الشيخ والفيلسوف

الشيخ والفيلسوف

الشيخ والفيلسوف

 صوت الإمارات -

الشيخ والفيلسوف

بقلم - خالد منتصر

يقع كتاب تنويريون كثيرون فى فخ الأكاديمية المفرطة، والمصطلحات المعقدة، وعدم الاهتمام برجل الشارع كمستقبل لهذا الخطاب التنويرى، وعدم مراعاة اختلاف ذوق الشباب المعاصر، الذى يستلزم بالضرورة تغيير لغة وأسلوب الخطاب التنويرى، وقليل جداً من كتب تلك النوعية استطاع حل تلك المعادلة الصعبة، ووصل إلى شفرة البساطة والعمق فى نفس الوقت، وكتابنا اليوم ينتمى إلى تلك النوعية.

الشيخ والفيلسوف للكاتب والصحفى والمثقف الكبير شريف الشوباشى، عنوان جذاب ومباشر وواضح، إنه لقاء بين متناقضين، اللقاء عبارة عن مناظرة فكرية ساخنة على طريقة برامج «الكروس فاير» التى لها جماهيرية كبيرة، لكنها ليست فى استوديو تليفزيونى ولكن فى مسجد.

وبرغم أننى لا أثق فى فاعلية مناظرات الاستوديوهات فى الواقع لأسباب كثيرة، لكن مناظرة الخيال التى فى هذا الكتاب استطاعت التخلص من عيوب وخطايا وجرائم المناظرات العربية سواء الدينية أو السياسية، والسر فى نجاح هذه المغامرة يعود للمؤلف الذى جمع بين الثقافة الغربية الفرنسية من خلال التعليم والسفر والاحتكاك بأوروبا من خلال عاصمة النور باريس.

وبين الثقافة التراثية الإسلامية من خلال مكتبة الأب والعائلة التى لها باع فى مجال الثقافة والإبداع نرجو أن يتسع المجال لذكره فى مقال منفصل، نجح فى الاحتفاظ بتلك الشعرة الرفيعة والميزان الحساس، واستطاع ألا ينحاز لطرف على آخر، ولم يرسم صورة الشيخ فرج بطريقة هزلية، بل أتى على لسانه بحجج قوية ومربكة للطرف الآخر، لذلك جاءت قوة رد د. بسيونى أستاذ الفلسفة واكتسبت مصداقيتها وإفحامها من قوة حجج الشيخ، وهنا قدرة الكاتب على الحكى والإمساك بتلابيب القارئ، وجذبه بلغة بسيطة وسهلة، لكنه يفعل كل هذا بدون أن يخون رؤيته التنويرية المتماسكة، ومشروعه الفكرى المتمرد على السائد، والثائر على الرجعى والظلامى.

البداية مع مصطفى طالب كلية الآداب قسم فلسفة الفرقة الأولى، يخطو خطواته الأولى فى هذا القسم الغامض السحرى الذى دخله عن حب، مع محاضرة د. بسيونى تبدأ الصدمة والخروج من قالب المدرسة الجبس إلى عالم الجامعة البراح، بسيونى لم يكن يدرس للطلبة تاريخ الفلسفة وكأنه يسمع دليل التليفون، ولكنه كان يستفز عقولهم بالأسئلة، هددهم «اللى حيقول عن رأى فلسفى حرام أو إنه ضد الدين حاطرده من المحاضرة»!!

أخبرهم بكل تواضع أنه لا يعرف كل حاجة، هز لديهم صنم اليقين، فى ظل حيرة مصطفى وصدمته وبحثه عن الحقيقة توجه إلى الجامع وسأل شيخه فرج الذى اعترض على أسلوب أستاذ الفلسفة، وبين هذين الطرفين المشدودين قرر دعوتهما للمناظرة، كان سؤال ما هى الفلسفة هو المفتاح، بدأ يدرك أن التعريفات الصارمة الجامعة المانعة لا وجود لها فى الفلسفة، وأن بداية حب الحكمة والتفكير العقلى والفلسفى المنظم بدأ مع طاليس حين استطاع التنبؤ بالكسوف، بدأ البشر بسبب الفلسفة ينزعون عن الظواهر الطبيعية صفة النزوات الإلهية، الفيلسوف يبحث عن الحقيقة، رجل الدين وجد الحقيقة!!

فرق بين من يستخدم الحجة والمنطق والبرهان ومن يستخدم الخوف والترهيب والرعب. أكد د. بسيونى على أنه لا وجود لما يسمى خاتم الفلاسفة، وأكد الشيخ على أن القانون الإلهى لا قانون فوقه.

المناظرة ناقشت هل الخوف من الموت هو صانع الأديان؟

استخدم الشيخ كل الأسلحة التقليدية ومعاول هدم العلمانية، ودخل عن طريق الجنس والعلاقات المفتوحة والمثلية فى الغرب، رد عليه أستاذ الفلسفة وكأنه يقدم درساً خصوصياً للشباب المستلب المغيب ليعلمهم كيفية الرد على تلك الأسطوانة المشروخة.

ارتفعت حدة المناقشة عندما اتهم أستاذ الفلسفة مؤمنى الخوف والطمع، الخوف من جهنم والطمع فى الحور العين، ليمتد الحديث بعدها عن معنى الفعل الأخلاقى، وهل من الممكن وجود أخلاق بدون احتياج للدين؟.

هل الفضيلة والرذيلة هى الحكم والمعيار أم الحلال والحرام؟

أهم منعطف كان استعراض تاريخ تجريم السؤال، والعنف ضد إتاحة التعاطى مع الدين للناس وللشارع وللبشر العاديين، ولماذا كان رجال الدين فى منتهى العنف ضد تلك الخطوة؟

ما هى العلمانية؟ سؤال أشعل المناظرة، واشتعلت أكثر عندما اتهم أستاذ الفلسفة الفكر الدينى بالإقصاء والتفرقة.

لم يهادن أستاذ الفلسفة عندما طرح سؤال هل من الممكن التوفيق بين الدين والفلسفة؟، أجاب بحسم: لا.

انتهت المناظرة، لكن هل انتهت حيرة مصطفى؟ والتى هى حيرة ٩٩٪ منكم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الشيخ والفيلسوف الشيخ والفيلسوف



GMT 21:31 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

كهرباء «إيلون ماسك»؟!

GMT 22:12 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

لبنان على مفترق: السلام أو الحرب البديلة

GMT 00:51 2024 الأربعاء ,16 تشرين الأول / أكتوبر

مسألة مصطلحات

GMT 19:44 2024 السبت ,12 تشرين الأول / أكتوبر

هؤلاء الشيعة شركاء العدو الصهيوني في اذلال الشيعة!!

GMT 01:39 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

شعوب الساحات

GMT 13:56 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حماسية وجيدة خلال هذا الشهر

GMT 09:22 2020 الأربعاء ,01 تموز / يوليو

أجواء إيجابية لطرح مشاريع تطوير قدراتك العملية

GMT 13:28 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أجواء حذرة خلال هذا الشهر

GMT 21:40 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

يتحدث هذا اليوم عن بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 08:30 2019 الجمعة ,18 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة تحضير بان كيك دايت شوفان سهل ومفيد

GMT 14:47 2019 الأربعاء ,19 حزيران / يونيو

فيفي عبده تردّ على منتقدي شكل حواجبها مع رامز جلال

GMT 18:22 2015 السبت ,06 حزيران / يونيو

صدور "حكومة الوفد الأخيرة 1950-1952" لنجوى إسماعيل

GMT 08:05 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

فلسطين ومفارقات حقوق الإنسان

GMT 08:09 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

"بيجو" تحذر من انها لن تتراجع عن اغلاق مصنع لها

GMT 15:07 2017 الإثنين ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أردنية تُنشئ مجموعة إلكترونية لتشجيع المرأة على النجاح

GMT 19:43 2020 الجمعة ,11 أيلول / سبتمبر

زلزال بقوة 4.3 درجة يضرب جزر الكوريل في شرق روسيا

GMT 07:51 2019 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنيه المصري يرتفع أمام الدولار بنسبة 10.3% منذ بداية 2019

GMT 14:09 2019 الإثنين ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إليسا تعود لإحياء الحفلات في مصر وتلتقي بجمهورها

GMT 10:49 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

"تويوتا" تعدل أحدث نموذج من سيارتها التي يعشقها الملايين

GMT 06:15 2019 الأحد ,14 إبريل / نيسان

هاني سلامة يفقد الذاكرة في مُسلسله الجديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice emiratesvoice emiratesvoice
emiratesvoice
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
emirates , emirates , Emirates