السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين

السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين

السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين

 صوت الإمارات -

السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين

سام منسى
بقلم - سام منسى

أحيا المنتدى الاقتصادي العالمي الذي انعقد في الرياض الأسبوع الفائت زخم المفاوضات الجارية، بحيث علا صوتها على قعقعة السلاح في غزة، وغلب الدخان الأبيض من الرياض الدخان الأسود المنبعث من تل أبيب. احتمال وقف إطلاق النار وإطلاق عدد من الرهائن بات جدياً، والأكثر أهمية هو إحياء مساعي حل الدولتين التي كانت في سبات عميق حتى قبل حرب غزة.

محور الحراك إبان المنتدى كان الدبلوماسية السعودية، بشخص وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، وعملت على خطين: الأول السعي لوقف دائم لإطلاق النار بين «حماس» وإسرائيل، وإطلاق الرهائن، مع حل شامل للوضع الفلسطيني. والثاني، وبالتوازي مع الأول «مسار ذو مصداقية لا رجعة عنه» لحل الدولتين.

في المقابل، ينشط وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على أكثر من مستوى وجهة، مؤكداً ما أعلنته إدارته مراراً، وهو العمل لمسار إنشاء الدولة الفلسطينية، بداية بإنهاء الحرب في غزة، للمضي لاحقاً في التطبيع بين إسرائيل ودول المنطقة، باعتبار أن الأمرين يمثلان على حد قوله: «القصاص الوحيد الأكثر فعالية لإيران و(حماس)».

أهمية هذه المواقف تكمن في تأكيد جدية المناخ الذي كان سائداً قبل عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) التي من ضمن أهدافها الرئيسة كان وأد مساعي السلام الدائم بين دول المنطقة، وتعطيل الدور الأميركي فيها، وتوتير العلاقات الأميركية- الخليجية بعامة، والأميركية- السعودية بخاصة؛ لا سيما الجانب الأمني منها. حتى الآن، يبدو أن عملية 7 أكتوبر أعطت نتائج عكسية؛ إذ أصبح حل الدولتين العبارة السحرية للدبلوماسية الساعية لحل النزاع، ورجعت واشنطن لاعباً رئيساً في مساعي وقف حرب غزة، وتلك الساعية لسلام دائم وأسس جديدة ثابتة للأمن في الإقليم.

هل هذه الوقائع المنبثقة على هامش منتدى الرياض ستكون مثمرة؟ الإجابة الحاسمة بسبب عوامل كثيرة متداخلة، بعضها سلبي قد يعكّر الأجواء، وأخرى إيجابية قد تصفيها.

من العوامل المشجعة أن إسرائيل باتت شبه مقتنعة بعجزها عن محاربة خصومها بمفردها، ومن دون مساندة حلفائها من الدول الغربية، على الرغم من تفوُّق قدراتها العسكرية والتكنولوجية في المنطقة، وظهر ذلك إبان رد إيران على قصف قنصليتها في دمشق باستهدافها بالمُسيَّرات والصواريخ. إلى هذا، تدرك إسرائيل -أو تحديداً هذه الحكومة المتطرفة- أنها لا تستطيع مواجهة أغلب دول العالم المجمعة على رفض ممارساتها الشرسة والمفرطة في القوة، في حربها ضد «حماس»، بمعزل عن اعتراف هذه الدول بحقها في الدفاع عن نفسها.

إسرائيل اليوم، ودون مبالغة، تخاصم العالم، وتواجه أغلب دول الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولم تحظَ بالتعاطف الدولي المعهود إبان الهجوم الإيراني عليها. بفضل هذه الحكومة، إسرائيل اليوم في مواجهة مباشرة مع محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، التي قد تصدر مذكرات توقيف بحق عدد من مسؤوليها وقادتها. ولن نُغيِّب التباين إلى حد الخلاف مع حليفها الاستراتيجي الرئيس، واشنطن، دون احتساب التظاهرات والاعتصامات ضدها في عدد كبير من كبريات الجامعات في أميركا وأوروبا. إلى كل ذلك، أوضاع حكومة بنيامين نتنياهو الداخلية غير مريحة إطلاقاً، وسط الاحتجاجات التي تعم الشوارع، والخلافات التي صارت معتادة داخل الحكومة ومجلس الحرب.

في المقابل، إيران ليست أحسن حالاً، فهي بالأساس تحاكي ما آلت إليه إسرائيل اليوم: شبه معزولة دولياً، خاضعة لعقوبات على أكثر من صعيد وسبب، أحوالها الداخلية بمثابة علبة سوداء مجهولة المحتوى. تعرف طهران أنها ليست بمنأى عن التهديد الإسرائيلي الذي تبين أنه قد يطول منشآتها النووية في أصفهان، إضافة إلى كل ما تعرضت له سابقاً في داخلها وخارجها من اغتيالات وأعمال تخريب، وما تتعرض له وحلفاؤها منذ سنوات في سوريا.

بعد 7 أكتوبر، لا تستطيع إسرائيل مواجهة العالم أجمع، وهي ممنوعة من مهاجمة إيران دون رضا واشنطن ودعمها. إيران أيضاً عاجزة عن محاربة إسرائيل إلا بالحرب غير المتكافئة بواسطة أذرعها في الإقليم، وهي تحت مرمى الصواريخ الإسرائيلية أو دول التحالف الغربي. إيران على ثقة بأن الغرب لن يترك إسرائيل وحدها إذا هاجمتها إيران.

الخلاصة لما سبق، أن الحرب بين طهران وتل أبيب ممنوعة، وأقصى المسموح به هو حال المراوحة الحالية التي استنفدت وقودها. العالم بأسره لن يسكت عن مقتلة الفلسطينيين بغزة، والإيرانيون اقتنعوا بحدود قدرتهم على التمدد بواسطة الأذرع والحلفاء.

هل ستقنع هذه الوقائع المتشددين من الجانبين الإسرائيلي والإيراني بالتكيف مع المستجدات، والبدء في التغيير؟ أم ستكون حوافز للتصعيد وتسعير الأوضاع؟

اللاعبان الرئيسان وراء الأزمة في المنطقة، ولو بنسب مختلفة وقابلة للنقاش: إيران تعرف حدود ما تقدر عليه، وقرارات إسرائيل مقيدة إلى حد بعيد بحلفائها، بفضل ما يمكن وصفه بالردع المزدوج الذي مارسته وتمارسه الدبلوماسية الأميركية على غير عادتها، بعد حرب غزة. يبقى السؤال حول إذا ما كان هذا الردع الأميركي الغربي المزدوج قادراً على منع الحرب الواسعة، وعلى المضي قدماً بمسار السلام الشامل وفرضه، أقله على إسرائيل، بانتظار ما ستؤول إليه الأمور في طهران.

المناخ الإقليمي شبه ناضج للتسوية إذا تمكنت إسرائيل، (ولا أعني هذه الحكومة)، من تجاوز هوسها بالحلول الأمنية، وتحولت إلى النظر بالعدسة السياسية. يصعب على نتنياهو الإقدام على اجتياح رفح أو توسيع الحرب إلى جنوب لبنان وسط الضغوط المتزايدة، وهو بين خيار إما بايدن وإما بن غفير وسموتريتش، وتحاصره في الشارع الاحتجاجات من كل صوب.

إيران لا تسعى إلى حرب واسعة تعجز عن خوضها، وبات أقصى ما تخشاه مسلطاً على رأسها، وهو تغيير استراتيجي في أمن الإقليم، إذا قُدر للتعاون العسكري السعودي- الأميركي أن يتحقق، ولجهود إطلاق مسار واقعي لحل الدولتين والسلام الدائم العربي- الإسرائيلي أن تنجح.

يصعب استمرار العناد الإسرائيلي في مواجهة هذه المتغيرات- المستجدات، والمرجح أن تنتهي صلاحية نتنياهو، وتأتي حكومة تتفهم اللغة والمتغيرات الجديدة في المنطقة والعالم، بخاصة جيران إسرائيل والحليف الاستراتيجي الأميركي.

أدوات القياس القديمة لم تعد صالحة لمعرفة توجهات المنطقة، والقناعة بالتسوية الدائمة تجتاح العالم، بما فيها الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الإقليم ما عدا إيران. الحروب الصغيرة المتنقلة لن تستمر دون أن تتحول إلى انفجار كبير، هو آخر ما تحتاجه هذه المنطقة المنكوبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين السلام بين الردع المزدوج وعجز المتشددين



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 00:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
 صوت الإمارات - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 18:53 2020 السبت ,31 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الثور السبت 31 تشرين أول / أكتوبر 2020

GMT 02:56 2018 السبت ,01 كانون الأول / ديسمبر

تعرفي على أفضل مطاعم العاصمة الأردنية "عمان"

GMT 15:37 2014 الجمعة ,10 تشرين الأول / أكتوبر

تسريحة "الريتو" تشهد إقبالًا شديدًا من النجمات العالميات

GMT 10:07 2012 الجمعة ,14 كانون الأول / ديسمبر

"خدعنى الفيس بوك" مجموعة قصصية للكاتب أشرف فرج

GMT 15:15 2014 الجمعة ,17 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة العيد ترجع بنا الذاكرة إلى سنوات الزمن الجميل

GMT 19:03 2020 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

13.8 تريليون درهم تداولات «دبي للذهب والسلع» في 15 عاماً

GMT 14:48 2018 الإثنين ,24 كانون الأول / ديسمبر

كايلا موريس تستعرض جسدها بالبكيني في تينيريفي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates