية وغيرها. أما خارجياً، فيستحيل تجاهل موقف الرئيس بايدن وإدارته من الحرب الروسية في أوكرانيا وحجم ونوعية المساعدات المقدمة لكييف التي عرقلت الأهداف الروسية من الحرب، إضافةً إلى موقف الإدارة من الصين بعامة وسياستها تجاه تايوان بخاصة والنية الأميركية بتزويد الأخيرة أسلحة في صفقات تقدَّر بالمليارات. ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من «الضجيج الترمبي» لا يرجحون اكتساح جناحه ضمن الحزب الجمهوري بل تبقى حظوظ الجناح التقليدي المتشدد متاحة. في كل الأحوال المستجدات الدولية لا سيما حرب روسيا ضد أوكرانيا وتداعياتها على الأمن الاقتصادي العالمي لن تغيّر الكثير من سياسة واشنطن الخارجية.
كل ذلك للقول إن الستاتيكو في المنطقة سيبقى أحصلت المتغيرات الأميركية أو لم تحصل، والعراق أو سوريا أو لبنان وحتى اليمن مقبلون على المراوحة، وللتذكير كلهم تحت الهيمنة الإيرانية ما سوف يرتب تداعيات مكلفة لإيران وقد تكون مؤلمة لحلفائها وأدواتها.
السؤال الأساسي الآخر هو: هل تغيير إيجابي لسياسة واشنطن في المنطقة سيكون مؤثراً؟ لا شك أن ذلك سيزيل الكثير من التوتر، لكنّ دول المنطقة، لا سيما محور الاعتدال العربي، لم تعد في الفلك الأميركي كلياً وباتت اليوم تتحرك وفق مصالحها الوطنية العليا على اختلافها. ولعل الشاهد الأكبر هو تعزيز علاقاتها لا سيما الاقتصادية مع روسيا والصين بعد تراجع الاهتمام الأميركي بها. هذه الدول تعيش حالة ترقب وانتظار والأوضاع فيها مستقرة إلى حد كبير وقد تستمر مواقفها غير محسومة بين مثلث الدول الكبرى المتنازعة روسيا والصين والولايات المتحدة، بينما إسرائيل البراغماتية والمتحالفة مع بعض دول الاعتدال، لا تملك ترف الوسطية أو الحياد لحاجتها في حال نزاع عسكري كبير للسلاح والدعم الأميركي.
هل عودة الاهتمام الأميركي بالمنطقة متاحة؟ وهل هي الحل السحري لمشكلاتها؟ وهل ستؤشر لنهاية لعبة موسكو في الشرق الأوسط أو للمد الإيراني الجامح فيها؟ في الواقع مضمون السياسات مهم ولكن الواقفين وراء وضعها أهم، واليوم وهن الغرب بحكام يُشهد لهم بالضعف وتواضع الإمكانات والخيال، هو ما يساعد روسيا وإيران والصين على تنفيذ سياسات استعادة الإمبراطوريات. يبقى أن أميركا ليست سبب كل ما نعانيه ولن يكون بمقدورها وحدها أن تجترح الحلول. تغييرات كثيرة مقبلة على المستويين الإقليمي والدولي وفي العلاقات الدولية على الصعد كافة يصعب إهمالها، عسى أن تحفّز العقلاء في دول الإقليم على السعي لملء الفراغ الأميركي بأنفسهم من دون الانجرار إلى الخارج والدخول في مغامرات عالية المخاطر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل العودة الأميركية للمنطقة لا تزال متاحة هل العودة الأميركية للمنطقة لا تزال متاحة



GMT 02:30 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السادة الرؤساء وسيدات الهامش

GMT 02:28 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

«وثائق» عن بعض أمراء المؤمنين (10)

GMT 02:27 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

من يفوز بالطالب: سوق العمل أم التخصص الأكاديمي؟

GMT 02:26 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

GMT 02:24 2022 الأربعاء ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

السعودية وفشل الضغوط الأميركية

GMT 10:18 2016 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

كارينا كابور في إطلالة رشيقة مع أختها أثناء حملها

GMT 15:51 2019 الإثنين ,13 أيار / مايو

حاكم الشارقة يستقبل المهنئين بالشهر الفضيل

GMT 15:56 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

"الديكورات الكلاسيكية" تميز منزل تايلور سويفت

GMT 12:03 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

قيس الشيخ نجيب ينجو وعائلته من الحرائق في سورية

GMT 11:35 2019 الخميس ,09 أيار / مايو

أمل كلوني تدعم زوجها بفستان بـ8.300 دولار

GMT 08:09 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

محمد صلاح يُثني على النجم أبو تريكة ويعتبره نجم كل العصور

GMT 19:44 2018 الثلاثاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

"شانيل" تبتكرُ قلادة لؤلؤية بطول 60 قدمًا

GMT 16:32 2018 الجمعة ,28 أيلول / سبتمبر

كنيسة قديمة تتحول إلى منزل فاخر في جورجيا

GMT 16:59 2018 الثلاثاء ,10 تموز / يوليو

جاكوبس تروي تفاصيل "The Restory" لإصلاح الأحذية

GMT 17:32 2013 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

مقتل صاحب إذاعة موسيقية خاصة بالرصاص في طرابلس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates