بقلم - سام منسى
وصل الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المنطقة رغم حملة التشكيك في حصول زيارته، وفيما سوف يصدر عنها، سواء من واشنطن أو من غيرها من عواصم القرار.
قد يكون من التسرع الدفع بتقييم واقعي لنتائجها قبل معرفة ردود الفعل عليها، وإعلان مواقف صريحة وعملية من الأطراف كافة، علماً بأن معيار نجاحها أو عدمه مختلف بحسب المعنيين بالزيارة، أكانوا مستفيدين محتملين أم متضررين مفترضين.
أول غيث المتضررين مسارعة موسكو بالدعوة إلى قمة تجمع غداً الثلاثاء في طهران الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى نظيريه الإيراني والتركي، بهدف معلن هو مناقشة الأوضاع في سوريا. ويكاد يصح وصف القمة بلقاء يجمع ثلاثة راسبين في المدرسة، إنما اللافت هو وجود الرئيس التركي الذي يكاد لا يرسو على ضفة حتى ينتقل إلى أخرى.
وثاني الغيث جاء من الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله الذي بدأ خطابه الأخير بالقول إن «الرئيس الأميركي العجوز هو صورة عن أميركا التي بدأت تدخل مرحلة الشيخوخة أو دخلتها بالفعل»، لينهيه بالتهديد والوعيد قائلاً: «إذا تريدون أن تصلوا إلى معادلة أن هذا البلد ممنوع أن يستنقذ نفسه بحقه الطبيعي من الغاز والنفط، فلن يستطيع أحد أن يستخرج غازاً ونفطاً».
وإلى جانب المتضررَين الرئيسَين موسكو وطهران، يصطف المروجون لانسحاب واشنطن التام والنهائي من المنطقة وخفوت اهتمامها بالشرق الأوسط، فجاء كلام بايدن عن «التكامل الإقليمي» بمثابة إعلان الولايات المتحدة الرجوع عن الخطأ، وعودة تركيزها على المنطقة. هذا بالتوازي مع رغبة إسرائيل العميقة في الاقتراب من المملكة العربية السعودية، وبالتالي تدعيم إطار تنسيقي لكل من يعتبر أن إيران قوة مزعزعة للاستقرار في جوارها، في مؤشر إلى هشاشة التهديد الإيراني بطرد واشنطن من المنطقة، رداً على اغتيال قاسم سليماني عام 2020 في بغداد.
ومن المتضررين أيضاً أخصام بايدن في الداخل الأميركي، لا سيما إذا تمكن من تحقيق إنجازات قد تخدمه والديمقراطيين في الانتخابات المقبلة.
أما بشأن معايير النجاح بالنسبة للرابحين المحتملين من الزيارة، فهي مختلفة وحتى متباينة. نبدأ بالإدارة الأميركية التي تهدف أولاً إلى وضع حد للنزاعات الدائرة، وتثبيت الاستقرار إلى أقصى حد ممكن، إضافة إلى حاجتها الملحة لتدعيم التحالفات وتوسيعها، وحشد وسائل الضغط لمواجهة الخلاف المحتدم مع روسيا إثر حربها ضد أوكرانيا، وعلى رأسها الاستمرار في حظر صادرات النفط الروسية لأثرها في دعم المجهود الحربي الروسي، وطبعاً تأمين البديل عنها لأوروبا.
إن معيار تحقيق أهداف الزيارة هو مدى نجاحها في تصويب علاقاتها مع السعودية ودول الخليج العربي بعامة، والرئيس بايدن اعترف من إسرائيل بالتراجع عن هذا الخطأ، والقناعة بالأهمية الجيو-استراتيجية للمملكة، خارج اختزالها كمنتج ومصدر للنفط، واعتبارها مع بقية دول الخليج ومصر والمغرب وغيرها دعائم للسياسة الأميركية وقيمها ومصالحها. ولهذا -والرئيس بايدن لا بد أنه يعي المتغيّرات الجوهرية التي طرأت على السياسة الخارجية السعودية، وما استدعى ذلك من تغييرات داخلية هيكلية ضرورية، بحيث باتت سياسة وقائية وليست سياسة ردة فعل- تركز على توسيع آفاق التعاون السياسي والاقتصادي مع دول العالم، لذلك أي تحالف عليه أن يكون بمسارين: الأخذ والعطاء.
العامل الثاني لا يقل أهمية عن الأول، وهو القدرة الأميركية على إقناع السعودية ودول الخليج بعيداً عن الدعم الخطابي بالتزام واشنطن بأمن المنطقة، والتصدي لكل ما يهددها. وإذا قُدِّر لإدارة بايدن تجاوز العقبات التي قد تحُول دون قيام منظومة دفاعية جوية، ودمج الطاقات الدفاعية الجوية لعدد من دول الإقليم مع إسرائيل، تكون الزيارة قد حققت مبتغاها. ويستدعي ذلك توسيع «اتفاقات أبراهام» عبر الدفع باتجاه انفتاح سعودي أكثر على إسرائيل، وفتح قنوات إضافية للتعاون معها، إضافة إلى دور للمملكة في الاستثمار، بمعالجة موضوع المياه في الضفة الغربية.
والنجاح في كل ذلك يقتضي حتماً معالجة موضوعين رئيسين: الأول القدرة على إدارة التباين بين واشنطن ودول الخليج في مقاربة ملف إيران النووي، وسط إصرار واشنطن على الخيار الدبلوماسي، على الرغم من التوافق على منع إيران من امتلاك سلاح نووي. الموضوع الثاني هو احتواء النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني على قاعدة حل الدولتين، مع كل ما يعترضه من صعوبات من الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني.
المحصلة يمكن إيجازها بنقطتين: الأولى ما هو المقابل الذي ستقدمه واشنطن للعرب، ولا سيما للسعودية، مقابل ما تطلبه منهم؟ والثانية قدرة الإدارة على التوصل بعد هذه الجولة إلى تطبيع إسرائيلي- عربي عملي، أكثر منه سياسياً، بأسلوب الخطوة خطوة. البيان الذي صدر عقب المحادثات يغطي العناوين العريضة المشتركة والمتفق عليها بين البلدين، وتبقى الإجابة عن أمور أخرى كثيرة تحتاج إلى مزيد من الوقت.
أما في الجانب السعودي والعربي بعامة، فمعايير نجاح الزيارة هي قدرة بايدن على النجاح في تحقيق أكبر نسبة ممكنة من أهدافه التي ذُكرت أعلاه، إضافة إلى دور المملكة الحاسم في الحفاظ على مناخ التهدئة والتوافق بين الأطراف العربية المعنية، لفاعلية التنسيق والتعاون مع الأميركيين، وتحفيزهم على مواصلة سياساتهم، وبضرورات وأهمية الرجوع إلى المنطقة.
معرفة معيار النجاح والفشل لدى الجانب الإسرائيلي أكثر تعقيداً، بسبب أحوال السياسة الداخلية في إسرائيل، وعدم ثقة معظم المسؤولين والرأي العام -بحسب الاستطلاعات- بأن واشنطن ستراعي المصالح الإسرائيلية في أي اتفاق محتمل مع إيران. وعلى الرغم من توقيع إعلان القدس والالتزام الأميركي العلني بأمن إسرائيل، وما سبق ذلك من انضمام إسرائيل إلى القيادة المركزية الأميركية، يبقى الخلاف على إصرار بايدن على الحل الدبلوماسي لملف إيران النووي وممارساتها في المنطقة، بينما لإسرائيل وجهة نظر مغايرة، مفادها حاجة الولايات المتحدة وحلفائها إلى توسيع آفاق المفاوضات، لتشمل مجموعة أكبر بكثير من القضايا المطروحة.
يبقى النجاح أيضاً رهناً بوضع خطوات للتعاون، بدءاً من السماح بتحليق الطائرات الإسرائيلية، وتمكين العرب الإسرائيليين من السفر مباشرة إلى مكة لأداء فريضة الحج، وصولاً إلى إنشاء نظام دفاع جوي إقليمي في ظل القيادة المركزية الأميركية، يمكِّن العرب والإسرائيليين من اتخاذ الخطوات الأولى نحو مشاركة الرادارات، من أجل اكتشاف الصواريخ أو المُسيَّرات القادمة من إيران أو وكلائها.
أما في الشأن الفلسطيني، فيبدو أن ما صدر عن بايدن بعد لقاء الرئيس محمود عباس لم يرضِ الفلسطينيين بالكامل طبعاً، ومن دون أن يستفز يائير لبيد كثيراً، وبقي ضمن التصريحات العامة المشددة على النواحي الإنسانية والإجراءات الاقتصادية أكثر منها السياسية، ولم يوجِّه أي رسالة إلى إسرائيل، على الرغم من تأكيده دعم حل الدولتين والحركة المتدرجة باتجاهها.
النجاح أو المراوحة، حتى لا نقول الفشل، مرتبط بترجمة واشنطن لقناعتها بأدوار إيران المزعزعة لأمن المنطقة، بإجراءات عملية سياسية ودبلوماسية وأمنية، إضافة إلى وضوح الرؤية والثبات والاستدامة المطلوبة من السياسة الأميركية تجاه المنطقة، كما هي مطلوبة أيضاً من الجانب العربي تجاه واشنطن.
مهما كانت النتائج، الأكثر رجحاناً أن المنطقة على مفترق مسارات غير مسبوقة، ستكون حبلى بالتحديات، وبمخاطر أبرزها الانقسام بين شرقين أوسطين قيد التكوين.