الحصاد المر لـ11 سبتمبر

الحصاد المر لـ11 سبتمبر

الحصاد المر لـ11 سبتمبر

 صوت الإمارات -

الحصاد المر لـ11 سبتمبر

سام منسى
بقلم - سام منسى

منذ يومين، مرت الذكرى العشرون لجريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001 الإرهابية، ذاك الحدث المذهل الأميركي بامتياز، الذي طبع سياسة أميركا، وعلق في الذاكرة الجماعية الشعبية، ولم يزل فاعلاً في خلفية التفكير السياسي الأميركي، إن لم نقل في صناعة القرار الاستراتيجي. وبقدر ما هو حدث أميركي، هو عربي أيضاً في منطلقاته وتداعياته؛ لأن ذيوله لا تزال حتى اليوم ماثلة في سياسة واشنطن تجاه منطقتنا من جهة، ومن جهة أخرى بسبب ما استتبعه من متغيرات مُزلزِلة في أرجاء الإقليم؛ ليس أقلّها غزو العراق عام 2003، الذي أتاح لإيران، لأسباب معروفة وكامنة، مساحات كبيرة لتوسع نفوذها في المنطقة.
وأصدق مَن عبّر عما كان يجول في رؤوس الأميركيين آنذاك ولا يزال هو باراك أوباما، عندما ميّز في مقابلة شهيرة بين ما وصفه بـ«الإرهاب السني المتفلت والإرهاب الشيعي المنضبط». وهذا المنطق اللامنطقي والمسطح، لعله في أساس ما عانت وتعاني منه المنطقة منذ عقدين من الزمن جراء سياسة واشنطن، وآخرها الانسحاب المتسرع من أفغانستان، والمتزامن مع الذكرى العشرين لغزوها. ولا يجوز بالمناسبة إغفال أن «طالبان» التي كانت شريكة واشنطن ما قبل إرهاب «القاعدة»، وعادت الآن إلى موقعها عبر اتفاقية الانسحاب، أصرت على الاحتفال بالحكومة الجديدة يوم 11 سبتمبر بالذات، ولعل في ذلك إمعاناً فيما تعتبره عبرة للأميركي المحتل والمنسحب.
يمكن كتابة آلاف الصفحات عن الأخطاء الأميركية في المنطقة؛ آخرها انسحابها من أفغانستان من دون تحقيق أي من أهدافها المعلنة أقلّه، وعلى رأسها القضاء على مصادر الإرهاب بنسخه الحديثة، أي على الجماعات الدينية المتشددة والعنيفة. صحيح أنها قضت على عدد من قادة هذه الجماعات، من أسامة بن لادن إلى أبو مصعب الزرقاوي وأبو بكر البغدادي وحمزة بن لادن وآخرين، إلا أن إزالة الرؤوس لم تمنع هذه الجماعات العقائدية المتطرفة من التمدد والمضي في غيها.
ويؤكد ذلك العطب الرئيسي في الرؤية الأميركية والغربية بعامة لمكافحة الإرهاب، وعدم إدراك لطبيعة هذه الجماعات وأساليبها، ومن خلفها من بيئات ولادة لعنفها العدمي.
ولم تنجح واشنطن أيضاً في إرساء أسس لحكم ديمقراطي، وحاولت إنشاء حكومة مركزية في بلاد ممزقة تاريخياً بنزاعات قبلية. صحيح أنها أنجزت الكثير نسبياً في بلد كأفغانستان عاش حروباً طويلة، وانحرم من التنمية على الصعد كافة، لكن الأميركيين، وعلى مدى 20 عاماً، تعاملوا كما يقولون هم أنفسهم، مع فاسدين، إضافة إلى مجموعات قاصرة تجهل أساليب الحوكمة الرشيدة، ولا تعرف كيف تُدار البلاد، وتفتقر إلى الخبرة والقدرة والثقافة الديمقراطية.
تغاضت واشنطن أيضاً عن باكستان المجاورة، وعن حزام الأمان الذي وفّرته لـ«طالبان» و«القاعدة» على طول الحدود بين البلدين؛ ليس أقلها فداحة التستُّر على مخبأ بن لادن نفسه، ورغبتها في استتباع أفغانستان، والحد من نفوذ الهند، وفي ذلك عدم إدراك للقطب الخفية في جيوسياسة المنطقة.
هذا الفشل ليس السبب الوحيد وراء انسحاب أميركا، بل يُضاف إليه إرادة الخروج لأسباب أبرزها تغيّر الأولويات بين 2001 و2021؛ إذ باتت همومها الرئيسية هي الصين وروسيا وإيران، إضافة إلى الاقتصاد الأميركي وقضية التغير المناخي، إنما مهما كانت الدوافع، فهي لا تبرر مضمون التسوية مع «طالبان»، ولا طريقة الانسحاب. التسوية أساءت إلى الولايات المتحدة وستطال شظاياها أكثر من جهة وقضية، أولهم أولئك الذين سيعيشون تحت حكم «طالبان» التي لم تقدم أي ضمانة أنه سيكون وفق ما تقتضيه بديهيات نظام سياسي في القرن الحادي والعشرين، في تكرار، بعد 40 سنة، لتجربة الثورة الإيرانية عام 1979، التي تعدَّت تداعياتها وأضرارها دول الإقليم لتصل إلى الغرب نفسه.
وفي حسابات الربح والخسارة من خطوة الانسحاب، أبرز المستفيدين هم الصين وروسيا وإيران. هموم هؤلاء هي إصابة أميركا بأكبر قدر من التشظي، وهم فرحون اليوم «بهزيمتها» في أفغانستان، وهم قادرون على التعايش مع «طالبان»، كما تعايشوا مع «القاعدة» و«داعش»، خصوصاً إيران، وإلى حد ما الصين.
وعلاوة على علاقاتها الوطيدة مع باكستان، ترى الصين في أفغانستان إضافة جديدة إلى مبادرة الحزام والطريق، وهي المهتمة بالاستثمار لا بحقوق الإنسان. أما روسيا، فالانسحاب فرصة لها لتعزيز دورها كوسيط قوي داخل أفغانستان وحولها، ولتقديم رؤية للتواصل الإقليمي تعزز مصالحها الخاصة ونفوذها السياسي والعسكري في آسيا الوسطى المجاورة، وآخر ما تفكر فيه مصير الديمقراطية والحريات والتحديث وحقوق الشعب الأفغاني.
أما الخاسرون؛ فهم كثر، وأولهم العالم العربي الذي أصبح عالمين؛ فالخليج العربي والمغرب وتونس عالم بحد ذاته له سياساته وخططه ومستقبله بما يختلف تماماً عن المشرق، أي لبنان وسوريا والعراق وغزة واليمن. هذا المشرق المتأثر بهذه الموجات المتشددة الشيعية أكثر منها السنية؛ فهيمنة إيران على أربع دول عربية وغزة إلى حد ما واحتمال الاعتراف الدولي بحكومة أفغانستان، سيحفّزان ظهور جماعات سنية متطرفة ومتشددة في هذه الدول غير موجودة اليوم، أو تقوية أخرى كامنة أو ضعيفة.
إن وصول «طالبان» إلى السلطة لم يلقَ الترحيب، فـ«الإخوان المسلمون» في المغرب سقطوا سقوطاً مدوياً في الانتخابات الأخيرة، ولم نرَ فرحاً عارماً بوصول «طالبان» إلى الحكم إلا من الجماعات السنية المرتبطة بإيران.
هل تعي الولايات المتحدة مصير هذه المنطقة من العالم؟ هل تعرف أن سياستها قصيرة النظر هذه ستستجلب مستقبلاً المزيد من المشكلات، وهي وصفة ناجعة لتدمير ما تبقى من مظاهر تحديث ومؤسسات وثقافة في هذه البقعة المنكوبة؟
العطب الرئيسي في هذه السياسة أنها تسعى لاستقرار مؤقت، ولو جاء على حساب تدمير بنى أساسية في هذه المجتمعات. ثبت أن الولايات المتحدة ترى المنطقة عبر العين الإسرائيلية، وهي أو فرنسا وإسرائيل نفسها وغيرهما على استعداد للتعامل مع الجهة القوية القادرة على أن تسلّم وتنفّذ وتدير وتمسك بزمام الأمور وتوفر لها مصالحها.
والأكثر دلالة هو ما يحصل مع سوريا، حيث هناك رغبة أميركية مضمرة في الانفتاح على نظام بشار الأسد لا تستطيع الإعلان عنها لأسباب داخلية تمنعها من رفع العقوبات عن النظام وتطبيع العلاقات معه. إنما هذه الإدارة الحالية تشجع بصورة غير مباشرة بعض الدول على الانفتاح تدريجياً عليه. حراك العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أتى مباشرة بعد زيارة واشنطن، وتصريحه عن الانفتاح على نظام الأسد كان لافتاً. وتلاه التشجيع الأميركي على استجرار الغاز المصري إلى لبنان عبر سوريا، وغض النظر عما يجري في الجنوب السوري من تغيير سكاني، عبر نقل عدد من أهالي المنطقة من السنّة إلى الشمال، وإسكان عدد من الشيعة أو الإيرانيين فيها، لتكون هذه المنطقة ديموغرافياً تحت سطوة إيرانية.
قصارى القول إن منطقتنا تحديداً تحصد جزئياً ما زرعته خلال عقود ماضية، إنما لا يجوز إغفال أن الوضع الراهن هو أيضاً نتيجة لسياسات أميركا فيها، آخرها التخلي بعد هجمات 11 سبتمبر وحتى اليوم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحصاد المر لـ11 سبتمبر الحصاد المر لـ11 سبتمبر



GMT 17:50 2024 الأربعاء ,12 حزيران / يونيو

عودة الجغرافيا السياسية: حرب أوروبا

GMT 20:10 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السم بالتذوق

GMT 20:03 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

مراهنات خطيرة في السودان

GMT 19:59 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الحرب الأهليّة في تأويل «حزب الله» لها

GMT 19:55 2021 الأربعاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

السعودية... الحقبة الخضراء

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 00:00 1970 الخميس ,01 كانون الثاني / يناير

 صوت الإمارات -

GMT 22:24 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 21:01 2017 الأحد ,01 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السجائر في الإمارات بعد تطبيق الضريبة الانتقائية

GMT 12:14 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم برج الثور الأثنين 30 تشرين الثاني / نوفمبر2020

GMT 07:44 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

تامر حسني يعلن موعد عرض فيلم "الفلوس"

GMT 12:06 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

دندن يبحث سبل تعزيز التعاون مع جمعية الشارقة الخيرية

GMT 16:46 2016 الثلاثاء ,09 شباط / فبراير

تخفيض دائم على سعر جوال "OnePlus 2" إلى 349 دولار

GMT 08:23 2016 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

توزيع جوائز القصة القصيرة بالتعاون مع مؤسسة "بتانة" الثقافية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates